العبادي وطموح العودة للحكم: عقبات داخلية وخارجية

16 يوليو 2019
تنتهي مهلة تنفيذ الوعود لعبد المهدي بالخريف(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
على نحو ضيّق في النجف وبغداد، يواصل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي طرح نفسه بديلاً جاهزاً لرئاسة الحكومة مرة أخرى في حال استقالة عادل عبد المهدي أو إقالته من منصبه، وذلك بعد تصاعد الاتهامات البرلمانية الموجهة ضده، لفشله بتطبيق برنامجه الحكومي وانقلابه على وعود قطعها على نفسه في جلسة منح الثقة العام الماضي، كإلغاء المحاصصة الطائفية في مجلس الوزراء وباقي مؤسسات الدولة. فقد انصاع عبد المهدي لرغبة القوى السياسية، موزعاً نحو 200 منصب من أصل ألف منصب حكومي، وفقاً للمحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق منذ عام 2003، عدا عن اتهامه بمجاملة إربيل، بشأن ملفي النفط وكركوك، وهو ما وضعه في واجهة انتقادات كتل رئيسية بالبرلمان، أبرزها "الحكمة" و"سائرون" وكتل أخرى أصغر كائتلاف "النصر" و"القرار".

ثلاث شخصيات سياسية في بغداد والنجف تحدثت عن تقديم حيدر العبادي نفسه على أنه البديل الجاهز، مع ارتفاع مؤشر عدم الرضا عن أداء الحكومة الحالية، وازدياد حجم التحديات المتعلقة بقدرة عبد المهدي في التوفيق بين العنصرين الأميركي والإيراني في العراق، وهو ما يشكك به مراقبون عراقيون، معتبرين أن "العبادي من الشخصيات العراقية التي تضعها طهران في قائمتها الرفض، أسوة بإياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق، وهو السبب الأول الذي أبعده عن الولاية الثانية للحكومة العام الماضي".

وسبق للعبادي أن قال في حوارٍ سابق لـ"العربي الجديد"، إنه "كانت هناك رؤية للاستمرار بالولاية الثانية، لإيماني بقدراتي وإخوتي وفريقي على مواصلة الحكم وإدارة البلاد، وسأستمر بالعمل لوصول ائتلاف النصر (ائتلافه) إلى السلطة"، إلا أن التصريح الأخير الذي أطلقهُ عبر وكالة "فرانس برس" كان لافتاً، إذ أكد للوكالة الفرنسية، بأن "هناك تواصلاً من نوع معين مع المرجعية الدينية"، في إشارة للمرجع علي السيستاني. مع العلم أن مرجعية النجف، أكدت في غير مرة نأيها بنفسها عن السياسيين، ولا تستقبل أحداً، بل تمارس توبيخاً دورياً للمسؤولين في البلاد، من خلال خطب أيام الجمعة، عبر متحدثين رسميين للسيستاني.

حديث العبادي الأخير، تزامن مع تأكيدات لمسؤولين وسياسيين عراقيين بأن الرجل يستفيد من رصيده السابق في رئاسة الوزراء لعرض نفسه مجدداً بديلاً، في حال انهارت الحكومة الحالية بالإقالة أو الاستقالة، ويسعى لترطيب الجو مع إيران بالوقت ذاته.

ويواجه عبد المهدي منذ أيام هجوماً واسعاً من كتل سياسية مختلفة، بسبب ملفات عدة، أبرزها الإخفاق بإلغاء المحاصصة الطائفية، وملف الخدمات، والفساد، وتنصّل الكرد من اتفاق تسليم عائدات بيعهم النفط وملف المدن المحررة المدمرة، والتأخر في تنفيذ البرنامج الحكومي مع التلويح بورقة استجواب أربعة وزراء في حكومته داخل البرلمان، هم وزراء النفط والمالية والمواصلات والكهرباء. وأشار عضو تيار الحكمة النائب أسعد البدري، إلى أن "عبد المهدي قد لا يستمر بمفاوضاته مع الكتل السياسية على المناصب، وقد يُقدم استقالته خلال الفترة المقبلة، في حال استمرت الكتل بالمفاوضات على المناصب".
ووفقاً لقيادي في "ائتلاف النصر"، معروف بقربه من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فإن "الأخير يقدم نفسه بلطف لدوائر عراقية في النجف وبغداد، كرجل دولة وقادر على إدارة دفة البلاد في حال أخفق عبد المهدي بإكمال مشواره"، مستدركاً في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "العبادي قادر على ذلك ولديه تجربة ناجحة، ويعزز تحركاته في النجف ويحاول اليوم ترطيب الأجواء مع إيران أيضاً".

