تشهد المصارف الإسلامية في تونس توسعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، سواء من حيث حجم النشاط أو عدد الفروع المصرفية التي غزت معظم المحافظات، بعد أن اقتصر نشاطها لسنوات على العاصمة ومدن اقتصادية كبرى.
ورغم أن الصيرفة الإسلامية لا تزال تتحسس طريقها بتونس، في ظل اعتراض العديد من الأطراف السياسية التي اعتبرت تقنين هذا النشاط المالي "أخونة" ناعمة للاقتصاد، إلا أن هذا المجال تجاوز هذه الانتقادات ولاقى إقبالاً كبيراً، لا سيما من مواطنين وأصحاب أعمال أبقوا أموالهم خارج الدورة الاقتصادية بسبب حرمة وضعها في المصارف التقليدية من وجهة نظرهم.
وتستعد السوق المصرفية التونسية لدخول مصرف إسلامي جديد (الوفاق) ليعزز إمكانات الصيرفة الإسلامية في البلاد، ليصل بذلك عدد المصارف الإسلامية إلى ثلاثة من إجمالي 22 مصرفا في تونس، وهي الزيتونة والبركة بالإضافة للوفاق، إلى جانب 3 شركات في التامين التكافلي (التكافلية، الزيتونة تكافل، الأمانة تكافل)، فضلا عن الشركة العربية الدولية للإيجار المالي لتدخل بذلك الخدمات الإسلامية بقوة إلى أهم مكونات القطاع المصرفي في البلاد.
وشهد البرلمان التونسي في مايو/ أيار الماضي، جدلا واسعا، بعد المصادقة على قانون المصارف الذي نظم تشريعيا ولأول مرة في تاريخ البلاد الصيرفة الإسلامية وهو ما مكّن معظم المصارف التجارية من فتح شبابيك للصيرفة الإسلامية واعتماد هذا المنتج ضمن حزمة المنتجات التي تقدمها.
ويشدد المهتمون بالشأن الاقتصادي على الآثار الإيجابية لتقنين الصيرفة الإسلامية وتوسيع مجالها، معتبرين أن توفير هذا المنتج المالي في مختلف المصارف سيساعد على الرفع من حجم المدخرات وإمكانات تمويل الاقتصاد.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الأطراف المعارضة للصيرفة الإسلامية، والتي صوتت ضد القانون لا تستند إلى تبريرات اقتصادية بقدر ما يعكس موقفها الصراع الأيديولوجي والسياسي الذي تعيشه البلاد بين المشروعين الإسلامي والعلماني.
ويرى عضو البرلمان الهادي بن ابراهم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الصيرفة الإسلامية ستُمكن من فتح آفاق واسعة أمام تونس، كما ستساهم في تحقيق فوائد كبيرة على غرار ما حصل في ماليزيا وبريطانيا، معتبرا أن تقنينها تأخر في الوقت الذي كان يفترض أن تسعى فيه الدولة إلى إيجاد كل الحلول الممكنة لمساعدة الاقتصاد على الخروج من عنق الزجاجة.
وحسب محللين ماليين، أصبح التمويل الإسلامي ملجأ للمستثمرين بما يمثله من تقليل عامل المخاطرة في ظل المأزق الحالي للائتمان العالمي والأزمة الاقتصادية الذي تعيشها معظم الدول، حيث تعاظمت ودائعها وزادت منشآتها وتبنت العديد من المصارف التقليدية تقنياتها الاستثمارية.
وأشار مسؤول بمصرف الزيتونة (أكبر مصرف إسلامي في تونس)، توفيق الأشهب، إلى أن تقنين هذا النوع من الصيرفة سيفتح مجالات واسعة للاقتصاد مشيراً إلى أن التجربة أثبتت وجود رغبة ملحة من قبل المعرضين على التعامل مع المصارف في إيجاد بديل يسمح لهم بتمويل مشاريعهم وفق الأحكام الإسلامية.
وقال الأشهب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تمكين المصارف التجارية من تسويق المنتجات الإسلامية وفق القانون الجديد سيمكن المصارف التقليدية حتما من العمل على تحسين هذا الصنف من الخدمات والتعريف به على نطاق أوسع بهدف المحافظة على جزء من السوق، ما سيمكن حتماً من الرقي بالمالية الإسلامية وتحسين أدائها، حسب تعبيره.
