لم يكن الوصول إلى معتقلات سابقات لدى النظام السوري صعباً. لكن الأكثر صعوبة كان الحديث معهن عن تجربة الاعتقال. فعلى الرغم من كونهن خارج السجون اليوم، إلا أن هذه التجربة ما زالت تؤثر على حياتهن، علماً أن المؤسسات الحقوقية لا تهتم كثيراً بتقديم الدعم النفسي لهن.
ريم ف. هي إحدى هؤلاء. قبل البدء بسرد قصتها، تقول: "تعبت. ليتني أنسى فترة اعتقالي". ما زالت في الرابعة والعشرين من عمرها. اعتقلت في فبراير/شباط عام 2012، بعدما خُطفت من منزلها في حي الضمير في دمشق، بتهمة التعاون مع "الإعلام المُغرض"، كما يسميه النظام السوري، والإساءة للرموز الوطنية. تأخذ ريم نفساً عميقاً كلما استرجعت هذه التجربة. توضح: "لن أنسى ذلك اليوم. كنت أدرك أن حياتي ستتغير بعد دقائق. ما زلت أذكر جيداً نظرات أمي التي كانت تقف على درج بيتنا. بدأت تتلو الأدعية من دون أن تكون قادرة على فعل شيء".
خلال مداهمة المنزل، صادرت قوات الأمن أجهزة ريم الإلكترونية الخاصة. وبعد اعتقالها، تنقلت بين مراكز الاحتجاز الأمنية المختلفة، منها الفرع 215 التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية. تقول: "لم أرَ الضابط الذي حقق معي لكنني تخيلته. صوته وكلماته البذيئة كانت كافية لرسم صورته". ريم التي كانت تراسل إحدى القنوات الفضائية المناصرة للشعب السوري، عُذبت لتدلي بمعلومات عن "الجماعات المسلحة"، واتهمت بنقل السلاح إليهم.
تتابع ريم: "كان التعذيب مستمراً. وخلال فترات الراحة القليلة، كنت أسمع استغاثة المعتقلين من الزنازين المجاورة. مع الوقت، فقدت الأمل في الخروج. بعد ليالٍ من التعذيب والضرب والإهانة في السجن الانفرادي الذي كان عبارة عن حمام عربيّ، بالإضافة إلى الخوف من الاغتصاب، شعرت أنني أنهار".
تقول: "خفت ألا أرى ضوء الشمس مرة أخرى. حين أغمض عينيّ أرى الحياة، وحين أفتحهما، أعود إلى الكابوس. في الزنزانة المعتمة، لم أكن قادرة على رؤية لون بشرتي الذي تغير بسبب الضرب بالهراوات وأنابيب الصرف الصحي البلاستيكية وغيرها".
نتيجة الضغط النفسي والتعذيب، لم تعد ريم تعي ما تقول أمام الضابط المحقق. ذلك اليوم، قال: "خالصة.. رجعوها" (أي إلى السجن الانفرادي).
بعد شهرين، نقلت إلى سجن عدرا في دمشق. تقول: "تحسن الوضع قليلاً، على الرغم من انتشار القمل والحشرات. في الزنزانة الواحدة، كان هناك أكثر من 40 امرأة من كل الأعمار (ما بين 13 و60 عاماً)، كان بعضهن حوامل وأنجبن داخل الزنزانة".
انتظرت ريم مدة أربعة أشهر قبل محاكمتها، لتخرج في إطار صفقة تبادل. تضيف: "منذ إطلاق سراحي، صرت أنظر باستغراب في وجوه الناس. العالم لا يسمع أنين آلاف المعتقلين والمعتقلات الذين يموتون بصمت".
تعيش ريم في تركيا اليوم، وتعمل على مشروع لتقديم الدعم النفسي للمعتقلات، علماً أن هناك نحو 6500 امرأة خضن تجربة الاعتقال منذ بدء الحراك الشعبي، بحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، بينهن ما لا يقل عن 200 حالة دون سن الـ 18 عاماً.
في السياق، تؤكد مسؤولة مكتب المرأة في الشبكة والمعتقلة السابقة نور الخطيب لـ "العربي الجديد" أن "99 في المائة من الاعتقالات تحصل من دون مذكرات قانونية، ولا يتم إخبار المعتقلة أو أهلها بالتهمة أو مكان احتجازها، وتمنع من توكيل محام، وتتعرض للتعذيب، ليتحول الاعتقال التعسفي إلى اختفاء قسري في كثير من الحالات".
وتقّدر الشبكة السورية أن 2500 امرأة ما زلن قيد الاحتجاز حتى الآن، بينهن أكثر من 450 حالة اختفاء قسري، علماً أن السلطات السورية تنكر الأمر.
وتلفت الخطيب إلى أنه "خلال التحقيق، تتعرض المعتقلة للإهانات والضرب، بهدف نشر الخوف والرعب بين المعتقلات، وترهيب المجتمع الذي يعد محافظاً". تتابع: "تعاني المعتقلة كثيراً على الصعيد النفسي، لما يشاع عن تعرض المحتجزات للاغتصاب، ما يهدد مستقبلهن. وقد سجّلنا العديد من حالات الطلاق التي حصلت بعد الاعتقال، عدا عن تعنيف الأهل لبناتهن. ولأنه يصعب التخلص من العار، يلجأ بعضهن إلى الانتحار".
تجدر الإشارة إلى أن الفروع الأكثر وحشية هي 215، و227، والخطيب، وفلسطين. أما الأقل عنفاً، فهي سجون المدينة بشكل عام. كما أن النظام الأمني السوري لا يميز بين النساء والرجال، إذ تتعرض المعتقلات لأساليب التعذيب نفسها التي يتعرض لها الرجال. ورصدت الشبكة السورية مقتل ما يزيد على 32 امرأة، غالبيتهن قُتلن داخل الفروع الأمنية، فيما لم تشهد السجون المدنية سوى ثلاث حالات وفاة بسبب التعذيب.