يعمل السياسيون وقادة العالم غالبًا لساعات طويلة، يتفاوضون على قرارات مصيرية، وخلال جلساتهم يجتمعون على مأدبات الطعام، التي تحتل جزءًا مهمًا من اللقاءات الدبلوماسية وقد يكون لها تأثير واضح في كسر الحواجز وسير المباحثات بين هؤلاء القادة.
وشهد العالم أخيراً لقاءين رئاسيين مهمين، حيث التقى الرئيس الأميركي بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أول زيارة للأخير للولايات المتحدة في عهد ترامب، وتضمنت قائمة العشاء الرسمي مجموعة فاخرة ومتنوعة من أفضل المأكولات الأميركية، مع إضافة بعض اللمسات الفرنسية.
ويجتمع اليوم الجمعة، الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بالرئيس الكوري الجنوبي مون جاي، في لقاء هو الأول من نوعه بين زعيمي البلدين منذ عام 2007، ومن المقرر أن تتضمن قائمة الطعام الرسمية خلال القمة سمكة بحرية مسطحة، لإحياء ذكريات مون المتعلقة بمدينة بوسان الساحلية، مسقط رأسه، بالإضافة إلى طبق روشتي السويسري (يتكون بشكل رئيسي من البطاطا) تكريمًا لسنوات كيم الدراسية، التي يزعم أنه أمضاها في سويسرا. فهل كان اختيار الطعام في اللقاءين مدروسًا لخدمة أغراض دبلوماسية؟
توحيد الشعوب على طاولة الطعام
أكدت جوانا مندلسون، الأستاذة المساعدة في الجامعة الأميركية بواشنطن، والخبيرة في مجال دبلوماسية الطهو، أن كل طبق في قائمة قمة الكوريتين اختير بعناية، ليشكل جزءًا من التكتيكات الدبلوماسية، في حين قال الاستشاري البحثي، سام شابل سوكول، أن الطعام في القمة، سيلعب دورًا مهمًا في حدوث مناقشات إيجابية بالمعنيين الحرفي والمجازي. وفقًا لموقع "بي بي سي".
كما وصف سوكول قائمة الطعام بالرائعة، لأنها تمثل مناطق متعددة من كلتا الكوريتين، وتحمل تلميحًا ضمنيًا لاتحاد الشعبين، وأشار إلى أن تقديم طبق سويسري للرئيس الكوري الشمالي يمثل مقامرة صغيرة من قبل مصممي القائمة، لأنه يفترض أن كيم عاش حقًا في سويسرا في الوقت الذي لم يؤكد فيه الجانب الكوري الشمالي الأمر، وأضاف: "من يدري، ربما لم يتذوقه من قبل، أو أنه يفضل أنواعًا مختلفة من الطعام".
لا تجري الرياح دائمًا كما تشتهي السفن
وكانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون قد وصفت الطعام بأنه "أقدم أداة دبلوماسية" في تعزيز العلاقات بين الشعوب، إلا أن الأمور لا تسير دائمًا كما هو مخطط لها، مثلما شرح سوكول، وهذا ما حدث عام 1992، أثناء زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب لليابان، حيث دخل التاريخ كأول رئيس في العالم يتقيأ على رئيس وزراء اليابان أثناء تناول العشاء.
ونقلت وسائل الإعلام الأميركية وقتها، أن الأمر لم يتعلق بنوعية الطعام، بل بإصابة الرئيس الأميركي بوعكة صحية، حيث قال سوكول: "كان من الواضح عدم وجود سوء في الطعام وقتها، إلا أن هذا لم يمنع الناس في اليابان من تحويل القصة إلى نكتة، ما زالوا يتداولونها حتى يومنا هذا".
ودوّن التاريخ قصة دبلوماسية مؤسفة أخرى تتعلق بالطعام، إذ قدم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، طبقًا من الكافيار، في حفل عشاء رسمي خلال زيارة نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند لأميركا، ولم يكن الأمر غريبًا في الحقيقة بالنسبة لأوباما، إلا أن الأمر لم يكن ممتعًا في الأوساط الفرنسية، ذات الحكومة الاشتراكية التي كانت تعنى بعدم إثارة المزيد من الاستياء حيال هذا الطبق الشهير بارتباطه بالأثرياء.
كسر الحواجز:
وتعتقد المحللة ماريا فيليز دي بيرلينر، أن الطعام أداة هائلة وقوية، وهذا ما أثبتته رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر عام 1979، أثناء اجتماع المجلس الأوروبي مع الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، الذي طلب وقتها الخروج لتناول العشاء، فرفضت إنهاء الجلسة قبل اتخاذ قرار، وكان الأمر مدهشًا عندما صار ديستان أكثر لينًا وتجاوبًا مع مقترحاتها.
وتؤكد السيدة مندلسون فورمان أن الطعام يكسر الحواجز بين الدبلوماسيين، وهذا ما حدث في الحقيقة عام 2015 خلال المفاوضات الأميركية الإيرانية على البرنامج النووي، والتي استمرت أكثر من 20 شهرًا، وكادت تفشل 5 مرات تقريبًا بسبب تصعيد التوتر بين الطرفين.
وكان الطرفان يتناولان الطعام بشكل منفصل حتى 4 يوليو/ تموز، عندما وجه الإيرانيون دعوة للأميركيين لمشاركتهم المائدة من دون الحديث عن السياسة، ويبدو أن هذا الأمر ساعد كثيرًا في التوصل أخيرًا إلى اتفاق خلال 10 أيام فقط، حيث قالت الدكتورة بيرلينر: "كانت تلك هي المرة الأولى التي ينظر فيها الدبلوماسيون إلى بعضهم بشكل مختلف، في البداية لم يروا في خصومهم سوى مفاوضين، إلا أن الطعام جعلهم يرون بعضهم كبشر في النهاية".
(العربي الجديد)