العالم الزائف في الدراما السورية.. هذه ليست الشام

23 يونيو 2016
باسم ياخور في "العراب 2" (LBCI)
+ الخط -
لطالما تبجحت الدراما السورية على لسان مروّجيها أنها دراما واقعية، خاصة مقارنة مع الدراما المصرية التي كانت توصف بأنها ميلودرامية تغرق بالكليشيهات وتنشئ واقعاً زائفاً كما تعاني من فقر في أدواتها الفنية.

العالم هو سورية

العالم بحسب الدراما السورية هو سورية وسورية هي دمشق، ودمشق هي بيت شامي عتيق يسكنه أفراد عصريون. سورية التي قدمتها الدراما السورية هي دمشق، ونصيب المحافظات الأخرى من حكاياتها لا يكاد يذكر، وإن نالت حلب فقط نصيباً صغيراً، وهذا التهميش انعكاس لرؤية النظام في التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي ظهرت نتائجه مع ثورة مارس/آذار 2011 . أما دمشق الدرامية، فهي ليست دمشق حقيقية، وليس تقديمها قائماً على أساس صناعة هوية سورية جامعة عبر لهجة بيضاء، دمشق الدرامية هي عاصمة الياسمين المزعومة، هذه الصورة التي رسختها الدراما السورية إلى حد جعلها قابلة للتصديق، هي دمشق القديمة التي تشغل مساحة بسيطة من عاصمة يقيم فيها ثلث سكان البلاد، ضواحيها وأحزمتها العشوائية أكبر منها، والتي هي واقعياً أبنية سياحية وأسواق ومطاعم وقصور باهظة الثمن مغلقة أو تملكها الدولة أو مؤسسات وأفراد أجانب، وبيوت متهالكة ترميمها مكلف مادياً وإدارياً تسكنها عائلات تقليدية فقيرة.
نهض بخطاب الياسمين السياحي هذا فنانون هم في غالبيتهم الساحقة من غير الدمشقيين، وبشكل أدق من الأقليات، اقتربوا بما أسعفتهم به قدراتهم من لهجة شامية مخففة، صارت هي اللغة السورية البيضاء. ودمشق هذه التي ظهرت على الشاشة هي السهر، أي الأمان، فخر منجزات الاستبداد، والحرية الشخصية، التي لا علاقة لها بالحرية السياسية أو حرية التعبير، ويبدو أن التسمية المناسبة لممارسة حياة عصرية في مكان تقليدي هي السياحة.

أزمة النص

تكاد الدراما السورية لا تتوفر على كاتب سيناريو محترف، فبؤس الواقع الإعلامي وصناعة النشر في سورية دفع الصحافيين والأدباء لممارسة الكتابة الدرامية من أجل لقمة العيش، خاصة مع الأجور المجزية التي كانت تدفعها شركات الإنتاج الرابحة من بيع مسلسلاتها للخارج، وهذا أنتج نصاً غير محترف، ونص مثقفين، متمحوراً حول الذات فقيراً درامياً وواقعياً، أو شاهدنا أعمالاً هي تدريبات مدرسية على الكتابة الدرامية لخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، ومع وجود رقابة حديدية، ظهرت أعمال بلا طعم ولا لون ولا رائحة لا تمت للواقع بصلة، أو جرى الهروب إلى الأعمال التاريخية والتراثية المطلوبة داخلياً وخارجياً، لأسباب تعبوية أو رقابية.
ركّب النظام على مدى عقود طبقة من العاملين في الحقل الفني، تدور في فلكه من خلال الخلفية الاجتماعية والمناطقية لافرادها، وتقريب أناس واستبعاد آخرين، كما أنه من المعلوم أن أصحاب شركات الإنتاج الخاصة هم رجال أعمال النظام، بالأصالة أو الوكالة، وهذا الولاء واستحقاق دفع الثمن ورد الجميل ظهر بعد الثورة، لذلك لم يكن مستغرباً أن تقف الغالبية الساحقة من هذه الطبقة مع النظام في مواقفها، وبالتالي أن تظهر أعمال تعكس خطاب النظام أو تمارس حياداً سلبياً لأسباب تسويقية.
الدراما السورية أحد العناصر الأساسية الداعمة لنظرية "كنا عايشين"، فالحارات النظيفة التي تعبق برائحة الياسمين والأضواء الرومانسية، وقصص الحب والتكاتف الاجتماعي، أصبحت أمراً يعتقد بوجوده، بعد مشاهدتها في المسلسلات، فيما الواقع بفساده وعنفه قلما ظهر في هذه الأعمال إلا بصورة خجولة أو معقمة.

ما بعد الثورة: مكانك راوح

حتى بعد الثورة، بقيت الدراما السورية في فلك ما قبل 2011، وكأن شيئاً لم يتغيّر في الشارع السوري، على الرغم من أنّ الدماء تسيل في كل الشوارع، وعلى الرغم من أن البراميل تتساقط على رؤوس السوريين. بقيت الدراما السورية في مكانها، ثابتة، لا تتقدّم ولا تتراجع. حتى محاولات بعض المسلسلات مقاربة الواقع السوري، باءت أغلبها بالفشل، بسبب تحويل الصراع إلى عكس ما هو على أرض الحقيقة، وهو ما أفقد هذه الدراما مصداقيتها. وهذا الضعف في مقاربة الواقع برز بشكل أساسي في رمضان الحالي، في ظل أزمة حقيقية في النصّ، فهربت كل المسلسلات من المقاربة السياسية للواقع، نحو المواضيع الاجتماعية، والتي بدروها لا تشبه ما يحصل اجتماعياً في سورية حالياً. أما الأسوأ فكان استمرار عرض أعمال ما يسمى "البيئة الشامية"، وهي غير المتربطة بالشام إطلاقاً، ولا مطلع القرن الماضي ولا منتصفه. وتحديداً مسلسل "باب الحارة" الذي حاول الانتقال في السيناريو خطوة إلى الأمام، ليدخل في سلسلة أخطاء تاريخية، ودينية وإخراجية، جعلت الجزء الحالي الأسوأ على الإطلاق.
الدراما السورية، اليوم، أكثر زيفاً فقتل المتظاهرين، والقصف البري والجوي والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي واللاجئون والاعتقال والقتل تحت التعذيب والطائفية والارتهان للخارج، كل هذا لم يحدث فيها أو حولها، إنها مستمرة بأكاذيب أكثر وقاحة وخطاب أكثر وضاعة، وبقدر عجيب من انعدام الإحساس لدى صناعها.




المساهمون