يختصر "مجمع الشفاء الطبي" في وسط مدينة غزة، تفاصيل المشهد الكامل للعدوان ضد القطاع. وتغمر ممراته ومرافقه رائحة الاستعداد والترقب طيلة الوقت، فعيون الأطباء والممرضين والعاملين شاخصة نحو بوابة "الاستقبال" في انتظار أي سيارة إسعاف تنقل مصاباً أو شهيداً.
فمجمع الشفاء أكبر مشافي القطاع وعلى تماس مباشر مع غالبية الإصابات الناتجة عن الاعتداءات الإسرائيلية، إضافة إلى عدة مستشفيات رئيسية أخرى.
وقد أعلنت حالة الطوارئ في المجمع منذ حادثة اختفاء المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة، وبدء العدوان، ما استدعى جهوزية الطواقم الطبية، رغم النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية، والوضع غير الطبيعي الذي يمر به الواقع الصحي.
قال رئيس قسم الاستقبال والطوارئ في المجمع أيمن السحباني إن "الوضع القائم صعب للغاية في ظل النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، والإغلاق المتواصل للمعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ونقص العديد من المواد الأساسية". وأضاف لـ"العربي الجديد": "من المعروف أن القطاع يتعرض لحصار متواصل منذ ثماني سنوات، وطيلة الفترة السابقة شهد نقصاً في الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل متذبذب، لكن الفترة الحالية هي الأصعب على الإطلاق، وقد نشهد كارثة غير مسبوقة بسبب العدوان الإسرائيلي".
وتابع السحباني: "نعاني نقص نحو 50 في المائة من المستلزمات الطبية الأساسية. كذلك رصيد 25 في المائة من الأدوية هو صفر. وفي حال استمرار التصعيد، سيزداد الوضع صعوبة، خاصة في ظل إغلاق معبر رفح البري حتى الآن، رغم فتحه في فترات التصعيد السابقة". وأوضح أن "الحالات التي تصل إلى مجمع الشفاء الطبي نتيجة القصف الإسرائيلي معظمها لشهداء نتيجة الاستهداف المباشر أو حالات بالغة الخطورة. أما الحالات الأخرى فتتوزع بين المتوسطة والطفيفة جراء تطاير الزجاج أو الردم الناجم عن قوة الانفجار"، مبيناً أن ذلك يحدث في ظل وضع غير طبيعي ونقص في مختلف اللوازم.
أضاف السحباني: "منذ ثلاثة أسابيع أوقفنا العمليات المجدولة، وهذا أمر كارثي غير مسبوق، وأجريت العمليات العاجلة وشبه العاجلة فقط. ومنذ أسبوع أوقفت العمليات شبه العاجلة مثل الأورام والسرطانات نتيجة نقص المستلزمات الطبية والأدوية اللازمة، وهذا ينذر بأننا مقبلون على أمور غاية في الصعوبة من كل النواحي".
ويكفي الرصيد الدوائي في مستشفى الشفاء لثلاثة أسابيع في الوضع الطبيعي. وفي الحرب السابقة، نفد الرصيد في اليومين الأولين من العدوان، وهو ما يُخشى أن يتكرر اليوم في ظل عدم استجابة الأطراف المختلفة لنداءات الصحة بتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
ويؤثر الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي سلباً على حياة المرضى، خاصة مرضى غسل الكلى والطوارئ والعناية المركزة والتنفس الاصطناعي وحضانات الأطفال وغيرها، إذ يعتمدون جميعهم على الأجهزة التي تعينهم على الحياة، علاوة على النقص الحاد في الوقود والذي سيؤدي إلى شلّ حركة سيارات الإسعاف والطوارئ التي تعاني أصلاً من نقص وصل إلى 50 في المائة، ما يساهم في عدم القدرة على نقل الإصابات.
من جهته، قال الحقوقي والمحامي صلاح عبد العاطي إن "توفير الأدوية والمستلزمات الطبية والمعدات بأشكالها كافة، يعد التزاما على دولة الاحتلال بموجب الاتفاقيات الموقعة، وإن تنصلها منه هو بمثابة عقاب جماعي وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان والقوانين والشرائع الدولية التي تنظّم توفيرها".
وأضاف عبد العاطي أنه "يجب إجبار الاحتلال على الالتزام باتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحروب، والعمل على ضمان حماية السكان المدنيين"، لافتاً إلى أن "إفلات الاحتلال من العقاب أدى إلى مزيد من عمليات القتل والإصابات، وزيادة معاناة الفلسطينيين العزّل". ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى "الانضمام إلى ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، من أجل المباشرة بمحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها وسياسة العقاب الجماعي في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة".