بيروت، الكويت - العربي الجديد، أحمد الزعبي
وجدت الحكومة اللبنانية نفسها أمام طريق إجباري وهو الاستنجاد بالدعم الخارجي للخروج من النكبة التي حلت بالبلاد عقب الانفجار المرعب لمرفأ بيروت والذي ترتب عليه خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية ومختلف القطاعات الاقتصادية.
ورغم التعاطف العالمي مع لبنان وإعلان الكثير من دول العالم ومؤسسات دولية عن مساعدات طبية وإغاثية وعينية وفنية، إلا أن المساعدات المالية المباشرة لدعم عمليات إعادة الإعمار غابت تماما، وسط مخاوف من ابتلاع شبكات الفساد في لبنان لها وعدم الثقة في الحكومة الحالية، وهو ما يراه مراقبون أنه أمر طبيعي، في حين يراه آخرون أنه ابتزاز سياسي.
عقبة الفساد
في الوقت الذي سارعت فيه العديد من دول العالم إلى الإعلان عن التضامن مع لبنان، كان التحرك الأول على الأرض للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي ذهب في أول زيارة لزعيم أجنبي إلى لبنان بعد الانفجار ليعلن عن مساندته له من أجل إنقاذه من نكبته. وقال ماكرون لدى وصوله إلى بيروت إن تضامن فرنسا مع الشعب اللبناني غير مشروط لكنه أكد أنه يرغب في إطلاع بعض الشخصيات السياسية على "حقائق مؤلمة عن الوضع الداخلي".
وكما قابل ماكرون قيادات الدولة اللبنانية في قاعات الحكم، ذهب ليؤكد أمام حشود من اللبنانيين الغاضبين في وسط العاصمة بيروت أن الدعم الذي ستقدمه باريس لبلادهم لن يذهب إلى "الأيدي الفاسدة" وأنه يريد اتفاقا جديدا مع السلطات السياسية.
وقال للمحتجين في وسط بيروت بعد يومين من الانفجار الذي أحدث دمارا هائلا بالمدينة "أضمن لكم هذا- المساعدات لن تذهب للأيدي الفاسدة".
وأضاف: سأتحدث إلى جميع القوى السياسية لأطلب منها اتفاقا جديدا. أنا هنا اليوم لأقترح عليهم اتفاقا سياسيا جديدا. كانت الحشود قد استقبلته بهتافات تطالب بـ"إسقاط النظام".
وفي هذا السياق، قال مدير مركز الخليج العربي للدراسات السياسية والاقتصادية، فواز عبد العزيز، إنه بالعودة إلى المواقف والقرارات السابقة تجد أن لبنان ظل رهن الابتزاز السياسي والاقتصادي، حيث تتغير مواقف الدول الداعمة بتغير سير الأحداث على الساحة اللبنانية الأمر الذي يجعل لبنان رهن الصراعات الإقليمية والابتزاز وشراء الولاءات السياسية.
وأشار عبد العزيز خلال اتصال عبر سكايب مع "العربي الجديد" إلى أن السعودية كانت قد تراجعت في وقت سابق عن تعهداتها بعد إعلانها عن تقديم مساعدات للجيش اللبناني الأمر الذي يثير الشكوك بشأن مستقبل المساعدات التي يتم الإعلان عنها خصوصا في فترة الأزمات التي تلحق بلبنان.
طوق المؤسسات الدولية
قال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة، أمس الخميس، إن خسائر انفجار مرفأ بيروت تقدر بمليارات الدولارات، مشيرا إلى أن بلاده "ليس لديها قدرة مالية لمواجهة تداعياته". وذكر نعمة في تصريحات صحافية أمس، أن الخسائر باهظة، "صوامع القمح تضررت بالكامل في المرفأ ونحتاج وقتا لتقييم الأضرار". ومن المتوقع تعرض القطاع الاقتصادي والحركة التجارية في لبنان إلى أزمات إضافية، بعد الانفجار الذي من المحتمل أن يخلق نقصا في السلع الأساسية.
ويعتبر المرفأ مخزنا مؤقتا للعديد من السلع الرئيسية، كالحبوب بأنواعها، إذ تصنف أرض المرفأ على أنها موقع التخزين الأكبر في لبنان للحبوب والمواد الغذائية والدواء وغيرها.
وزاد الوزير اللبناني: "قدرة المصارف والبنك المركزي محدودة في الفترة الحالية، والعملة الصعبة في لبنان اليوم ليست رقما كبيرا".
ورأى أن "الحل الوحيد في الوقت الحالي سيكون مع صندوق النقد الدولي"؛ دون تفاصيل إضافية.
والشهر الماضي، خاض لبنان مباحثات فنية مع فريق من صندوق النقد الدولي، في محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن هذه المفاوضات تم تجميدها وسط ملاحظات عديدة أبداها صندوق النقد على الجانب الحكومي.
