06 نوفمبر 2024
الصحافة والابتزاز
طرحت فضيحة الصحافيين الفرنسيين، إريك لورون وكاثرين غراسييه، اللذين حاولا ابتزاز ملك المغرب، محمد السادس، في مقابل حصولهما على مبلغ ثلاثة ملايين يورو للتخلي عن إنجاز كتاب عن المؤسسة الملكية في المغرب، أسئلة عديدة متعلقة بأخلاقيات مهنة الصحافة. وقبل مناقشة الموضوع، يجب التذكير، أن لورون اعترف، في حوار مع جريدة لوموند، بقبوله الصفقة المالية التي عرضت عليه، كما أقر بصحة التسجيلات التي سربت عندما كان يتفاوض مع محامي الملك، بخصوص مبلغ الصفقة. أما محامي زميلته كاثرين غراسييه فأقر، هو الآخر، بوجود الصفقة، وتحدث عن وجود "فخ" نصب لموكلته. لكن، في المقابل لم ينكر وجود التزام محرر بخط يدها وموقع منها ومن زميلها، يدينهما معاً، وفيه يقرّان بالتنازل عن الكتابة عن أي موضوع، له علاقة بالمغرب مقابل ثلاثة ملايين يورو.
وعندما نعرف أن الصحافيين يوصفان من المهتمين بالشأن المغربي، ندرك حجم التنازل الذي قدماه مقابل مبلغ مالي لا يستهان به هو الآخر. فإريك لورون ليس غريباً عن المغرب، فهو من الصحافيين القلائل الذين اختارهم الملك الراحل، الحسن الثاني، ليخصه بمذكراته، وكانت أبواب القصور الملكية مفتوحة أمام هذا الصحافي الفرنسي الذي ألف كتباً عدة عن المغرب. أما كاثرين غراسييه، فسبق لها أن اشتغلت في الصحافة المغربية، وكأي صحافي أجنبي في البلدان العربية، كانت جميع الأبواب تفتح أمامها. لكن الصحافيين اشتهرا قبل أربع سنوات بكتابهما "الملك المفترس"، وهو تحقيق صحافي مطول حول ثروة الملك محمد السادس، أزعج السلطات المغربية.
عندما سألت "لوموند" الصحافي الفرنسي، إريك لورون، ما إذا كان يعتقد أن قبوله صفقة مالية من المغرب في مقابل تنازله عن كتاب يعترف، هو نفسه، أنه سيسيء للبلد الذي سيكتب عنه، يمس شرف المهنة وأخلاقيات الكتابة الموضوعية، رد إنه كان أمام خيارين، فموضوع الكتاب، حسب قوله، خطير ومن شأنه أن يزعزع استقرار المغرب، وفي المقابل، العرض الذي قدم له للتنازل عن كتابه سخي. ويضيف الصحافي الفرنسي المخضرم، أنه أمام الحالة النفسية التي كان يوجد فيها بسبب "تعب السنين"، ومرض زوجته الخطير، فضّل التنازل عن كتابه في مقابل صفقة مالية. مضيفاً أن "كتاباً ناقصاً أو كتاباً زائداً" لن يضيف أو ينتقص من تجربته في الكتابة التي قال، إنها غنية.
غريب مثل هذا السقوط الأخلاقي الفادح لصحافي كبير، سبق أن اشتغل في كبريات الصحف الفرنسية، مثل "لوموند" و"لوفيغارو". يجعلنا هذا التصرف نعيد النظر في مديحٍ كثير يُكال، في عالمنا العربي، لنزاهة الصحافة الغربية ومهنيتها. ولا يعني هذا أن كل الصحافة والصحافيين الغربيين هم من طينة لورون وغراسييه، ففي الغرب صحافة مهنية وصحافيون شرفاء، والأمر نفسه بشأن عالمنا العربي الذي فيه صحافيون مرتشون بلا ضمير ولا أخلاق أصناف وأشكال وأنواع، حسب سوق العرض والطلب، وفيه نساء ورجال شرفاء لا يباعون ولا يشترون.