وشدد الأشهب، على أهمية توسع نشاط المصارف الإسلامية في تونس في هذا الظرف الاقتصادي، مشيراً إلى أن توسيع قاعدة النشاط سيكون إيجابياً للاقتصاد عموماً حيث سيرتفع سقف المنافسة، مما سيكون له الأثر الجيد على العملاء (شركات، ومستثمرين)، مؤكدا في السياق ذاته أن المصارف الإسلامية لم توجد لإقصاء التقليدية بل على العكس للتكامل، وذلك عبر توفير الإمكانية لاستقطاب عملاء لم يكن باستطاعتهم تفعيل إدخاراتهم في إطار النظام التقليدي.
وأفاد الأشهب، بأن المصارف الإسلامية مكنت من استقطاب ما بين 10 و20% من التونسيين غير المتعاملين مع المصارف أو المعرضين عنها لأسباب دينية، لافتا إلى أن شريحة مهمة من التجار وأصحاب الأعمال ترفض التعامل مع المصارف، ما يجعل مدخراتهم خارج الدورة الاقتصادية.
اقــرأ أيضاً
واعتبر الأشهب أن بقاء الأموال خارج الدورة الاقتصادية خسارة كبيرة، لا سيما أن الاقتصاد المحلي يحتاج إلى كل إمكاناته لتمويل المشاريع وخلق فرص شغل جديدة وهو ما يجعل من الصيرفة الإسلامية التي باتت تستحوذ على نحو 3% من النشاط المصرفي عموما أحد البدائل المهمة وفق قوله.
ويجمع خبراء الاقتصاد على أن العامل السياسي من العوامل الرئيسية المحددة لنجاح الصيرفة الإسلامية أو ضمورها.
وبالرغم من مناخ الاستقطاب السياسي الذي تعيشه تونس منذ سنوات واصلت المؤسسات الناشطة في المجال تحسسها الطريق واستطاعت إلى حد ما فرض وجودها في المجتمع التونسي واستقطاب نسبة كبيرة من المودعين، لتصبح من تقاليد الصيرفة في تونس في السنوات المقبلة.
وفي مايو/ أيار الماضي، أقر مجلس نواب الشعب التونسي بأغلبية 115 صوتا مشروع قانون يمنح للبنك المركزي مهمة الرقابة على المصارف والمؤسسات المالية، وتنظيم عملية سحب التراخيص بها، وإنشاء هيئة مراقبة على المؤسسة المالية المرخص لها بممارسة الصيرفة الإسلامية.
كما سمح القانون لكل مؤسسة مالية مرخص لها بممارسة الصيرفة الإسلامية مع إحداث هيئة مراقبة مطابقة لمعايير الصيرفة الإسلامية، ومنح القانون لهذه الهيئة النظر في مدى توافق أنشطة المصرف أو المؤسسة المالية مع مبادئ ومعايير الصيرفة الإسلامية، على أن تكون قراراتها ملزمة بالنسبة للمصرف أو المؤسسة المالية.
ويفسر الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، لـ"العربي الجديد"، الإقبال على منتجات وخدمات الصيرفة الإسلامية في العالم، وبصفة خاصة في البلدان الإسلامية، ومنذ بضع سنوات في المغرب العربي وتونس، بحرص شريحة من الناس على التقيد بتعاليم الإسلام في مجال المعاملات المالية وسعي متخصصين ماليين لتبيان اختلافها عن التقليدية، خصوصا في أوروبا، إضافة إلى توفر سيولة كبيرة لدى عدد من البلدان الإسلامية، لا سيما في بلدان الخليج.
ويشير الحطاب إلى أن تضاعف رقم معاملات مؤسسات الصيرفة الإسلامية ثلاثين مرة بين سنتي 1985 و2010 يجعل من مسألة استشراف آفاق تطورها أمراً يؤكد سيرها في نسق تصاعدي رغم وجود عدة عوائق من المحتمل أن تحد من نموها وعلى رأسها العامل السياسي على غرار ما يحصل في تونس.
ويحتاج التعايش في محيط نقدي ومالي واحد بين مؤسسات الصيرفة الإسلامية والتقليدية والمنشآت العاملة في مجال التأمين وشركات التكافل، وفق الحطاب، إلى ضبط إطار تنظيمي محكم يؤسس على السماح بفتح نوافذ إسلامية وتوحيد أنماط الرقابة، وأكد على أهمية التقيد بمعايير المنافسة الشريفة بين كافة الأطراف، وهو ما حدّده قانون المصارف الجديد.
