24 سبتمبر 2020
الشرق الأوسط بين القرنين.. الأميركي والأفريقي
يعود مصطلح القرن الأميركي إلى القرن، بمفهوم الزمان، وقد ظهر في الأدبيات السياسية الأميركية مع بداية القرن العشرين، والصعود الأميركي الكبير، والتطلع إلى الهيمنة الأميركية الكونية على أنقاض الإمبراطوريات والقوى العظمى القديمة التى بدأت تترهل، وتتهاوى، وتستعد لصراعاتٍ دموية بينها، خصوصا الصراع من أجل تركة "الرجل المريض"، أي السلطنة العثمانية، آخر دول الخلافة الإسلامية. ويعني المصطلح أن ذلك القرن (القرن العشرين) سيكون الذي ستفرض فيه الإمبراطورية الأميركية الجديدة هيمنتها الكونية على أنقاض الإمبراطوريات القديمة التي بدأت تتهاوى.
اندلعت بالفعل الحرب العظمى، العالمية الأولى (1914- 1918)، واشتبكت فيها القوى العظمى القديمة بالفعل، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا، وبالطبع دولة الخلافة العثمانية، وحلفاؤهم، واختارت الولايات المتحدة الأميركية سياسة النأي بالنفس، تراقب سير الحرب الدامية بين القوى المتصارعة، وتحتفظ بقواها، على الجانب الآخر من المحيط، للتدخل في اللحظة المناسبة عندما يتم حسم الحرب، خصوصا على المسرح الأوروبي.
انتهت الحرب العالمية الأولى، وخرجت منها كل القوى منهكة، المنتصرة والمهزومة، وإنْ كانت النتيجة الأكثر وضوحاً هي سقوط الإمبراطورية العثمانية، ونهاية آخر دول الخلافة، واقتسام تركتها ما بين بريطانيا وفرنسا أساساً. وبقى الموقف في أوروبا من دون حسم واضح، حيث خرجت روسيا القيصرية من الحرب قبل نهايتها، وتشكل الاتحاد السوفييتي، بعد نجاح الثورة البلشفية، وانتهى الموقف بالنسبة لألمانيا باتفاقية أشبه باتفاقيات الهدنة، أتاحت لها النهوض ثانية على يد أدولف هتلر. وهكذا تأجل الحلم الأميركى بأن يكون القرن العشرون هو القرن الأميركي، ولكن بقيت القوة الأميركية كامنةً تنمو، وتترقب التطورات على الساحة العالمية.
لاحت الفرصة ثانيةً مع اندلاع الحرب العالمية العالمية الثانية (1939- 1945). وفي تلك الحرب، أخد الصراع طابعاً أشد ضراوة، حيث الصراع كان بشأن أوروبا، ومن يحكم العالم، وتشكلت القوى المتحاربة في طرفين: الحلفاء، أي أوروبا الغربية متحالفة مع الاتحاد
السوفييتي، مدعومة بأميركا (عن بعد في البداية). والمحور، ويقوم أساساً على ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، ومعهما اليابان. ودارت رحى الحرب الضروس، لا تبقى ولا تذر من كل الأطراف، وأميركا قابعة وراء المحيط، تكتفي بتقديم العون المادي لحلفائها، وتحتفظ بقواها الصلبة للوقت المناسب، بينما الحلفاء، وفي مقدمتهم بريطانيا العظمى، ورئيس وزرائها المحنك تشرشل، يدركون أن الحرب لن يحسمها سوى دخول المارد الأميركى بكل قواها. وجاءت تلك اللحظة عندما تورّطت اليابان بضرب الأسطول الأميركي، وتدميره فى بيرل هاربر. وهكذا لم تجد أميركا مناصاً من الانغماس فى خضم الحرب، وكانت لحظة ضرب "بيرل هاربر" من أسعد لحظات الثعلب البريطاني تشرشل، لتأكده من دخول أميركا الحرب، واقتراب حسمها لصالح الحلفاء، وهو ما تم بالفعل عبر قنابل نووية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وإنزال النورماندي وتحرير فرنسا.. وانتهت الحرب العالمية الثانية بالنصر الحاسم للحلفاء، واستعدت أميركا لتبوؤ قمة العالم، وليكون القرن العشرون هو القرن الأميركي. ولكن، من جديد حدث ما أعاق تحقيق الحلم الأميركي، فقد قام الاتحاد السوفييتي بتفجيره النووي، وتشكيل معسكره الماركسي بعد سيطرته على أوروبا الشرقية وشرق ألمانيا وإقامة سُوَر برلين، ثم تشكيل حلف وارسو العسكري، وانطلقت الحرب الباردة التي استغرقت قرابة نصف قرن، وعطلت حلم القرن الأميركي.
مع نهايات القرن العشرين، كان سُور برلين قد انهار، وسقط الاتحاد السوفييتي، وانهار المعسكر الشرقي وحلف وارسو، وتجدد الحلم الأميركي بأن يكون القرن 21 القرن الأميركي بلا منازع. وجاء الأميركيون إلى البيت الأبيض، في بداية الألفية، بجورج دبليو بوش على رأس إدارة جمهورية يمينية متطرفة، يسودها المحافظون الجدد، ومن أبرزهم وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، الذي أطلق ما تعرف بالثورة في الشؤون العسكرية، والتي ستحدث طفرة تكنولوجية هائلة في القدرات العسكرية الأميركية، تجعلها قادرةً على فرض سيطرتها على العالم. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن الأميركية، فوقعت أحداث "11 سبتمبر" في العام 2011، وضربت أميركا في عقر دارها في نيويورك وواشنطن بعملية إرهابية غير مسبوقة، أعقبتها ما أعلنته أميركا من حربها العالمية ضد الإرهاب، وشعار من ليس معنا فهو ضدنا. وذهب بوش الابن، وجاء باراك أوباما بإدارته الديمقراطية، والحرب ضد الإرهاب بأشكالها المختلفة مستمرة، واضطربت الدنيا، واختلطت الأمور، وعمت فوضى ليست خلاقة، كما أرادت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، خصوصا في أكثر مناطق العالم
حساسيةً بالنسبة لأميركا والغرب، وهي الشرق الأوسط ومنابع النفط، وطرق مواصلاته إلى البحار المفتوحة.. وأيضاً ظهر قيصر روسي جديد، وهو الرئيس فلاديمير بوتين، يسعى إلى التنافس على الساحة، وظهرت قوى إقليمية صاعدة، تصورت أن الفرصة سانحة لها للعب دور مؤثر في مجريات الأمور، أبرزها إيران وتركيا والعدو الإسرائيلي. وتعقدت الأمور، وراح ترامب وإدارته الجمهورية يسعى إلى إحياء حلم القرن الأميركي، من خلال إعادة هيكلة علاقات أميركا بحلفائها في أوروبا، وابتزاز أتباعها في الشرق الأوسط، وتحييد المنافس الجديد المتمثل في القيصر الروسي.. فهل ينجح الرئيس دونالد ترامب في إنجاز تلك الصفقات، ليكون القرن 21 القرن الأميركي؟ .. يبقى السؤال معلقاً؟
بينما يسعى الرئيس الأميركي إلى تكريس فكرة أن القرن 21 سيكون هو "القرن الأميركي" وانعكاس ذلك على الشرق الأوسط، وعالمنا العربي الذي حتما سيفقد هويته، وإرادته، في إطار صفقات ترامب، والتي تصب في صالح حليفه الرئيسي في المنطقة، وهو العدو الإسرائيلي، حتى أنه لم تفته، في قمته مع بوتين في هلسنكي، الإشادة بموقف القيصر الروسي المؤيد لإسرائيل ورئيس حكومتها.