السؤال الكبير هنا يطرح عن علاقة الصحافة بالمال، هذا الساحر الذي يضعف أمامه الجميع. وفي هذه الحالة، تجاوز الأمر محاولة الرشوة التي يمكن أن يتعرض لها كل صحافي إلى الحديث عن "صفقة" موثقة بالصوت والكتابة. والكلمة التي استعملت في الصحافة الفرنسية لوصف هذه الفضيحة هي "الابتزاز". وهنا، أفتح قوسين، لأقول، إنه إذا كانت الجهة التي تعرضت للابتزاز تدرك طبيعته، فلماذا استجابت لصاحبه أصلاً. إن الذي يسعى إلى مفاوضة من يبتزه شخص لديه ما يريد أن يخفيه، أو ما يخشى على افتضاحه. كما أن الشخص المُبتز يعرف كيف يختار ضحاياه، وإلا لماذا لا نسمع عن ابتزاز يتعرض له رؤساء دول ديمقراطية. ما أريد قوله، إن الابتزاز جزء من منظومة الفساد الذي يترعرع في البيئات الفاسدة والمستبدة. وفي هذه الحالة، يجب أن توجه الإدانة الأخلاقية إلى طرفي العملية الابتزازية.
يُحكى أن صحافياً عربياً، صاحب مجلة ذائعة الصيت في زمانها، كان كثير النقد لأحد الحكام العرب، ولكسب وده ولجم لسانه، وجه الحاكم دعوة كريمة إلى الصحافي، تلقاها الأخير بكل ترحاب، ومكث في ضيافة الحاكم معززاً مكرماً طوال أيام الضيافة، وفي طريق عودته إلى موطن صدور مجلته، أغدق عليه الحاكم الهدايا والعطايا. انتظر الحاكم أسابيع عدة، وهو يتابع منشور الصحافي، فلم يعد يجد لأخبار بلده أي شيء فيه، فاستغرب، وأرسل من يستفسر الصحافي عن هذا "الجفاء"، فرد الأخير على رسول الحاكم، إن إكراميات سيده كانت فقط من أجل شراء صمته، أما إذا أراد أن يشتري صوته، أي مديحه، فعليه أن يدفع أكثر. عندها شعر الحاكم أنه وضع رأسه بين كماشتي حيوان مفترس، ما عليه سوى الخضوع لابتزازه، إذا أراد أن يحافظ على سلامة رأسه، لأنه من أكسبه صدقيته، عندما استضافه وأكرمه.
تتكرر مثيلات هذه الحكاية، اليوم، عشرات المرات على امتداد خريطة العالم العربي، ما يؤكد أن قوة الصحافة الرخيصة تكسبها من ضعف ضحاياها. وإلا لماذا لا نجد مثل هذه الصحافة مزدهرة في دول ديمقراطية، تعتمد الحكامة والشفافية في تدبير شؤون مواطنيها. فحيثما توجد الجثث تحوم النسور.
وعندما نعرف أن الصحافيين يوصفان من المهتمين بالشأن المغربي، ندرك حجم التنازل الذي قدماه مقابل مبلغ مالي لا يستهان به هو الآخر. فإريك لورون ليس غريباً عن المغرب، فهو من الصحافيين القلائل الذين اختارهم الملك الراحل، الحسن الثاني، ليخصه بمذكراته، وكانت أبواب القصور الملكية مفتوحة أمام هذا الصحافي الفرنسي الذي ألف كتباً عدة عن المغرب. أما كاثرين غراسييه، فسبق لها أن اشتغلت في الصحافة المغربية، وكأي صحافي أجنبي في البلدان العربية، كانت جميع الأبواب تفتح أمامها. لكن الصحافيين اشتهرا قبل أربع سنوات بكتابهما "الملك المفترس"، وهو تحقيق صحافي مطول حول ثروة الملك محمد السادس، أزعج السلطات المغربية.
عندما سألت "لوموند" الصحافي الفرنسي، إريك لورون، ما إذا كان يعتقد أن قبوله صفقة مالية من المغرب في مقابل تنازله عن كتاب يعترف، هو نفسه، أنه سيسيء للبلد الذي سيكتب عنه، يمس شرف المهنة وأخلاقيات الكتابة الموضوعية، رد إنه كان أمام خيارين، فموضوع الكتاب، حسب قوله، خطير ومن شأنه أن يزعزع استقرار المغرب، وفي المقابل، العرض الذي قدم له للتنازل عن كتابه سخي. ويضيف الصحافي الفرنسي المخضرم، أنه أمام الحالة النفسية التي كان يوجد فيها بسبب "تعب السنين"، ومرض زوجته الخطير، فضّل التنازل عن كتابه في مقابل صفقة مالية. مضيفاً أن "كتاباً ناقصاً أو كتاباً زائداً" لن يضيف أو ينتقص من تجربته في الكتابة التي قال، إنها غنية.