اقــرأ أيضاً
ورغم أن الصيرفة الإسلامية لا تزال تتحسس طريقها بتونس، في ظل اعتراض العديد من الأطراف السياسية التي اعتبرت تقنين هذا النشاط المالي "أخونة" ناعمة للاقتصاد، إلا أن هذا المجال تجاوز هذه الانتقادات ولاقى إقبالاً كبيراً، لا سيما من مواطنين وأصحاب أعمال أبقوا أموالهم خارج الدورة الاقتصادية بسبب حرمة وضعها في المصارف التقليدية من وجهة نظرهم.
وتستعد السوق المصرفية التونسية لدخول مصرف إسلامي جديد (الوفاق) ليعزز إمكانات الصيرفة الإسلامية في البلاد، ليصل بذلك عدد المصارف الإسلامية إلى ثلاثة من إجمالي 22 مصرفا في تونس، وهي الزيتونة والبركة بالإضافة للوفاق، إلى جانب 3 شركات في التامين التكافلي (التكافلية، الزيتونة تكافل، الأمانة تكافل)، فضلا عن الشركة العربية الدولية للإيجار المالي لتدخل بذلك الخدمات الإسلامية بقوة إلى أهم مكونات القطاع المصرفي في البلاد.
وشهد البرلمان التونسي في مايو/ أيار الماضي، جدلا واسعا، بعد المصادقة على قانون المصارف الذي نظم تشريعيا ولأول مرة في تاريخ البلاد الصيرفة الإسلامية وهو ما مكّن معظم المصارف التجارية من فتح شبابيك للصيرفة الإسلامية واعتماد هذا المنتج ضمن حزمة المنتجات التي تقدمها.
ويشدد المهتمون بالشأن الاقتصادي على الآثار الإيجابية لتقنين الصيرفة الإسلامية وتوسيع مجالها، معتبرين أن توفير هذا المنتج المالي في مختلف المصارف سيساعد على الرفع من حجم المدخرات وإمكانات تمويل الاقتصاد.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الأطراف المعارضة للصيرفة الإسلامية، والتي صوتت ضد القانون لا تستند إلى تبريرات اقتصادية بقدر ما يعكس موقفها الصراع الأيديولوجي والسياسي الذي تعيشه البلاد بين المشروعين الإسلامي والعلماني.
ويرى عضو البرلمان الهادي بن ابراهم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الصيرفة الإسلامية ستُمكن من فتح آفاق واسعة أمام تونس، كما ستساهم في تحقيق فوائد كبيرة على غرار ما حصل في ماليزيا وبريطانيا، معتبرا أن تقنينها تأخر في الوقت الذي كان يفترض أن تسعى فيه الدولة إلى إيجاد كل الحلول الممكنة لمساعدة الاقتصاد على الخروج من عنق الزجاجة.
وحسب محللين ماليين، أصبح التمويل الإسلامي ملجأ للمستثمرين بما يمثله من تقليل عامل المخاطرة في ظل المأزق الحالي للائتمان العالمي والأزمة الاقتصادية الذي تعيشها معظم الدول، حيث تعاظمت ودائعها وزادت منشآتها وتبنت العديد من المصارف التقليدية تقنياتها الاستثمارية.
وأشار مسؤول بمصرف الزيتونة (أكبر مصرف إسلامي في تونس)، توفيق الأشهب، إلى أن تقنين هذا النوع من الصيرفة سيفتح مجالات واسعة للاقتصاد مشيراً إلى أن التجربة أثبتت وجود رغبة ملحة من قبل المعرضين على التعامل مع المصارف في إيجاد بديل يسمح لهم بتمويل مشاريعهم وفق الأحكام الإسلامية.
وقال الأشهب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تمكين المصارف التجارية من تسويق المنتجات الإسلامية وفق القانون الجديد سيمكن المصارف التقليدية حتما من العمل على تحسين هذا الصنف من الخدمات والتعريف به على نطاق أوسع بهدف المحافظة على جزء من السوق، ما سيمكن حتماً من الرقي بالمالية الإسلامية وتحسين أدائها، حسب تعبيره.