يظهر في الوقت نفسه زعيم أفريقي واعد، يتحدث عن قرن مختلف هذه المرة، وهو القرن الأفريقي، بمفهومه الجغرافي، تلك المنطقة شديدة الأهمية، والحساسية، بالنسبة للقارة الأفريقية، والبحر الأحمر، والممرات الدولية، وحوض النيل.. وهو رئيس الوزراء الإثيوبي الصاعد، الدكتور آبى أحمد، حيث أنهى أخطر صراع دموي استمر قرابة ثلاثة عقود مع إريتريا، وهي الظهير البحري لإثيوبيا ومنفذها إلى البحر الأحمر، ورتب علاقاته مع الصومال، ووثّق علاقاته بجيبوتي، والسودان فى الشمال، والجنوب، ليشكل قوة أفريقية جديدة ومؤثرة، بشكل حيوي في المنطقة، خصوصا أن إثيوبيا تحكم قبضتها على منابع النيل، بما يمثله ذلك، في ظل المشروعات العملاقة التى على وشك الانتهاء، والمتمثلة في سد النهضة، ومنظومة السدود الثلاثة عشر المكملة له، ومشروعات توليد الكهرباء الضخمة، ومشروعات التطوير الزراعي والصناعي .. وانعكاس ذلك كله، أيضا، على منطقة الشرق الأوسط، وعلى عالمنا العربي، وذلك في ظل النفوذ الأميركي في القرن الأفريقي الجديد، والعلاقات الوثيقة للعدو الإسرائيلي بأهم دول منطقة القرن الأفريقي، وطموحاتها في مياه النيل التي أصبحت أقرب إليها أكثر من أي وقت مضى.
ما بين القرن الأميركي والقرن الأفريقي، يصبح على العرب، إذا أرادوا البقاء، إعادة التفكير في مستقبل العلاقات العربية - العربية والكفّ عن التنازع، حتى لا تذهب ريحهم بغير رجعة، ولن ينجو أحد من بطش صهيون.
اندلعت بالفعل الحرب العظمى، العالمية الأولى (1914- 1918)، واشتبكت فيها القوى العظمى القديمة بالفعل، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا، وبالطبع دولة الخلافة العثمانية، وحلفاؤهم، واختارت الولايات المتحدة الأميركية سياسة النأي بالنفس، تراقب سير الحرب الدامية بين القوى المتصارعة، وتحتفظ بقواها، على الجانب الآخر من المحيط، للتدخل في اللحظة المناسبة عندما يتم حسم الحرب، خصوصا على المسرح الأوروبي.
انتهت الحرب العالمية الأولى، وخرجت منها كل القوى منهكة، المنتصرة والمهزومة، وإنْ كانت النتيجة الأكثر وضوحاً هي سقوط الإمبراطورية العثمانية، ونهاية آخر دول الخلافة، واقتسام تركتها ما بين بريطانيا وفرنسا أساساً. وبقى الموقف في أوروبا من دون حسم واضح، حيث خرجت روسيا القيصرية من الحرب قبل نهايتها، وتشكل الاتحاد السوفييتي، بعد نجاح الثورة البلشفية، وانتهى الموقف بالنسبة لألمانيا باتفاقية أشبه باتفاقيات الهدنة، أتاحت لها النهوض ثانية على يد أدولف هتلر. وهكذا تأجل الحلم الأميركى بأن يكون القرن العشرون هو القرن الأميركي، ولكن بقيت القوة الأميركية كامنةً تنمو، وتترقب التطورات على الساحة العالمية.
