ليلة سقوط السياسة المصرية
ربما كان الأسوأ حظاً في العالم هو من يتحدث إلى الشعب بمناسبه ذكرى ثورة الثالث والعشرين من يوليو، في اليوم نفسه الذي يخرج فيه خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركه حماس، معلناً كلمات مباشرة، وموجهة إلى قادة الحرب في إسرائيل، بأن نزع سلاح المقاومة مرهون بإنهاء الاحتلال، ونزع سلاحه، وأن لا أحد يملي أوراقه على المقاومة، وعلى نتنياهو ووزير دفاعه أن يخرجوا إليهم خيرة رجالهم ليقتلوهم أو يأسروهم. مشهد لا يستطيع الأحرار في العالم تجاوزه. بينما الحرب على غزة تمثل أول اختبار حقيقي لقائد الانقلاب في مصر، والذي تأكدت معه كل الدوائر السياسية في العالم، وصناع القرار، أنه لا يملك الذكاء الشخصي والحنكة في إدارة الأحداث، حتى، على الأقل، لفرض ورقة تكسبه موقعاً متميزاً على الخريطة الدولية. وأتى على ما تبقى من رصيد للدور المصري الإقليمي في فرض سياسات وأطروحاتٍ، لا تتعلق بحل الأزمة ووقف العدوان، بل بخدمة العدو، إلى حد لا يمكن مقارنته بعهد مبارك حتى.
الخطأ الاستراتيجي الذي يمارسه النظام السياسي في مصر، والبعيد عن أبسط قواعد العملية السياسية في طرح المبادرات، يتمثل في عدم التحاور مع طرف الأزمة الأصلي، وهو المقاومة الفلسطينية، وعدم دعوتها إلى الحوار، والتعامل بسطحيةٍ وتجاهل مع قوة عسكرية أربكت المحللين العسكريين، بفضل انتصاراتها على الأرض، ما دفع السياسيين في حماس إلى توجيه الضربة المباشرة، وفضح التراخي في الدور المصري، وإعلان رؤية صلبة لوقف القتال، استناداً إلى أرضيه صلبة، بعيداً عن القاهرة. ذلك ما أدخل السلطه الانقلابية في مصر في نفق مظلم، وعزلة سياسية، كونها لم تستطع حتى طرح ورقتها بشكل محترف، وهذا لا يتعلق فقط بقائد الانقلاب، وإنما بالأجهزة السيادية التي تشارك في إدارة الأزمة. وما تشير إليه المعطيات والوقائع، أن المقاومة ستنجح في فرض استحقاقاتها، وستحقق نجاحات استراتيجية على الأرض، وسوف يفرض الحال نفسه، ويضطر قائد الانقلاب إلى الذهاب إلى حماس، لتعديل مبادرته، أو لحفظ ما تبقى من ماء وجهه أمام الرأي العام العالمي.
حالة السطحية المفرطة التي تعتري رأس السلطة في مصر، وانفصاله عن المجتمع المصري، تعكس تخبطاً واضحاً في الفصل بين الملفات. فالسلطة الانقلابية فاقدة القدرة على التعامل مع القضية الفلسطينية، التي يراها المصريون ثابتاً لا يمكن تجاوزه، وينظرون إليها قضية وجود، ولا يسقط من ذاكرتهم ما قامت به إسرائيل من مجازر ضد المدنيين، من أهلهم في مصنع أبو زعبل، أو مدرسة بحر البقر، أو دفن إسرائيل الأسرى المصريين في حرب يونيو/حزيران، وهم أحياء. لا يمكن مسح أن العدو الصهيوني هو عدو الشعب والجيش المصريين من ذاكرتهما. ومن السطحية أن يتم الربط بين حركه حماس وجماعة الإخوان المسلمين، وبين ملف خارجي من الثوابت العربية، بملف سياسي داخلي، وأن تختزل شعور المصريين تجاه إسرائيل، ذاك ضرباً من الخيال كذلك.
أما إخفاقات السياسة الخارجية المصرية، فهي كثيفة، وجديدها السماح لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن يقول من داخل القصر الجمهوري، إن ما يحدث من إسرائيل دفاع عن النفس. ويتضح أن الأميركيين والعدو الصهيوني يعمدان إلى إحراج الدور المصري، وكشف صفقاته معهم كل يوم، تأكيداً وضماناً لولائه لهم.
حالة الخروج عن المعقول، والتدهور المهني والأخلاقي في وسائل الإعلام، في تناولهم أحداث الحرب على غزة، وظهور تأييد ودعم إعلامي لضرب غزة، لم يحدث علي مر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وإن كان هذا القبح هو مجرد تصفية حسابات مع جماعة الإخوان المسلمين، وحقداً أسود على نجاح المقاومة في غزة في تحقيق انتصاراتٍ على جيش هزم أقوى الجيوش العربية في ستة أيام. يتضح سبب الطفح الإعلامي، ويتضح، أيضاً، أننا أمام تغير العقيدة الاستراتيجية للدولة في مصر، من اعتبار العدو الصهيوني العدو الأول، إلى اعتبار حركه حماس العدو الاستراتيجي. وهنا يجب السؤال: ماذا لو أن حركة حماس ليست موجودة على الحدود الشرقية لمصر، هل تكتفي إسرائيل بضرب غزة فقط؟!