الصراع الأميركي الإيراني يشلّ العراق: لا أفق لولادة الحكومة

05 سبتمبر 2018
معسكر العبادي ـ الصدر نجح بجمع 20 كتلة سياسية(الأناضول)
+ الخط -
ينذر الوضع في العراق بكثير من المخاطر، بعد يومين من تعثّر البرلمان العراقي الجديد في تسمية أحد الطرفين المتنافسين بتشكيل الحكومة، مع فشل انعقاد جلسة أمس والإعلان عن تأجيل انعقادها لغاية منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، ليظهر العراق مشلولاً بفعل الصراع الأميركي ــ الإيراني على النفوذ فيه، إذ تتمسك طهران بشراسة بإيصال حكومة وليدة من رحم تحالف مليشيات الحشد الشعبي ونوري المالكي، في مقابل إصرار أميركي على كسر الحلفاء المباشرين لإيران في العراق، وتفضيل واشنطن فوز تحالف الصدر ــ العبادي بحق تسمية رئيس الحكومة. ويأتي ذلك على وقع التصعيد الواضح من كلا الفريقين الشيعيين، والمخاوف من أن ينسحب ذلك على الشارع، خصوصاً مع وجود فصائل مسلحة تدعم كلا طرفي النزاع السياسي بالبلاد، ومع استمرار فشل القوى السنية في تسمية مرشحها لرئاسة البرلمان، وطرح كل كتلة مرشّحاً خاصاً بها لشغل المنصب. إلى ذلك، ألمحت تسريبات عن قيادات كردية موجودة حالياً في بغداد إلى أنهم ينتظرون قرار المحكمة الاتحادية في تحديد أي المعسكرين هو الكتلة الأكثر عدداً ولها حقّ تشكيل الحكومة، ليستعيدوا دورهم بعد أن فقدت الكتل الكردية تأثيرها في ما يتعلّق بتشكيل الكتلة الكبرى.

وتعليقاً على هذه التطورات، قال مسؤول عراقي مقرّب من رئيس الوزراء حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار البرلمان بتأجيل جلساته "جاء كأول اتفاق يحدث بين الكتل المتناحرة داخل البرلمان، حيث مُرّر القرار بتوافق كل رؤساء الكتل البرلمانية لسبب بسيط، هو أنّ الخلافات الداخلية لا تستثني أي منها". وأضاف "نترقّب الآن صدور ردّ واضح من المحكمة الاتحادية، والذي سيكون تفسير للمادة الدستورية رقم 76 الخاصة بالكتلة التي لها حق تشكيل الحكومة بوصفها الكتلة الأكثر عدداً".

وتابع المسؤول أنّ "الاستفسار الموجّه اليوم هو نفسه الذي وجهه نوري المالكي عام 2010 للمحكمة ذاتها، ولرئيسها مدحت المحمود، خلال نزاعه مع إياد علاوي، وكان ردّ المحكمة لصالح المالكي"، وهو التالي: "تجد المحكمة الاتحادية العليا أنّ تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني إمّا الكتلة التي تكوّنت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد في البرلمان، أو الكتلة التي تجمّعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثمّ تكتّلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشّح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى، بتشكيل مجلس الوزراء استناداً إلى أحكام المادة 76 من الدستور".

ووفقاً للمسؤول نفسه، فإنّ تفسير المحكمة الاتحادية عام 2010 يكون اليوم لصالح معسكر العبادي ـ الصدر، كون المادة نفسها لم تتغيّر، والتفسير يبقى هو نفسه، إذ إنّ تحالف "الإصلاح والبناء"، وهو الاسم الذي أطلق على معسكر العبادي ـ الصدر، قد نجح في جمع 20 كتلة سياسية يبلغ عدد المقاعد التي فازت بها في الانتخابات 183 مقعداً، وبذلك يكون لها حق امتياز تشكيل الحكومة. وختم المسؤول بالقول إنّ "أيّ تفسير آخر لصالح الطرف الثاني سيرسّخ فكرة القضاء المسيّس في العراق، ويؤدي إلى أزمة حقيقة" وفقاً لقوله، مستدركاً بأنّ المحكمة الاتحادية أقرب للحكم لصالح معسكر العبادي والصدر بسبب الوقائع المتوفرة.