لاحت الفرصة ثانيةً مع اندلاع الحرب العالمية العالمية الثانية (1939- 1945). وفي تلك الحرب، أخد الصراع طابعاً أشد ضراوة، حيث الصراع كان بشأن أوروبا، ومن يحكم العالم، وتشكلت القوى المتحاربة في طرفين: الحلفاء، أي أوروبا الغربية متحالفة مع الاتحاد
مع نهايات القرن العشرين، كان سُور برلين قد انهار، وسقط الاتحاد السوفييتي، وانهار المعسكر الشرقي وحلف وارسو، وتجدد الحلم الأميركي بأن يكون القرن 21 القرن الأميركي بلا منازع. وجاء الأميركيون إلى البيت الأبيض، في بداية الألفية، بجورج دبليو بوش على رأس إدارة جمهورية يمينية متطرفة، يسودها المحافظون الجدد، ومن أبرزهم وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، الذي أطلق ما تعرف بالثورة في الشؤون العسكرية، والتي ستحدث طفرة تكنولوجية هائلة في القدرات العسكرية الأميركية، تجعلها قادرةً على فرض سيطرتها على العالم. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن الأميركية، فوقعت أحداث "11 سبتمبر" في العام 2011، وضربت أميركا في عقر دارها في نيويورك وواشنطن بعملية إرهابية غير مسبوقة، أعقبتها ما أعلنته أميركا من حربها العالمية ضد الإرهاب، وشعار من ليس معنا فهو ضدنا. وذهب بوش الابن، وجاء باراك أوباما بإدارته الديمقراطية، والحرب ضد الإرهاب بأشكالها المختلفة مستمرة، واضطربت الدنيا، واختلطت الأمور، وعمت فوضى ليست خلاقة، كما أرادت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، خصوصا في أكثر مناطق العالم
بينما يسعى الرئيس الأميركي إلى تكريس فكرة أن القرن 21 سيكون هو "القرن الأميركي" وانعكاس ذلك على الشرق الأوسط، وعالمنا العربي الذي حتما سيفقد هويته، وإرادته، في إطار صفقات ترامب، والتي تصب في صالح حليفه الرئيسي في المنطقة، وهو العدو الإسرائيلي، حتى أنه لم تفته، في قمته مع بوتين في هلسنكي، الإشادة بموقف القيصر الروسي المؤيد لإسرائيل ورئيس حكومتها.
يظهر في الوقت نفسه زعيم أفريقي واعد، يتحدث عن قرن مختلف هذه المرة، وهو القرن الأفريقي، بمفهومه الجغرافي، تلك المنطقة شديدة الأهمية، والحساسية، بالنسبة للقارة الأفريقية، والبحر الأحمر، والممرات الدولية، وحوض النيل.. وهو رئيس الوزراء الإثيوبي الصاعد، الدكتور آبى أحمد، حيث أنهى أخطر صراع دموي استمر قرابة ثلاثة عقود مع إريتريا، وهي الظهير البحري لإثيوبيا ومنفذها إلى البحر الأحمر، ورتب علاقاته مع الصومال، ووثّق علاقاته بجيبوتي، والسودان فى الشمال، والجنوب، ليشكل قوة أفريقية جديدة ومؤثرة، بشكل حيوي في المنطقة، خصوصا أن إثيوبيا تحكم قبضتها على منابع النيل، بما يمثله ذلك، في ظل المشروعات العملاقة التى على وشك الانتهاء، والمتمثلة في سد النهضة، ومنظومة السدود الثلاثة عشر المكملة له، ومشروعات توليد الكهرباء الضخمة، ومشروعات التطوير الزراعي والصناعي .. وانعكاس ذلك كله، أيضا، على منطقة الشرق الأوسط، وعلى عالمنا العربي، وذلك في ظل النفوذ الأميركي في القرن الأفريقي الجديد، والعلاقات الوثيقة للعدو الإسرائيلي بأهم دول منطقة القرن الأفريقي، وطموحاتها في مياه النيل التي أصبحت أقرب إليها أكثر من أي وقت مضى.
ما بين القرن الأميركي والقرن الأفريقي، يصبح على العرب، إذا أرادوا البقاء، إعادة التفكير في مستقبل العلاقات العربية - العربية والكفّ عن التنازع، حتى لا تذهب ريحهم بغير رجعة، ولن ينجو أحد من بطش صهيون.