06 نوفمبر 2024
الطغاة لا يرعوون
فجأة، أصبح الدكتاتور بشار الأسد موضوع الساعة، وشاغل الساسة ومالئ خطاباتهم. وفجأة، أيضاً، نسي العالم أطفال درعا، زهور الثورة والربيع السوري. والطفل حمزة الخطيب، أيقونة الثورة، وأطفال الغوطة الذين تابع العالم موتهم المأساوي على الهواء مباشرة، وهم يختنقون بالكيماوي. وآخر الضحايا، وليس أخيرهم، الطفل عيلان الكردي، رمز الشتات والتشرد السوري الكبير.
كل هؤلاء الضحايا من الأطفال، ولن نتحدث عن آلاف مثلهم قتلوا منسيين، وآخرين "يحيون" مشردين في الملاجئ والمنافي، يشتركون في أمر واحد، أنهم ولدوا في زمن ديكتاتور دموي، اسمه بشار الأسد، وتحت حكمه.
يموت هؤلاء الأطفال الضحايا اليوم مرتين، ومن القاتل نفسه، بشار الأسد الذي اغتصب حياتهم، يغتصب اليوم ذكراهم، عندما يصبح اسمه، هو وليس اسم حمزة الخطيب أو عيلان، ما يردده زعماء هذا العالم، وعبر كبريات وسائل الإعلام. كل مرة نُقَلِّبُ فيها قنوات التلفزيون، يأتي اسم بشار الأسد مستفزاً، يتكرّر بكل اللغات، من قادة هذا العالم الذين يطالبون ببقائه، ويستجدون حضوره، ويتوسلون دوره في حل الأزمة التي هو أصلها، وسبب استمرارها.
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي أغرق الأسد بلادها بطوفان اللاجئين، ترى من الواجب أن يشارك الأسد في أي مفاوضات، تهدف إلى إنهاء النزاع في البلاد التي خرّبها. ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يبدي تنازله عن معارضته بقاء الأسد في فترة انتقالية، لا أحد يمكنه أن يضمن كم ستدوم. الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أحد أشد المعارضين
للأسد، احتضن المعارضة المسلحة ضده، وسهل مرور الأموال والأسلحة والمسلحين إلى سورية، عاد ليؤكد أن الأسد يمكن أن يكون جزءاً من مرحلة انتقالية، في إطار حل سياسي للأزمة التي لم يكن أردوغان يرى حلا لها، إلا برحيل الأسد. لا يمانع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في الجلوس على الطاولة نفسها إلى جانب الأسد، لكن المشكلة، هذه المرة، أن الأسد هو من يرفض الجلوس مع كيري. لذلك، يقوم الأخير بمساعيه لحض روسيا وإيران على جلب مَحميَّهُما الأسد إلى طاولة المفاوضات. الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حائر، ولا يعرف إلى أين يَصُدّ وجهه، فهو ضد الأسد، لكنه يحتاجه في الحرب ضد "داعش"، ويُرسل وزير خارجيته لتوسل التفاوض معه، وفي الوقت نفسه، يحذر بوتين بـأن رهانه عليه خاسر. الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، مع "تحييد" الأسد، لكنه يَطلب ذلك من إيران، الحليف والداعم الرئيسي لدكتاتور دمشق. الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقول إن بشار الأسد يستحق الدعم، لأنه يحارب الإرهابيين. ومثله، لا ترى إيران أي حل في سورية بدون حليفها الأسد، فهو "جزء مهم" من الحل السياسي، كما أكد ذلك حسين أمير عبداللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية.
أما العرب فلا صوت ولا رأي لهم، كالعادة ينتظرون متى يلتئم الجمع، لينقسموا بين مؤيد ومعارض ومقاطع ومفاوض من تحت الطاولة وحاضر من خلف الستائر.
تحولت كلمة "الأسد" على لسان زعماء هذا العالم إلى "سمفونية"، لكنها سمفونية بائسة، بدأت سريعة بوصف الأسد بأقذع الأوصاف "مجرم حرب"، "دكتاتور"، "قاتل"، وتوالت "السمفونية" أربع سنوات، تطالب برحيل الدكتاتور، وقصف الدكتاتور، وضرب الدكتاتور،
وعزل الدكتاتور.. لتنتهي، أو على الأقل هكذا تبدو نهايتها البائسة، بالترحيب بالدكتاتور، وتوسل حضوره واستعطاف دوره "الضروري" في الحل. إنها أوركسترا لعبة الأمم، يقودها الكبار، ويدفع ثمنها الضعفاء والضحايا.
الكل يتحدث عن شخص واحد، اسمه بشار الأسد، ودوره، وحضوره، وضرورته، ونسي الجميع مواطني سورية الذين كان عددهم يتجاوز 24 مليونا عام 2012، قبل أن يُقتل ويُهجر ويٌشرد نصفهم أو أكثر، لا أحد سأل عن رأيهم، أو دورهم، أو حضورهم، أو ضرورتهم..
