العالم بلا مياه عذبة قريباً

30 يونيو 2015

طفل لاجئ سوري يشرب الماء داخل الحدود التركية (سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
كثيرة هي الأبحاث والدراسات العلمية التي صدرت، على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، في العالم، مُحذّرة من كارثة الوصول إلى مرحلة نفاد المياه العذبة في مختلف أنحاء كوكب الأرض، المهدّد فعلاً من الجنس البشري، أولاً وأخيراً. 
في دراسة مطوّلة (تنشر في سبتمبر/ أيلول 2015)، يشتغل على إعدادها الخبير اللبناني ـ الدولي في علم المياه والجيولوجيا، الدكتور بيار جورج الناشف، يتناول فيها، كما أفادنا، الفقدان الجدّي لمصادر المياه العذبة في العالم، وأن الأمر، هذه المرّة، لم يعد من قبيل التحذير الاستباقي الاعتيادي لتفادي الكارثة قبيل وقوعها، بل بات ينطلق من قلب الكارثة نفسها، بغية تدارك استفحالها، ما أمكن ذلك.

معلومات الناشف مستقاة من تقرير كانت أعدّته منظمة اليونسكو (هو أحد المشاركين المركزيين فيه)، فضلاً عن تقارير علمية أخرى لمنظمات ومختبرات دولية، كانت أعدتها عن الأمن المائي في مختلف قارات العالم، تلتقي جميعها عند حقيقة علمية، مفادها أن عملية استخراج المياه العذبة من الطبقات الجوفية تضاعفت ثلاث مرّات على الأقل في الخمسين سنة الأخيرة، وأنه مهما كانت ضخامة كميات المياه التي تحويها الخزانات الجوفية، فإنها ستنضب في نهاية المطاف، ما لم تتمّ إدارة استخدامها بشكل علمي صحيح، لأنها غير قابلة للتجدّد.
ويحذر الرجل من أن النموّ السكاني العالمي، والاحتباس المناخي، الذي يفاقم من الفيضانات والجفاف، يهدّدان موارد المياه العذبة في الصميم. ومع تجاوز عدد سكان العالم التسعة بلايين نسمة، بحلول العام 2050، يتوقّع أن ترتفع الحاجات المائية والغذائية بنسبة 72%، فضلاً عن الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية، والتي تتطلّب كميات كبيرة من المياه.
ويردف أن هذا الارتفاع في الطلب الغذائي سينعكس سلباً بنسبة 20% على مجمل المياه المستخدمة في القطاع الزراعي، والذي يمثّل راهناً 71% من الاستهلاك العام للمياه.
وعلى مستوى الطلب على المياه للاستهلاك الآدمي، بيّنت المعلومات أن الزيادة الكبيرة ستأتي من المدن بشكلٍ خاص؛ إذ سيتضاعف عدد سكانها ليصل إلى 6.3 مليارات نسمة بحلول العام 2050. وتوضح المعلومات أن 80% من المياه المبتذلة في العالم لا تُجمَع أو تُعالَج، كما يدعي كثيرون في دول متقدمة، ما يفرض، بالتالي، كلفة عالية على الدول المعنية بذلك، أكثر من غيرها. لذلك، يدعو الخبير المائي اللبناني إلى إعمال مقاربة وقائية، وإشراك الأطراف الملوِّثة (من صناعيّين ومزارعين ومستهلكين وأصحاب قرار محلّيين ومسؤولين عن توزيع المياه)، في خطة لإدارة سلامة المياه الصحّية.
وينبغي كذلك بذل المزيد لمواجهة التسارع المتوقّع في الكوارث الطبيعية الناجمة عن الاحترار المناخي، فالمخاطر المرتبطة بالمياه باتت تشكّل 95% من المخاطر الطبيعية، ولا سيما في جنوب آسيا وأفريقيا الجنوبية، مع انعكاسات ضارة جداً على الزراعة، وبحلول العام 2070 قد يطال ذلك أوروبا الوسطى والجنوبية.
ويلفت الناشف إلى أن زيادة الحرارة بدرجتين في معدل وسطي عالمي قد تكلّف 70 إلى 100 بليون دولار سنوياً، في إطار عملية التكييف بين 2020 و2050، من بينها نحو 20 بليوناً لقطاع المياه.
ويشدّد الخبير المائي والجيولوجي على أن المياه هي الأساس الذي يستند إليه التطوّر الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن الصحّي والبيئي، وأن أيّ خلل على صعيد هذه المادة الحيوية الأساسية، كما هو حاصل الآن، مرشّح للتفاقم في القريب العاجل، بحيث سيصيب البشرية تدهور كارثيّ في كلّ شيء، بما يزيد، بالتالي، من حمّى الصراعات والحروب في ما بينها.
من جانب آخر، وفي معرض تشكيكه بتقرير دولي ثانٍ، كانت أعدّته حديثاً منظمتا الصحة والطفولة (يونيسيف) العالميتين، يفيد بأن 89% من سكان العالم يحصلون على مياه نظيفة للشرب، وأن الرقم ارتفع إلى ملياري شخص في العقدين المنصرمين، علّق خبير المياه والنظافة والصرف الصحي في جمعية التضامن الدولية في الولايات المتحدة، المهندس غريغوري بوليت، قائلاً إن هذه الأرقام التي أوردتها كلّ من المنظمتين الدوليتين غير صحيحة، "وهي تذكّرنا بكلام مستشار الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المياه، جيرارد باين، بأن عدد الذين هم بحاجة إلى مياه شرب صحيّة، وغير ضارة، وقريبة من أماكن سكنهم، وليست مرتفعة الثمن، يُحصون بالمليارات، وليس بالملايين". وإن 1.9 مليار شخص لا يملكون إلا خيار شرب مياه تشكّل خطراً على صحتهم، وأكثر من ثلاثة مليارات آخرين يستعملون المياه المشكوك بمدى نظافتها.