وفي الجهة الأخرى ورغم تأكيد البنك الدولي استعداده لتقديم المساعدة إلى لبنان لمواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة العشرات وأصاب آلاف الأشخاص فضلاً عن الأضرار البالغة التي تسبب فيها، إلا أنه اكتفى بالمساعدات الفنية دون التحدث عن دعم مالي مباشر يقدمه للحكومة اللبنانية.
وقال البنك في بيان أول من أمس، إنه مستعد لإجراء تقييم سريع للأضرار والاحتياجات ولتطوير خطة إعادة الإعمار وفقًا للمعايير الدولية. كما أبدى البنك استعداده لتقديم خبرات من جميع أنحاء العالم لإدارة عمليات التعافي وإعادة الإعمار بعد الكوارث.
حشد عالمي
واحتشدت دول العالم ومؤسسات دولية لتعلن عن تضامنها مع لبنان، واستعدادها لتقديم مساعدات، وصل بالفعل الكثير منها بعد ساعات من الانفجار، وبينها مستشفيات ميدانية وطواقم طبية وأدوية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أمس، بعد اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب، إن المفوضية مستعدة لمساعدة لبنان بمعاملة تجارية تفضيلية ودعم في الجمارك.
وقالت فون ديرلاين في بيان: "المفوضية مستعدة لبحث كيفية تعزيز علاقاتنا التجارية في هذا الوقت الصعب خاصة على هيئة المزيد من المعاملة التجارية التفضيلية وتسهيلات الجمارك".
كما عرضت مساعدة الاتحاد الأوروبي في تقييم إعادة إعمار بيروت وتعافي لبنان وكذلك دعمه في محادثاته مع المؤسسات المالية الدولية لجلب المزيد من المساعدة الاقتصادية.
وبريطانيا أعلنت عن حزمة مساعدات بقيمة خمسة ملايين جنيه استرليني (6.6 ملايين دولار) تشمل مساعدات في عمليات البحث والإنقاذ ودعما طبيا.
وألمانيا قالت إنها سترسل، إن أمكن، فريق إنقاذ من 47 فردا. كما ستقدم مليون يورو مساعدات فورية عبر الصليب الأحمر الألماني لإقامة مراكز للإسعافات الأولية في بيروت وتوفير المعدات الطبية.
ومن الدول العربية قالت وكالة الأنباء القطرية أول من أمس، إن الدوحة أرسلت أول طائرة عسكرية على متنها مساعدات طبية. ومن المقرر أن تعقبها ثلاث طائرات أخرى في وقت لاحق تحمل مستشفيين ميدانيين طاقة كل منهما 500 سرير، بأجهزة تنفس وغير ذلك من الإمدادات الطبية الضرورية.
أما تونس فتعهدت بإرسال طائرتين تحملان مساعدات طبية وأغذية. وقال الرئيس التونسي، قيس سعيد، إن بلاده يمكن أن تعالج نحو 100 مصاب في مستشفياتها. كما أعلنت السعودية والكويت ومصر وغيرها عن مساعدات عينية للبنان.
وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي الكويتي عادل الفهيد لـ "العربي الجديد" إن المساعدات العربية والخليجية تحديدا ليست على المستوى المطلوب غير أنها تخضع إلى المواءمات السياسية التي قد تعرقل تدفقها إلى لبنان في أي وقت بسبب التجاذبات والصراعات الطائفية.
وأضاف الفهيد أن ما تم الإعلإن عنه من مساعدات إلى لبنان غير كاف، حيث إنه يعاني من أزمات عديدة خلال الفترة الماضية، ولا يستطيع مواجهة التحديات الراهنة مثل الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا، داعيا في الوقت نفسه الدول الخليجية إلى تقديم المساعدات إلى الشعب اللبناني بغض النظر عن التجاذبات السياسية.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الإماراتي، عيسى الريامي، أن بعض الدول الخليجية أصبحت ترهن مساعداتها إلى الدول العربية وخصوصا إلى الشعب اللبناني بالمواقف السياسية لقادته وأيضا مواقف الطوائف والأحزاب المتصارعة، وهذا ما يعمق جراح وأزمات لبنان.
وانتقد الريامي خلال اتصال هاتفي لـ "العربي الجديد" مواقف دول خليجية أصبحت تصدر تصريحات علنية لوسائل الإعلان عن تبرعات ومنح ومساعدات وقروض إلى لبنان، ولا يتم تنفيذها، مشيرا إلى أن المبادرات والمساعدات الخليجية إلى بيروت ستجعله بعيدا عن التدخلات الأجنبية وتضمن عدم الزج بلبنان خارج محيطه العربي والإقليمي.