الضربة الثلاثية قد تنعكس سلباً على إسرائيل

16 ابريل 2018
مركز البحوث العلمية في برزة بعد استهدافه (فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أنه لا يزال من المبكر تحديد حجم ارتدادات الضربة الأميركية الفرنسية البريطانية التي استهدفت مواقع تابعة للنظام السوري أخيراً، إلا أنّ مسارعة حكومة الاحتلال، على لسان رئيسها، بنيامين نتنياهو، إلى إعلان التأييد الكامل للضربة وتهديد النظام في حال واصل نشاطه واستمرّ بالسماح لإيران بالوجود عسكرياً على الأرض السورية، جعلت من دولة الاحتلال، بحسب افتتاحية صحيفة "هآرتس"، "طرفاً مباشراً في ما يحدث في سورية"، لأن "من شأن الأخيرة وإيران أن تعتبرا إسرائيل بعد الضربة هدفاً شرعياً، باعتبارها الحليف الإقليمي للولايات لمتحدة".

لكن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فقد ردّت روسيا بدورها بالتلويح بتسليح النظام ببطاريات "إس 300" القادرة على اعتراض الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية، وبالطبع الصواريخ التي كان يطلقها الاحتلال من الأجواء اللبنانية، أو من عرض البحر قبالة السواحل اللبنانية.

ويعني التلويح الروسي بأن "التنسيق العسكري الكامل" بين تل أبيب وموسكو، الذي تمّ تشكيل آلية خاصة لإدارته، وربط خط ساخن بين مقر القوات الروسية في سورية ومقر رئاسة أركان جيش الاحتلال في وزارة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب، مرشح للتضعضع والتراجع، إلى حدّ تشويش وتقليص مجال المناورة الممنوح لإسرائيل من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأجواء السورية. وقد عبّر عن هذا الاحتمال أكثر من مراقب في إسرائيل. واعتبر محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي برئيل، في هذا الإطار، أنّ "من شأن التطورات أن تدفع روسيا لوضع حدّ للتنسيق بين الجانبين، بالإضافة إلى وضعها عراقيل وعقبات أمام الطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء السورية".

وتبدو صورة الأوضاع ما بعد الضربة الثلاثية كأنها حالة من إعادة تقييم الموقف، ومحاولة لرسم قواعد جديدة للعبة في سورية، لا سيما بعد انتقال الصراع إلى مرحلة المواجهة بين القوى العظمى وليس بين قوى وأطراف إقليمي فقط، كتركيا وإسرائيل. ويعني هذا أنّ رهان إسرائيل، واستمرار تصريحات قادتها، وآخرهم وزير التربية والتعليم نفتالي بينت، عضو الكابينيت السياسي والأمني، بأن دولة الاحتلال ستحتفظ بحقها في حرية الحركة في سورية لمواجهة الوجود الإيراني هناك، لن يكون بعد الآن أمراً بديهياً أو مضموناً بالضرورة، خصوصاً في حال تواصل التوتر بين إسرائيل وروسيا، لا سيما بعد أن حاولت حكومة الاحتلال التلميح إلى أنّ روسيا كانت على علم مسبق باستهداف مطار "تيفور" الأسبوع الماضي، ما اضطر روسيا إلى نفي الأمر، فضلاً عن أنّ ذلك دفعها إلى توجيه اتهامات واضحة إلى أن من نفّذ الهجوم على قاعدة "تيفور" كان إسرائيل وليس أي طرف آخر.

ومن الواضح أن إسرائيل التي أبدت خيبة أمل من الضربة الأميركية الفرنسية البريطانية المحدودة لمواقع النظام في سورية، تقف أمام مفترق طرق بشأن حجم ونطاق المواجهة المباشرة بينها وبين إيران على الأرض السورية، مع اضطرارها لأن تأخذ بعين الاعتبار أن التفويض الروسي لها بحرية الحركة في الأجواء السورية آخذ بالنفاذ، لأن روسيا ما زالت بحاجة إلى القوات الإيرانية على الأرض السورية لضمان احتفاظها بما حققته من إنجازات في تثبيت نظام القتل الإجرامي في سورية، وتثبيت الإنجازات والمكاسب الاستراتيجية التي حققتها هناك، وأبرزها وصولها إلى مياه المتوسط وشواطئه.