وشدد الأشهب، على أهمية توسع نشاط المصارف الإسلامية في تونس في هذا الظرف الاقتصادي، مشيراً إلى أن توسيع قاعدة النشاط سيكون إيجابياً للاقتصاد عموماً حيث سيرتفع سقف المنافسة، مما سيكون له الأثر الجيد على العملاء (شركات، ومستثمرين)، مؤكدا في السياق ذاته أن المصارف الإسلامية لم توجد لإقصاء التقليدية بل على العكس للتكامل، وذلك عبر توفير الإمكانية لاستقطاب عملاء لم يكن باستطاعتهم تفعيل إدخاراتهم في إطار النظام التقليدي.
وأفاد الأشهب، بأن المصارف الإسلامية مكنت من استقطاب ما بين 10 و20% من التونسيين غير المتعاملين مع المصارف أو المعرضين عنها لأسباب دينية، لافتا إلى أن شريحة مهمة من التجار وأصحاب الأعمال ترفض التعامل مع المصارف، ما يجعل مدخراتهم خارج الدورة الاقتصادية.
واعتبر الأشهب أن بقاء الأموال خارج الدورة الاقتصادية خسارة كبيرة، لا سيما أن الاقتصاد المحلي يحتاج إلى كل إمكاناته لتمويل المشاريع وخلق فرص شغل جديدة وهو ما يجعل من الصيرفة الإسلامية التي باتت تستحوذ على نحو 3% من النشاط المصرفي عموما أحد البدائل المهمة وفق قوله.
ويجمع خبراء الاقتصاد على أن العامل السياسي من العوامل الرئيسية المحددة لنجاح الصيرفة الإسلامية أو ضمورها.
وبالرغم من مناخ الاستقطاب السياسي الذي تعيشه تونس منذ سنوات واصلت المؤسسات الناشطة في المجال تحسسها الطريق واستطاعت إلى حد ما فرض وجودها في المجتمع التونسي واستقطاب نسبة كبيرة من المودعين، لتصبح من تقاليد الصيرفة في تونس في السنوات المقبلة.
وفي مايو/ أيار الماضي، أقر مجلس نواب الشعب التونسي بأغلبية 115 صوتا مشروع قانون يمنح للبنك المركزي مهمة الرقابة على المصارف والمؤسسات المالية، وتنظيم عملية سحب التراخيص بها، وإنشاء هيئة مراقبة على المؤسسة المالية المرخص لها بممارسة الصيرفة الإسلامية.
كما سمح القانون لكل مؤسسة مالية مرخص لها بممارسة الصيرفة الإسلامية مع إحداث هيئة مراقبة مطابقة لمعايير الصيرفة الإسلامية، ومنح القانون لهذه الهيئة النظر في مدى توافق أنشطة المصرف أو المؤسسة المالية مع مبادئ ومعايير الصيرفة الإسلامية، على أن تكون قراراتها ملزمة بالنسبة للمصرف أو المؤسسة المالية.
ويفسر الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، لـ"العربي الجديد"، الإقبال على منتجات وخدمات الصيرفة الإسلامية في العالم، وبصفة خاصة في البلدان الإسلامية، ومنذ بضع سنوات في المغرب العربي وتونس، بحرص شريحة من الناس على التقيد بتعاليم الإسلام في مجال المعاملات المالية وسعي متخصصين ماليين لتبيان اختلافها عن التقليدية، خصوصا في أوروبا، إضافة إلى توفر سيولة كبيرة لدى عدد من البلدان الإسلامية، لا سيما في بلدان الخليج.
ويشير الحطاب إلى أن تضاعف رقم معاملات مؤسسات الصيرفة الإسلامية ثلاثين مرة بين سنتي 1985 و2010 يجعل من مسألة استشراف آفاق تطورها أمراً يؤكد سيرها في نسق تصاعدي رغم وجود عدة عوائق من المحتمل أن تحد من نموها وعلى رأسها العامل السياسي على غرار ما يحصل في تونس.
ويحتاج التعايش في محيط نقدي ومالي واحد بين مؤسسات الصيرفة الإسلامية والتقليدية والمنشآت العاملة في مجال التأمين وشركات التكافل، وفق الحطاب، إلى ضبط إطار تنظيمي محكم يؤسس على السماح بفتح نوافذ إسلامية وتوحيد أنماط الرقابة، وأكد على أهمية التقيد بمعايير المنافسة الشريفة بين كافة الأطراف، وهو ما حدّده قانون المصارف الجديد.