غريب مثل هذا السقوط الأخلاقي الفادح لصحافي كبير، سبق أن اشتغل في كبريات الصحف الفرنسية، مثل "لوموند" و"لوفيغارو". يجعلنا هذا التصرف نعيد النظر في مديحٍ كثير يُكال، في عالمنا العربي، لنزاهة الصحافة الغربية ومهنيتها. ولا يعني هذا أن كل الصحافة والصحافيين الغربيين هم من طينة لورون وغراسييه، ففي الغرب صحافة مهنية وصحافيون شرفاء، والأمر نفسه بشأن عالمنا العربي الذي فيه صحافيون مرتشون بلا ضمير ولا أخلاق أصناف وأشكال وأنواع، حسب سوق العرض والطلب، وفيه نساء ورجال شرفاء لا يباعون ولا يشترون.
السؤال الكبير هنا يطرح عن علاقة الصحافة بالمال، هذا الساحر الذي يضعف أمامه الجميع. وفي هذه الحالة، تجاوز الأمر محاولة الرشوة التي يمكن أن يتعرض لها كل صحافي إلى الحديث عن "صفقة" موثقة بالصوت والكتابة. والكلمة التي استعملت في الصحافة الفرنسية لوصف هذه الفضيحة هي "الابتزاز". وهنا، أفتح قوسين، لأقول، إنه إذا كانت الجهة التي تعرضت للابتزاز تدرك طبيعته، فلماذا استجابت لصاحبه أصلاً. إن الذي يسعى إلى مفاوضة من يبتزه شخص لديه ما يريد أن يخفيه، أو ما يخشى على افتضاحه. كما أن الشخص المُبتز يعرف كيف يختار ضحاياه، وإلا لماذا لا نسمع عن ابتزاز يتعرض له رؤساء دول ديمقراطية. ما أريد قوله، إن الابتزاز جزء من منظومة الفساد الذي يترعرع في البيئات الفاسدة والمستبدة. وفي هذه الحالة، يجب أن توجه الإدانة الأخلاقية إلى طرفي العملية الابتزازية.
يُحكى أن صحافياً عربياً، صاحب مجلة ذائعة الصيت في زمانها، كان كثير النقد لأحد الحكام العرب، ولكسب وده ولجم لسانه، وجه الحاكم دعوة كريمة إلى الصحافي، تلقاها الأخير بكل ترحاب، ومكث في ضيافة الحاكم معززاً مكرماً طوال أيام الضيافة، وفي طريق عودته إلى موطن صدور مجلته، أغدق عليه الحاكم الهدايا والعطايا. انتظر الحاكم أسابيع عدة، وهو يتابع منشور الصحافي، فلم يعد يجد لأخبار بلده أي شيء فيه، فاستغرب، وأرسل من يستفسر الصحافي عن هذا "الجفاء"، فرد الأخير على رسول الحاكم، إن إكراميات سيده كانت فقط من أجل شراء صمته، أما إذا أراد أن يشتري صوته، أي مديحه، فعليه أن يدفع أكثر. عندها شعر الحاكم أنه وضع رأسه بين كماشتي حيوان مفترس، ما عليه سوى الخضوع لابتزازه، إذا أراد أن يحافظ على سلامة رأسه، لأنه من أكسبه صدقيته، عندما استضافه وأكرمه.
تتكرر مثيلات هذه الحكاية، اليوم، عشرات المرات على امتداد خريطة العالم العربي، ما يؤكد أن قوة الصحافة الرخيصة تكسبها من ضعف ضحاياها. وإلا لماذا لا نجد مثل هذه الصحافة مزدهرة في دول ديمقراطية، تعتمد الحكامة والشفافية في تدبير شؤون مواطنيها. فحيثما توجد الجثث تحوم النسور.