الشعب أمام فاشية العسكر
عندما تجد الجموع من أبناء الشعب ساخطة على قرار منع فيلم إباحي وترقص على أنغام تغني للدماء، تعرف أنك أمام عبث الدولة. حقاً هنيئاً لك، فأنت أمام إسقاط الدولة المصرية وإعلان القضاء حتى على رمزيتها وإلغاء قضائها وتشريعها. إذا ما أريد إهدار طاقة مجتمع أو إسقاط وطن، فما علينا إلا أن نغيب العدل فيه ونستدرجه لأن يكون الخصم والحكم. سيقف المؤرخون يومأ أمام هذه الحقبة من تاريخ المحروسة، لكن كيف وماذا سيسجلون، وبأي العبارات سيأرخون.
منذ الإنقلاب العسكري على ثورة الشعب المصري وخياراتها، لم نعثر على حدث أو منجز جدير بنقله لمن سيأتي بعدنا. هذا، وبالدرجة الأولى، لأن مصر في حقبة حكم الإنقلاب العسكري قد أخرجت من منظومة البنى الدولانية التي تقدم أدنى درجات الاحترام لكرامة البشر. فلا يحق لأحد بأن يطالب أحد الآن باحترام القضاء والركون إليه، بشكل خاص أمام مهاترات ما يسمى بالانتخابات الرئاسية ونتيجتها الهزلية. من المعلوم أن العالم كان مترقباً لهذه المسرحية، لا ليعرف نتيجتها، إنما ليطلق قهقهات السخرية من الشعب المصري ومصير دولته.
إن سيناريو امتلاك الدولة وإعلان تبعيتها لنادي الضباط واحتكار مقدراتها واقتصادها، كذلك مصادرة حريات المصريين، جاء أيضاً كتراكم لانتظار المصريين طويلاً في مقاعد المشاهدين يتابعون تبختر الجنرالات فوق صدورهم. ولذلك ما استفقنا إلا لنجد أنفسنا في مصر اللادولة واللاقانون واللاحريات، وهذا بالتأكيد خدمة لمصلحة الفرعون الأوحد، ومن كبريات نذائر انهيار الدولة وفشلها. الفاشية التي تحكم الدولة المصرية اليوم، لا إمكانية لقيامها وبقائها إلا على حساب الشعب المصري وقوت يومه، كما أحلامه بمستقبل يختبر فيه ما معنى أن تكون مواطناً. ولا يعد من المركزي شكل الطريق الذي وصلت فيه الفاشية إلى القصر سواء بالانتخاب، باطلاً أم صحيحاً، أو بالعربدة الانقلابية، فالخلاصة واحدة والجريمة واحدة.
كما من الممكن أن تبسط نفوذاً فاشياً في المجتمع، وتستطيع أن تنشئ مجتمعا شاذاً يفرح ويطرب لسفك الدماء وانتهاك الحرمات والتشفي في الخصوم السياسيين. كل هذا يسير، إذا ما أتقنت التضليل والتدليس والخداع للجمهور الذي ينتظر منك تقديم ما هو مستقبلي وما يبعث الأمل في صباحاته. هذا هو الدور الوسخ، والخطير، الذي تضطلع به الكتلة الصلبة الواقفة خلف قائد الإنقلاب، في سبيل مصالحها الفردية والطبقية الضيقة، ومن أجل أن ترخي هيمنتها على مقدرات الدولة. ولهؤلاء نقول: غداً لن يرحمكم الشعب الذي سيستكمل ثورته حتماً، في الطرقات والشوارع والميادين والنجوع.