الشيف الشربيني: عربات الطعام السريع على التلفاز

13 مارس 2020
برنامج "الشيف الشربيني" يتجاوز فكرة الطبخ (فيسبوك)
+ الخط -
في كتابها الأثير "أفروديت"، صاغت الروائية التشيلية إيزابيل الليندي، وصفات في الطعام باعتباره مسألة عشق بين اثنين، وليس أكلاً فقط. لقد عاكست كل الأشغال الروائية التي فعلتها، وفجأة، أصدرت كتاباً عن الطبخ. كيف يمكن اعتبار عملية الطبخ نفسها مسألة لا تخصّ البطن فقط، بل حاجة تخصّ القلب قبل كل شيء، جذب الحبيب إلى أقرب نقطة من ذلك القلب الولهان. بمعنى أن ظهور عملية الطبخ ذاتها ليس عملية مجردة ومعروفة بجمع عناصر غذائية ووضعها في طنجرة - كيفما اتفق - وانتهى الأمر. المسألة أبعد من ذلك بكثير. على هذا السياق، يمكن الدخول إلى حالة هذا الشيف المصري، الشربيني، ورواية الأشغال التي يفعلها.

"ما فيش أحلى من وصفة كلها حُب وسعادة". بهذه العبارة، يفتتح الشيف الشربيني برنامج الطبخ الذي يحمل اسمه، قبل أن ينطلق في صناعة أطباقه اليومية. من هنا، تكون البداية حين يبدو على هيئة من يتعمّد إظهار مسألة الطبخ كما لو أنها مسألة عشق، لا وظيفة ومهنة يقتات منها خبز يومه. على هذه الهيئة نراه على الشاشة، يتصرف كأنه في بيته وليس على الهواء. كأنه يلعب. وكل هذا على الرغم من سنّه المتقدّمة. يحاول تجاوز حكم سنوات العُمر بالحركة الكثيرة أمام الكاميرا والتنقل بين الأطباق التي يصنعها كل يوم، فهو على العكس من غالبية البرامج المتخصصة في عوالم الطبخ، لا ينشغل بطبخة واحدة في اليوم؛ حيث يحرص على تقديم أكثر من طبختين في الحلقة الواحدة وغالبيتها تكون طبخات آتية من البيئة الشعبية المصرية: مسقعة، كوارع، الفول بكل أشكاله والعناصر المُضافة إليه، الفطائر وأشهرها الفطير المشلتت، الحواشي، الكبدة بكل أنواع طبخها أيضاً، وبذات طريقة الساندويتشات التي تُباع على عربات الطعام السريع في شوارع القاهرة أو الإسكندرية.

وفيما تأتي أخبار عن تعامل الشربيني مع فنادق من الدرجة الأولى، وإشرافه على حفلات عشاء من الطراز المجتمعي العالي، لكن هذا لا يظهر أبداً في طريقة شغله على الشاشة. إنه يأخذ الخُضر بيديه العاريتين، لا يرتدي غالباً أيّ قفازات مطاطيّة حين يُعدّ الطبخات، وهذه واحدة من النقاط المأخوذة عليه. لكنّه انتبه إليها أخيراً عبر اتصال هاتفي شديد القسوة من أحد المُشاهدين؛ فقرّر ارتداءها لحلقتين، وعاد ليستخدم يديه العاريتين، كأنه لا يريد الابتعاد عن منطقته الشعبية والبقاء فيها، ولو عبر تفاصيل صغيرة لا ينتبه لها ويلاحظها المتابعون.



إلى جانب ذلك، هناك أخطاء صغيرة في شغله، ومنها على سبيل المثال طريقة تكسيره للبيض على طنجرة الأكل الموضوعة على النار مُباشرة، وهذا خطأ كبير، ولا يقع فيه صغار الطباخين، حيث من المفروض أن تُكسر كل بيضة في طبق منفصل للتأكد من سلامتها، ومن بعد ذلك تُوضع في الطنجرة الكبيرة، وهكذا مع كل بيضة. لو كانت بيضة واحدة فاسدة فستفسد البيضات السابقات. ومن الملاحظات اللافتة في طريقة شغل الشربيني أيضاً، وضعه أكثر من طبخة في برنامجه اليومي، ويكون اللحم والدجاج والسمك من عناصرها. إنه يقطّع كل هذا على طاولة واحدة من دون الاهتمام بعملية تنظيفها بعد كل تقطيع. وبعيداً عن مسألة الشروط الصحيّة في هذه العملية، يكفي الانتباه إلى عملية اختلاط الروائح التي ستكون بين كل تلك العناصر، وكان من الممكن الانتباه لها وتجنبها عبر توفير أكثر من طاولة تقطيع لكل عنصر غذائي، وهي عملية ليست مُكلفة من الناحية المادّية، ويمكن توفيرها بكل سهولة.

لكن، من الناحية النظرية أو الشكلية، نرى للشيف الشربيني وهو يحاول - قدر استطاعته - الظهور على الهيئة التي تشبه صورة الطبّاخين العاملين في الفنادق "الراقية" ذات النجوم الخمس. وهذا حين يحرص على ارتداء الزي الخاص به ويزيّن أطرافه بلون متطابق مع لون الساعة التي يرتديها ولون إطار النظارة التي يلبسها أيضاً. وفي كل حلقة يظهر الطقم الذي يرتديه بلون مختلف. كأنها محاولة لإظهار أناقة مصطنعة على الشاشة، لكنها سرعان ما تزول مع أول حركة شعبية - عفوية - يقوم بها حين يختبر نسبة الملح مثلاً من على الطنجرة التي يصنع عليها طبخته، يضع أصبعه بداخلها ويلحس ما فيها بلسانه ومن ثم يعود لمسح أصبعه على الزي الأنيق الذي يرتديه. هو مثال لمن يريد نزع علاقته بالفنادق الراقية بحركة واحدة وارتباطه بالشعبي.
إلى جانب كل ذلك، يبدو أن برنامج "الشيف الشربيني" ليس كلّه في الطبخ. يتجاوز البرنامج مسألة الطبخ ذاتها وأموره، ليذهب إلى منطقة أوسع تصل إلى مساحات اجتماعية عبر الاتصالات الهاتفية التي تصله. هناك اتصالات هاتفية طوال زمن البرنامج. القليل منها يطلب شرحاً لوصفات ونصائح وطريقة التعامل مع المطبخ، والكثير منها اتصالات تبحث عن مساعدة: سيدة تبحث عن كرسي عجل يسمح لها بالخروج من البيت والتنزه، سيدة أُخرى تبحث عن واحد بإمكانه أن يدفع لها إيجار البيت المتأخر لثمانية أشهر أو أكثر، واحدة ثالثة تبحث عن امتلاك ثلّاجة لابنتها اليتيمة، وقد حان وقت زواجها، وصار من الضروري تأمين "جهاز البيت".
تكتمل الصورة الشعبية للشيف الشربيني في كل هذه الأشياء التي يفعلها على الهواء. البث المُباشر لا يكذب. يُظهر الناس على حقيقتهم، ولا مجال لحذف مشهد يُبث مُباشرة.
دلالات
المساهمون