في عشرينيات القرن الماضي وصل إلى مصر، جال الشوارع والأزقة، دخل الحواري والبيوت، صادق كل المصريين شباباً ورجالاً، أصبح ركناً أساسياً في حياة كل شخص. ومع نهاية القرن التاسع عشر، حدث جدل واسع في الأوساط الثقافية عن بقائه أو رحيله، كان ثابتاً ساكناً، كأن أحداً لا يتحدث عنه، ويناقش مصيره، حتى هلت بشائر عقد الأربعينيات، وكانت بداية النهاية له، احتدم الصراع بين المدافعين عنه والرافضين له، وحسم الأمر الضباط الأحرار فور توليهم السلطة في عام 1952، بجرة قلم واحدة حددوا مصيره وألغوا وجوده في مصر... إنه الطربوش.
دخل الطربوش مصر من باب تقليد حداثة العثمانيين وتوثيق الصلة بإسطنبول، بعد أن أصبح الزي الرسمي في الدولة العثمانية عام 1826 وكان قد انتقل إليها من اليونان، وكانت مصر حينها بدون زي رسمي موحد، بل خليط من الأزياء التي صدرت إليها من المماليك والعثمانيين والعرب، وكانت مصر تستورد الطربوش من الخارج، حتى ظهر أول طربوش مصنوع بأيد مصرية عام 1825، وانتشرت صناعة الطرابيش محليا، حتى أن محمد علي باشا، حاكم مصر حينها، قد أنشأ مصنعا للطرابيش، ولكن بعد تحالف دول الغرب ضد مشروعه عام 1840 توقفت الكثير من المصانع التي أنشأها، وعادت مصر إلى الاستيراد مرة أخرى.
ولقي الطربوش "وهو غطاء للرأس، أسطواني الشكل يصنع من الجوخ، لونه أحمر ويثبت أعلاه شرابة سوداء اللون" قبولاً من المصريين، خاصة الذين ينزعون إلى التغيير ومواكبة الموضة، باعتباره وافدا من خارج البلاد، لكن كطبيعة المصريين، أضفوا على الطربوش بعدا ثقافيا مصريا أدى إلى "تمصير" الطربوش، واخترق التراتبية الاجتماعية والفكرية والثقافية في مصر فأصبح الجميع يرتدونه، باشاوات وباكاوات وأفندية، وانحصرت العمائم التي كان يرتديها المصريون قبل الطربوش في جمهور الأزهريين، وبعد فترة من الاستقرار، وفي أعقاب ثورة 1919 بقيادة الزعيم المطربش سعد باشا زغلول، ظهرت العديد من الدعوات إلى التخلي عن الطربوش للتخلص من الحكم العثماني.
وكان المفكر سلامة موسى والصحافي محمود عزمي من أنصار التخلي عن الطربوش، وأعلن توفيق الحكيم رفضه للطربوش عملياً من خلال ارتداء البيرية، وفي نفس الوقت كان المفكر أحمد حسين، أحد مؤسسي حزب مصر الفتاة، قد مضى قدما في مشروع وطني للاكتتاب من أجل إنشاء مصنع مصري لإنتاج الطرابيش بدلا من استيرادها من الخارج، وبالفعل تم إنشاء مصنع للطرابيش فى العباسية برأس مال مصري بالتعاقد مع شركة ألمانية، وتم افتتاحه عام 1933.
وفي نهاية الأربعينيات، عاد الصراع أشد قوة بين مؤيدي ارتداء الطربوش والتمسك به باعتباره أضحى زياً مصرياً رسمياً، وبين رافضي الطربوش باعتباره وافداً يونانياً في الأصل وصل مصر كتقليد للعثمانيين، وبارتدائه يعني قبول المصريين للتبعية التركية، حتى جاءت ثورة 1952، وحسمت الجدال المنتشر آنذاك، بين الأوساط السياسية والثقافية، وألغت الطربوش كما ألغت الملكية.
اقرأ أيضاً: أنغام لـ"العربي الجديد": تجربة الإنتاج لم تكن سهلة
دخل الطربوش مصر من باب تقليد حداثة العثمانيين وتوثيق الصلة بإسطنبول، بعد أن أصبح الزي الرسمي في الدولة العثمانية عام 1826 وكان قد انتقل إليها من اليونان، وكانت مصر حينها بدون زي رسمي موحد، بل خليط من الأزياء التي صدرت إليها من المماليك والعثمانيين والعرب، وكانت مصر تستورد الطربوش من الخارج، حتى ظهر أول طربوش مصنوع بأيد مصرية عام 1825، وانتشرت صناعة الطرابيش محليا، حتى أن محمد علي باشا، حاكم مصر حينها، قد أنشأ مصنعا للطرابيش، ولكن بعد تحالف دول الغرب ضد مشروعه عام 1840 توقفت الكثير من المصانع التي أنشأها، وعادت مصر إلى الاستيراد مرة أخرى.
ولقي الطربوش "وهو غطاء للرأس، أسطواني الشكل يصنع من الجوخ، لونه أحمر ويثبت أعلاه شرابة سوداء اللون" قبولاً من المصريين، خاصة الذين ينزعون إلى التغيير ومواكبة الموضة، باعتباره وافدا من خارج البلاد، لكن كطبيعة المصريين، أضفوا على الطربوش بعدا ثقافيا مصريا أدى إلى "تمصير" الطربوش، واخترق التراتبية الاجتماعية والفكرية والثقافية في مصر فأصبح الجميع يرتدونه، باشاوات وباكاوات وأفندية، وانحصرت العمائم التي كان يرتديها المصريون قبل الطربوش في جمهور الأزهريين، وبعد فترة من الاستقرار، وفي أعقاب ثورة 1919 بقيادة الزعيم المطربش سعد باشا زغلول، ظهرت العديد من الدعوات إلى التخلي عن الطربوش للتخلص من الحكم العثماني.
وكان المفكر سلامة موسى والصحافي محمود عزمي من أنصار التخلي عن الطربوش، وأعلن توفيق الحكيم رفضه للطربوش عملياً من خلال ارتداء البيرية، وفي نفس الوقت كان المفكر أحمد حسين، أحد مؤسسي حزب مصر الفتاة، قد مضى قدما في مشروع وطني للاكتتاب من أجل إنشاء مصنع مصري لإنتاج الطرابيش بدلا من استيرادها من الخارج، وبالفعل تم إنشاء مصنع للطرابيش فى العباسية برأس مال مصري بالتعاقد مع شركة ألمانية، وتم افتتاحه عام 1933.
وفي نهاية الأربعينيات، عاد الصراع أشد قوة بين مؤيدي ارتداء الطربوش والتمسك به باعتباره أضحى زياً مصرياً رسمياً، وبين رافضي الطربوش باعتباره وافداً يونانياً في الأصل وصل مصر كتقليد للعثمانيين، وبارتدائه يعني قبول المصريين للتبعية التركية، حتى جاءت ثورة 1952، وحسمت الجدال المنتشر آنذاك، بين الأوساط السياسية والثقافية، وألغت الطربوش كما ألغت الملكية.
اقرأ أيضاً: أنغام لـ"العربي الجديد": تجربة الإنتاج لم تكن سهلة