استبق زعيم التيار الصدري في العراق رجل الدين مقتدى الصدر، موجات الغضب الشعبية المتصاعدة في البلاد ضد الحكومة والبرلمان بسبب تردي الواقع الأمني والاقتصادي وارتفاع مستويات الفقر والبطالة والجريمة المنظمة، بتظاهرات واسعة شارك فيها الآلاف من اتباعه في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وعلى بعد بضعة أمتار عن المنطقة الخضراء. وحملت التظاهرات جملة من الرسائل السياسية، أولها لشركائه السياسيين في "التحالف الوطني" الحاكم للبلاد، والذي يمر بأزمة حادة قد تفضي إلى تفككه، ورسائل أخرى إلى السنّة والأكراد وعامة الشعب العراقي، إذ أعلن براءته من أعضاء التيار الصدري في الحكومة التي هاجمها في أكثر من مرة خلال خطابه. كما لوّح باقتحام المنطقة الخضراء في حال لم تُقدِم حكومة حيدر العبادي على إصلاحات وصفها بالجذرية، مطالباً بضرورة محاسبة من وصفهم بـ"السراق" و"اللصوص" الذين سرقوا مال الشعب في السنوات السابقة، في إشارة إلى الفترة التي كان يتولى فيها زعيم حزب "الدعوة" نوري المالكي رئاسة الحكومة.
وقال الصدر في كلمته التي ألقاها من خلف حاجز زجاجي ضد الرصاص وسط إجراءات أمنية مشددة وإغلاق أغلب الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير، إن "الحكومة العراقية ملزمة بإجراء إصلاحات جذرية، بعدما تركت شعبها يصارع الموت والخوف والجوع"، معلناً براءته "من كل فاسد". وأضاف الصدر: "نحن على أسوار الخضراء وغداً سيكون الشعب فيها، ليستعيد حقوقه من الفاسدين والظالمين"، محذراً بأن العبادي "على المحك بعد صوت المرجعية وصوت الداخل والخارج وانتفاضة الشعب، وهو ملزم بإجراء الإصلاح الجذري".
وتابع قائلاً: "بعد أن مكّنا رئيس الحكومة من الإصلاحات، كوانا، واليوم هو ملزم بالإصلاح الجذري لا الترقيعي، وإن لم يصلح فوراً سنقول له نعم للإصلاح ونعم لمحاسبة الفاسدين وكلا كلا للفساد"، مشيراً إلى أن "أي أحد من افراد الحكومة لا يمثلني على الإطلاق، حتى لو انتمى لنا أو تعاطف معنا". وأضاف: "أُعلن براءتي من كل فاسد أو ظالم وإن كان مقرباً"، متابعاً: "أعلن بكل صراحة وشجاعة أن الحكومة قد تركت شعبها يصارع الموت والخوف والجوع والاحتلال حتى أوصلته إلى أزمة أمنية خانقة واقتصادية مهلكة وخدمية متردية وسياسية متهالكة".
ولفت الصدر إلى أن "تظاهرة اليوم هي صوت الشعب العراقي والشهداء والسجناء والمظلومين"، وخاطب المتظاهرين بالقول: "صوتكم يجب أن يعلو على صوت كل فاسد، وأي مسؤول يرفض صوتكم الاصلاحي عليه التنحي". وطالب المتظاهرين بترديد شعار: "إخوان سنّة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه" عدة مرات، قبل أن يؤكد وحدة العراق من الشمال إلى الجنوب ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وأنه لا فرق بين العراقي المدني والعراقي الإسلامي.
ويؤكد كلام الصدر أنه مصرّ على أن يتبنى العبادي مبادرته الإصلاحية التي قدّمها له منتصف الشهر الحالي، والتي تتضمن تشكيل حكومة جديدة من وزراء متخصصين في مجالاتهم وغير منتمين لأي حزب أو تيار، وعدم التمسّك بالإصلاحات الترقيعية أو البقاء ضمن إطار الأحزاب التي ترشح من بينها وزراء للحكومة ضمن نظام المحاصصة التي درجت عليه حكومات ما بعد الاحتلال.
اقرأ أيضاً: التيار الصدري للعبادي: التغيير أو مغادرة الحكومة
ويكشف المتحدث باسم الصدر، الشيخ صلاح العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرة لن تكون الورقة الأخيرة لكنها خطوة لإيصال صوت الشارع للحكومة والأحزاب التي لا يروق لها الإصلاح الفعلي وتبحث عن إصلاحات شكلية"، معلناً أن "خطوات أخرى ستحصل في حال لم يتحقق الإصلاح في البلاد".