توقف التحركات الأميركية والإيرانية

ومع ترقّب ردّ المحكمة الاتحادية العراقية حول الاستفسار الذي يخشى أيضاً أن يردّ على اعتبار أنّ الرئيس المؤقت للبرلمان لا يملك حقّ مخاطبة المحكمة، وأنّ الأمر مناط برئيس الجمهورية أو الوزراء أو رئيس البرلمان الدائم، فإنّ الكتل الكردية لم تعد تملك أيّ تأثير في تحديد أي الفريقين المتصارعين له حقّ تشكيل الحكومة الجديدة، على اعتبار أنّ الجلسة الأولى للبرلمان قد عقدت وردّد النواب الجدد اليمين الدستورية وتمّ تقديم قائمتين، كل واحدة منها تعلن أنها الكتلة الأكثر عدداً ولها حقّ تشكيل الحكومة.

وفي هذا السياق، قال قيادي في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجانبين الإيراني والأميركي توقّفا عن أيّ تحرّكات في هذا الصدد، والأكراد سيكون دورهم في تمرير الحكومة المقبلة، بمعنى أنّ الكتلة التي ستشكّل الحكومة ستحتاج إلى الأكراد لتمريرها، باعتبار أنّ الحكومة يجب أن تمرّر بأغلبية الثلثين".

وتابع القيادي "تجاوزنا مرحلة كسب الكرد من قبل كلا الطرفين، فقد دخلنا الجلسة الأولى وقدّمت الأسماء وكل شيء انتهى"، لافتاً إلى أنّ "حتى الانسحابات لم تعد مجدية بين الكتل الآن، والأكراد لم يعودوا بيضة القبان كما جرى وصفهم في الأيام التي أعقبت الجلسة الأولى للبرلمان".

من جانبه، قال القيادي في التحالف الكردستاني، محمود سنجاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحزبين الكرديين قرّرا انتظار ردّ المحكمة الاتحادية ولصالح من سيكون القرار"، مبيناً أنّ "المشهد في بغداد يزداد تعقيداً وتأجيل جلسات البرلمان بهذا الشكل يعدّ خرقاً للدستور، وهناك خشية من أنّ الصراع السياسي قد يضر باستقرار البلاد أمنياً".

بدوره، قال القيادي في ائتلاف "دولة القانون" بزعامة المالكي، سامي العسكري، إنّ "التهديد بالنزول إلى الشارع لن يلوي أذرعنا إطلاقاً"، وذلك في معرض رده على احتمال نزول الصدريين للشارع في حال انتزع منهم حق تشكيل الحكومة. وأوضح العسكري في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عراقية أنّ "رئيس الوزراء المقبل سيخرج حصراً من معسكر دولة القانون والفتح، بعد أن شكّلا الكتلة النيابية الكبرى تحت مسمى تحالف البناء التي سُتسّمي رئيس الوزراء المقبل".

في غضون ذلك، علم "العربي الجديد" عن تقديم سبعة نواب من الذين قُدموا من قبل معسكر المالكي ـ العامري على أنهم أعضاء في تحالفهما، شكاوى، مشفوعة بتواقيعهم، بأنهم لا يعلمون عن انضمامهم إلى هذا التحالف وأنّه قدّ تمّ تزوير تواقيعهم وتقديمها لرئيس البرلمان المؤقت مع بدء الجلسة. والأعضاء هم: فيصل العيساوي، حسن المسعودي، نواف سعود، فلاح عبد الكريم، حسين الفايز، أحمد العبد الله، وعمانؤيل خوشابا عن المكون المسيحي. كذلك تمّ وضع 8 نواب آخرين هم بالأساس موجودون في المعسكر الآخر، وتمّ اعتمادهم هناك، بالإضافة إلى تسجيل أسماء 12 نائباً من دون وجود تواقيع لهم.

ووفقاً لتسريبات من داخل الدائرة الإعلامية في البرلمان العراقي، فإنّ معسكر المالكي ـ العامري قد يتحوّل عدد أعضائه الموثّقين إلى نحو 130 نائباً، في حال اعتمدت المحكمة الاتحادية التدقيق بالقائمة المقدّمة من كلا الطرفين.

 

خروقات دستورية

ومع قلق واضح في صفوف العراقيين من أن تؤثّر الأزمة السياسية الخانقة التي تعصف بالبلاد على الملف الأمني، خصوصاً مع صدور تلميحات إلى احتمال نزول أي من الطرفين إلى الشارع في حال خسارته، سجّل مراقبون ثلاثة خروقات للدستور جرت خلال الساعات الماضية، أبرزها بدعة الجلسة المفتوحة التي سبق أن اعتبرت المحكمة الاتحادية أنها مصطلح غير دستوري ولا وجود لشيء اسمه جلسة مفتوحة للبرلمان، والثانية عدم انتخاب رئيس للبرلمان من خلال طرح أسماء المرشحين والتصويت عليهم، والثالثة عدم تكليف الكتلة الأكثر عدداً التي يجب أن تحدّد في الجلسة الأولى لتشكيل الحكومة الجديدة.

المساهمون