مع ذلك، وعلى الرغم من تهديد نتنياهو بأنّ النظام يعرّض نفسه وسورية للخطر، فإنه لا يزال من المبكر القول إن إسرائيل انتقلت من حالة المتفرّج على ما يحدث في سورية، طالما كان ذلك محصوراً بتثبيت النظام أقدامه على الأرض على جماجم السوريين وجثث أطفالهم، إلى حالة خوض مواجهة مباشرة مع الوجود الإيراني العسكري، وأن يؤدي هذا بالضرورة إلى تغيير في الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يرى في بقاء الأسد ونظامه ضمانة لسورية ضعيفة وممزقة لا تشكّل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، خصوصاً أنّ إطالة أمد الثورة السورية والحرب المضادة عليها، ساهم بتحقيق أحد أهم مصالح إسرائيل، بعد أن أدى تحوّل الثورة إلى حرب دموية ضد الشعب السوري إلى تمزيق الجيش السوري، وتوقف كونه عاملاً مهدداً لأمن إسرائيل.

وفي هذا السياق، من المفيد استذكار تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوط، في مقابلته مع صحيفة "معاريف" في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، عشية عيد الفصح اليهودي، إذ اعترف أيزنكوط في ردّه على سؤال بشأن الموقف من بقاء النظام، على الرغم من عدم أخلاقية دعم بقائه، بأن "المنشود هو وجود عنوان وأجهزة حكم فاعلة (في سورية). عندما رافقت رئيس الحكومة للقائه مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، قال إن العبرة مما يحدث في سورية هي وجود عنوان، وأنا أتفق معه".

والواقع أن هذا القول يعكس الموقف الإسرائيلي الثابت على امتداد سنوات الثورة السورية. فإسرائيل لم تصدر إلا أخيراً تصريحات هدّدت فيها باستهداف النظام السوري. وكان أوّل هذه التصريحات في السادس من فبراير/ شباط، عندما تمّ إسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز "أف 16" شاركت في قصف موقع إيراني في سورية، وبعد إسقاط طائرة إيرانية مسيرة أعلنت إسرائيل أنها كانت في طريقها لتنفيذ عملية داخل إسرائيل.

لكن لهجة التصعيد الإسرائيلية في تهديد النظام وبقائه لا تبدو أكثر من رفع ورقة بوجه روسيا، ردّت الأخيرة عليها بإعلان دراستها تزويد الأسد بمنظومات "إس 300"، من دون أن تجزم بقرار في هذا الاتجاه مؤقتاً.

ويبدو أن الضربة هدفت أساساً إلى فتح باب للولايات المتحدة لابتزاز روسيا والنظام، من أجل تأمين دور أميركي، ليس عسكرياً بالضرورة، في تصورات الحل النهائي للأزمة السورية، يخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، بالإضافة إلى ضمان القبول بحدّ أدنى من الشروط الإسرائيلية مقابل بقاء الأسد، خصوصاً في ما يتعلّق بتقييد حجم الوجود العسكري الإيراني في سورية ونطاقه، وربما أيضاً إخراج "حزب الله" من سورية، وإبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود مع الشطر المحتل من الجولان السوري.

أخيراً، من شأن أي ردّ إيراني على ضرب قاعدة "تيفور"، أن يؤدي إلى تدهور خطير وتصعيد كبير في المواجهة بين طهران وتل أبيب في الأراضي السورية، ويمكن له أن ينسف الوضع القائم في سورية والمنطقة، تبعاً لحجم وقوة الردّ الإيراني، واحتمالات الرد الإسرائيلي عليه، علماً أنّ التقديرات الإسرائيلية الحالية تتوقع رداً إيرانياً ضدّ إسرائيل مهما كان محدوداً.