وتابع أن "الصدر لغاية الآن يشير إلى دعمه لحكومة عبد المهدي، إلا أنه غير راضٍ بما توصلت إليه، إذاً فإن نهاية المهلة التي أعطيت لعبد المهدي وهي سنة كاملة، تنتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وسنشهد حتماً تبدلاً بموقف الصدر، والأقرب إلى الصدر، هو العبادي وقد يدعم التيار الصدري عودته للسلطة مرة أخرى".

في المقابل، علق عضو بارز في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم لـ"العربي الجديد" على ذلك، بالقول إن "تحركات العبادي وراءها أطراف سياسية تشجعه"، معتبراً بالوقت نفسه أن "سيناريو انهيار الحكومة ما زال مبكراً الحديث عنه".

من جهته، أشار النائب عن تحالف "سائرون" غايب العميري، إلى أن "الدستور ينص على أن إقالة رئيس مجلس الوزراء لا تتم إلا عن طريق البرلمان، وبتصويت يسمى الأغلبية البسيطة، وبغير هذه الطريقة لن تتم إقالة عادل عبد المهدي"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "سائرون وبالرغم من وجود الكثير من الملاحظات على أداء عبد المهدي وضعفه، إلا أنه لغاية الآن، ما زلنا داعمين له". وأكمل قائلاً إن "البرلمان منقسم إلى أكثر من قسمين، فهناك من هو داعم لعبد المهدي، وبعضهم ضده، وآخرون غاضبون منه، لكن بصورة عامة الحكومة مستمرة"، موضحاً أن "عبد المهدي قدم لنا تقريراً عن عمله مع تشكيلته الوزارية للأشهر الستة الماضية، ووجدنا أن هناك وعوداً لم تُنفذ وأعذاراً غير مقبولة وأسباباً غير منطقية". إلا أن النائب محمد اللكاش، اعتبر أن حيدر العبادي "يحلم بالعودة إلى السلطة، ولن يتحقق هذا الحلم"، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنه "حتى مع وجود عدم رضا على أداء عبد المهدي من قبل كتل كثيرة داخل البرلمان، فإن خيار عودة العبادي بعيد جداً".

ووصف مراقبون حراك العبادي بـ"الصعب للغاية" لاعتبارات كثيرة داخلية وخارجية، حتى مع انهيار الحكومة الحالية، ووفقاً للخبير أحمد الحمداني فإن "تحديات كثيرة تقف أمام عودة حيدر العبادي رئيساً للوزراء، ولو على سبيل حكومة طوارئ مؤقتة منها داخلية وأخرى خارجية". وأضاف لـ"العربي الجديد"، بأن "الكرد لن ينسوا للعبادي موقعة كركوك وما فعله بعد الاستفتاء من حملة عسكرية ضدهم انتهت بطردهم من نحو 20 مدينة وبلدة متنازعاً عليها شمال العراق، كما أن الإيرانيين، وهم الأهمّ بالمعادلة، يرون من الأساس أن العبادي ورقة أميركية وإن عاد فعودته لن تكون لصالحهم في العراق. وهذا يعني أن نحو 130 صوتاً برلمانياً لن يكونوا في صالحه، لذلك إنه عودته صعبة جداً، إلا في حال كان هناك توافق خارجي ضمن صفقات تتم حينها بين واشنطن وطهران، كما حصل مع عبد المهدي الذي وصل رئيسَ وزراء تسوية لم تعارضه أي من أطراف المعادلة في العراق". وقال إن "حراك العبادي قد يكون محاولة منه للبقاء في صورة الحدث الرئيسي بالعراق أو تمتين موقعه داخل ائتلاف النصر، الذي بدا متذمراً من سخاء العبادي الأخير برفضه المناصب الحكومية، التي كانت من حصته ضمن توزيع المناصب الأخيرة ضمن ما يعرف بالدرجات الخاصة".