واعتبر نواب وسياسيون عراقيون أن التظاهرة لن تكون الأخيرة للصدر، خصوصاً أنه تعهّد بالبقاء في بغداد وعدم العودة إلى النجف لحين إيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة في البلاد، واصفين الخطوة بأنها توجّه رسائل للداخل والخارج ومحاولة للتنصّل من المسؤولية.
ويقول قيادي بارز في "التحالف الوطني"، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الصدر وجّه رسائل في التظاهرة لكتل "التحالف" أكثر من تلك التي وجهها للكتل الأخرى خارج التحالف أو الشارع العراقي، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الصدر استعرض قوته من خلال عديد أنصاره الذين تجاوزوا كل التوقّعات، إذ وصل عدد من لبى دعوته إلى نحو ربع مليون شخص". ويلفت إلى أن الصدر "وجّه رسائل لقادة الكتل داخل التحالف الوطني قبل غيرهم، مفادها أنه قادر على نسف أي اتفاق يتوصلون إليه بعيداً عنه وعن التيار الصدري"، في إشارة إلى المباحثات القائمة حالياً بين كتل دولة القانون والمجلس الأعلى والفضيلة حيال التشكيلة الحكومية الجديدة بعد التعديل ولوح بالشارع لاقتحام لمنطقة الخضراء.
ويلفت إلى أن الصدر "بدا أقرب إلى الوطنية من الطائفية بترديده شعارات الأخوّة والسلم بين السنّة والشيعة والعرب الأكراد وباقي الطوائف"، مؤكداً أن "التظاهرة قد تتجدد مرة أخرى وباتت سلاحاً بيد الصدر فهو الأقدر على جمع هذا العدد من المتظاهرين دون غيره من الكتل".
من جهته، يعتبر عضو حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، أحمد الحلي، تظاهرة الصدر بأنها "محاولة للتنصّل من المسؤولية في الفشل"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الصدر يملك 40 نائباً و6 وزارات خدمية و7 وكلاء وزارات ونحو 100 مدير عام في المؤسسات الحكومية و6 محافظين في الجنوب العراقي، وعلى الرغم من ذلك تحدث كأنه معارض سياسي يقيم خارج العراق وتنصّل من أية مسؤولية له عن الفشل أو التراجع بالعراق بمختلف الملفات". ويضيف: "نحن مع الإصلاح لكن التلويح بالشارع لن يفيد أحداً، واعتقد أن الشارع العراقي مدرك تماماً لما يجري، والصدر طرف أصيل في ما يجري اليوم".
من جهته، يرى الخبير السياسي صباح النعيمي، أنّ "التظاهرة هي رسالة من الصدر إلى العبادي تتضمن تهديداً ووعيداً بتطبيق شروطه في أيّ تغيير وزاري". ويقول النعيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصدر أراد من خلال التظاهرة الاستعراض على العبادي وخروج الآلاف من أنصار التيار ملبّين نداء الصدر ومؤكدين أنّهم مستعدون لتنفيذ ما يراه الصدر وما يوجههم به مهما كان، حتى لو أراد منهم اقتحام المنطقة الخضراء ومقرّات الحكومة والبرلمان، وهذا ما قاله الصدر صراحة عندما توعّد بدخول المنطقة الخضراء".
ويلفت إلى أنّ "الصدر يمارس ضغوطاً شديدة الوطأة على العبادي منذ أن أعلن عن تحركه للتغيير الوزاري، وتمثّلت بفرضه على العبادي لجنة لاختيار الوزراء، وإقامة الصدر ببغداد وهو أمر غير مسبوق، وإعلانه ورقة إصلاحيّة تعارض إصلاحات العبادي، وتظاهرة اليوم استعراض القوة"، مؤكداً أنّ "الصدر سيحجّم من دور العبادي وهو ما يريده، وسيتمكّن من فرض شروطه على أيّة خطوات للتغيير، وسيحتفظ بدوره إن لم يحصل على دور أكبر في التشكيلة الوزاريّة المرتقبة"، معتبراً أنّ "العبادي ليست له تلك القدرة على صد الصدر وأتباعه ومليشياته".
اقرأ أيضاً: مقتدى الصدر يفرض على العبادي لجنة لاختيار الوزراء