فقد الأسد كل شرعياته المفترضة، السياسية والشعبية والأخلاقية، واستدعاء حضوره اليوم كان يجب أن يكون فقط من أجل محاكمته، لأن أي حضور له اليوم إلى طاولة مفاوضات الحل، مثل استدعاء مجرم إلى مسرح جريمته لإعادة تمثيلها. لكن، مع فارق كبير، هو أن المجرم في هذه الحالة حر، وطليق، ولا ضمان من أنه، بعد إعادة تمثيله جرائمه الأولى، سيعود إلى ارتكاب جرائم أفظع وأبشع.
فعلها من قبل المجرم علي عبد الله صالح الذي أنقذه العالم من محرقة شعبه، مرّة عندما كادت أن تلتهم جسمه نيران القذيفة التي سقطت داخل مسجد قصره، وأخرى عندما مَنحه العالم حصانة ضد شعبه. وعندما اطمأن واستقوى، عاد ليقلب المعبد عليه، وعلى أهله وذويه، قبل أن يقلبه على أعدائه وخصومه. إنها سيرة الطغاة الذين يعلمنا التاريخ أنهم لا يرعوون. وكما قال الشاعر قديماً:
ومن البلية عذل من لا يرعوي/ عن غيّه وخطاب من لا يفهم
كل هؤلاء الضحايا من الأطفال، ولن نتحدث عن آلاف مثلهم قتلوا منسيين، وآخرين "يحيون" مشردين في الملاجئ والمنافي، يشتركون في أمر واحد، أنهم ولدوا في زمن ديكتاتور دموي، اسمه بشار الأسد، وتحت حكمه.
يموت هؤلاء الأطفال الضحايا اليوم مرتين، ومن القاتل نفسه، بشار الأسد الذي اغتصب حياتهم، يغتصب اليوم ذكراهم، عندما يصبح اسمه، هو وليس اسم حمزة الخطيب أو عيلان، ما يردده زعماء هذا العالم، وعبر كبريات وسائل الإعلام. كل مرة نُقَلِّبُ فيها قنوات التلفزيون، يأتي اسم بشار الأسد مستفزاً، يتكرّر بكل اللغات، من قادة هذا العالم الذين يطالبون ببقائه، ويستجدون حضوره، ويتوسلون دوره في حل الأزمة التي هو أصلها، وسبب استمرارها.
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي أغرق الأسد بلادها بطوفان اللاجئين، ترى من الواجب أن يشارك الأسد في أي مفاوضات، تهدف إلى إنهاء النزاع في البلاد التي خرّبها. ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يبدي تنازله عن معارضته بقاء الأسد في فترة انتقالية، لا أحد يمكنه أن يضمن كم ستدوم. الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أحد أشد المعارضين
أما العرب فلا صوت ولا رأي لهم، كالعادة ينتظرون متى يلتئم الجمع، لينقسموا بين مؤيد ومعارض ومقاطع ومفاوض من تحت الطاولة وحاضر من خلف الستائر.
تحولت كلمة "الأسد" على لسان زعماء هذا العالم إلى "سمفونية"، لكنها سمفونية بائسة، بدأت سريعة بوصف الأسد بأقذع الأوصاف "مجرم حرب"، "دكتاتور"، "قاتل"، وتوالت "السمفونية" أربع سنوات، تطالب برحيل الدكتاتور، وقصف الدكتاتور، وضرب الدكتاتور،
الكل يتحدث عن شخص واحد، اسمه بشار الأسد، ودوره، وحضوره، وضرورته، ونسي الجميع مواطني سورية الذين كان عددهم يتجاوز 24 مليونا عام 2012، قبل أن يُقتل ويُهجر ويٌشرد نصفهم أو أكثر، لا أحد سأل عن رأيهم، أو دورهم، أو حضورهم، أو ضرورتهم..
فقد الأسد كل شرعياته المفترضة، السياسية والشعبية والأخلاقية، واستدعاء حضوره اليوم كان يجب أن يكون فقط من أجل محاكمته، لأن أي حضور له اليوم إلى طاولة مفاوضات الحل، مثل استدعاء مجرم إلى مسرح جريمته لإعادة تمثيلها. لكن، مع فارق كبير، هو أن المجرم في هذه الحالة حر، وطليق، ولا ضمان من أنه، بعد إعادة تمثيله جرائمه الأولى، سيعود إلى ارتكاب جرائم أفظع وأبشع.
فعلها من قبل المجرم علي عبد الله صالح الذي أنقذه العالم من محرقة شعبه، مرّة عندما كادت أن تلتهم جسمه نيران القذيفة التي سقطت داخل مسجد قصره، وأخرى عندما مَنحه العالم حصانة ضد شعبه. وعندما اطمأن واستقوى، عاد ليقلب المعبد عليه، وعلى أهله وذويه، قبل أن يقلبه على أعدائه وخصومه. إنها سيرة الطغاة الذين يعلمنا التاريخ أنهم لا يرعوون. وكما قال الشاعر قديماً:
ومن البلية عذل من لا يرعوي/ عن غيّه وخطاب من لا يفهم