ويضيف غريغوري بوليت: "يعلم خبراء منظمتي الصحة و"يونيسيف" جيداً أن تحسّن أحد مصادر المياه العذبة، وحمايته من التلوّث، لا يعني أنه سيبقى نظيفاً. ومن هنا، تطرح قضية جديدة متعلّقة، ليس بنوعية المياه فقط، وإنما أيضاً بالكميات المخزّنة، والقدرة على الوصول إليها، والحصول عليها بسهولة".
هكذا، باتت مشكلة ندرة المياه العذبة مسألة مؤرقة جداً، وضاغطة جداً على المجتمع الدولي، لأنها، ببساطة، آيلة للنفاد القريب، وهي تطال كلّ إنسان على هذه البسيطة، غنياً أم فقيراً، متقدماً أم متخلّفاً، وإنه، بحسب بعضهم، لا يحقّ لأحد بعد الآن، أن يقول إنه معني بالأمن المائي في دولته فقط؛ فالكوارث لا تعترف بالجغرافيا والبيئات والقوميات والثقافات. فقد بات على الجميع التكاتف لحلّ المشكلات التي تواجه العالم، وحماية البيئة من أهم القضايا التي على دول العالم مواجهتها، وخصوصاً أنه ينبغي توفر الأمن المائي والغذائي لحوالى سبعة مليارات نسمة، يعيشون على هذه الأرض، والعدد مرشح للازدياد، بالتأكيد، في العقود المقبلة.
وإذا كان العرب، وللمرّة الأولى في تاريخهم المعاصر، قد نجحوا في بلورة استراتيجية للأمن المائي، أقرّها المجلس الوزاري العربي للمياه، المنبثق عن جامعة الدول العربية في يونيو/ حزيران من العام 2011 بمحاورها الخمسة: تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة، توفير المياه الصالحة للشرب، حماية الموارد والحقوق المائية في المياه المشتركة مع الدول غير العربية، حماية الحقوق المائية في الأراضي العربية المحتلة، وتشجيع رؤوس الأموال العربية للاستثمار في قطاع المياه.. إذا كان الأمر كذلك، وجب على العرب، إذاً، ضرب الاستنفار عالياً، بخصوص حماية موارد المياه العذبة لديهم، والتي تتحكّم في جزء حيوي منها دول مجاورة للوطن العربي في أفريقيا وآسيا. علاوة على أن المنطقة العربية، من محيطها إلى خليجها، تضمّ خمسة في المائة من سكان العالم، وواحداً في المائة فقط من موارد المياه العذبة، ما يُعدّ كابحاً مخيفاً لمسار التنمية الاقتصادية، والأمن الغذائي، وصحة الإنسان، وحماية البيئة في وطننا العربي الكبير، الذي بات يتعرض اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، لخطر وجودي ومصيري غير مسبوق فعلاً، يُمزّق بنيته الديموغرافية والجغرافية، على حد سواء.
دلالات
A2AFC18A-C47E-45F2-A2B6-46AD641EA497
أحمد فرحات

كاتب وشاعر لبناني، عمل في عدد من الصحف اليومية اللبنانية والعربية، وفي مجلات ودوريات فكرية عربية.