الشرخ يتمدد بين اقتصادات الأنظمة العربية وحقوق الناس

18 يوليو 2016
مواجهة في تحرك مصري ضد الفساد(محمد نعماني/ فرانس برس)
+ الخط -
تعتبر التنمية البشرية رهاناً حقيقياً لدول العالم، فهي الركيزة الأساسية للقيام بنهضة اقتصادية وتقدم اجتماعي يحسن من ظروف عيش المواطنين ويضمن السلم الاجتماعي.
وتستلزم التنمية البشرية تهيئة ظروفها عبر تعميم المساواة والعدالة الاجتماعية، الأمن البشري وحقوق الإنسان، الاستدامة البيئية المشاركة في الحياة السياسية والاندماج في المجتمع. وكذلك تتطلب تحسين الإمكانات البشرية من خلال المستوى المعيشي اللائق، المعرفة، الحياة المديدة والصحية.
في المنطقة العربية، شكلت قضية التنمية البشرية مسألة مركزية بعد الفترة الاستعمارية، حيث قامت الدول العربية بصياغة برامج للتنمية بالتنسيق مع الأمم المتحدة في فترات متعددة. إلا أن مؤشر التنمية البشرية حسب تقرير الأمم المتحدة لسنة 2015 يصنف الدول العربية في مراتب متدنية. وباستثناء دول الخليج، تعاني الدول العربية من ضعف تنموي يؤثر سلباً على الإنسان العربي. 

وعلى الرغم من المكانة التاريخية والمقومات الجيوسياسية لهذه الدول إلا أن ترتيبها لا يعكس مقوماتها الاقتصادية. ونجد أن مصر تحتل المرتبة 108 في التصنيف، أما العراق فيصنف في المرتبة 121 متبوعاً بالمغرب في المرتبة 126 وسورية في المركز 134، كما نجد في آخر التصنيف كلاً من اليمن والسودان في المرتبتين 160 و167 على التوالي.
ويبين استمرار هذا التدني في سلم التنمية البشرية خللاً بنيوياً ظاهره اجتماعي وباطنه اقتصادي. فقد فشلت السياسات العامة الاقتصادية في الارتقاء بالدول العربية، بل كثرت مظاهر العلة في مناحٍ عديدة من الهيكل الاقتصادي، والمتمثلة في انتشار الحرمان والظلم الاجتماعي، ثم التهميش الاقتصادي المعبر عنه بتراجع فرص العمل المنظمة والمحمية، وتراجع مستوى الدخل والأمن الغذائي بسبب التضخم وتدهور البيئة.


وتضيق الفرص أمام المبادرة وريادة الأعمال، ثم هيمنة الاحتكار، وتآكل فرص العمل في القطاعين العام والخاص. ويتزاحم الشباب على فرص العمل الموسمية والمؤقتة. ناهيك عن الارتهان السياسي والمؤسساتي الذي يظهر جلياً في غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة أو المشاركة.

حيث تتولى الدولة التخطيط والتنفيذ للسياسات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية من منظار عقد اجتماعي يتبادل فيه المواطن الصمت معها. وقد ساهم هذا البناء المؤسساتي الهش في تعميق الحرمان الاجتماعي والاقتصادي بسبب فشل المؤسسات في تحقيق الحد الأدنى من عدالة توزيع الدخل ورأس المال الاجتماعي من جهة، وبسبب عدم قدرتها على تحقيق أي إحساس فعلي لدى "المواطن الزبون" لملكية هذه المؤسسات.

ولا بد من الإشارة إلى الخلل الشديد في إدارة الموارد الطبيعية والطاقية وارتباطها باستدامة النمو والعجز في الموازنات الحكومية وعلاقتها بسوق العمل. فمع أن نصف العرب يعيشون في الريف فإن حصة الإنتاج الزراعي من الناتج في الدول العربية استمرت بالتراجع خلال العقدين الماضيين لتصل إلى %21، بينما يستورد العرب نصف حاجتهم من الغذاء. وتعتبر الدول العربية أكبر مستورد للغذاء في العالم ويصل عجزها الغذائي إلى %51.


وتواجه هذه الدول العربية تدهوراً مستمراً وخطيراً في الموارد المائية فهي جميعها تعيش دون خط الفقر المائي وهو 2111 متراً مكعباً للفرد سنوياً، يعمقه استنزاف جائر للمياه الجوفية في ظل موجات متزايدة من الجفاف وغياب برامج حكومية فاعلة للزراعة المستدامة. كما ترتبط التنمية بإشكالية الريع في العالم العربي من خلال سوء توزيع مرده إلى انحراف السياسة الاقتصادية إلى سياسة مصروفات لا تعتني بالرفع من المردودية عبر التصنيع والاستثمار في قطاعات إنتاجية مثمرة.

على العموم، يبدو الطريق شاقاً إلى إقلاع تنموي عربية. فالتجارب العالمية توضح شروطاً لا محيد عنها للانضمام إلى الدول ذات التصنيف المرتفع في معدلات التنمية البشرية.
فالاستثمار العمومي في القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة ليس سوى توظيف المال العام للحد من الفقر والعوز.

إذ تتحدد نسبة الإنجاز الاقتصادي وفقاً لمدى الانحياز الاجتماعي خاصة للفئات المعوزة، غير ذلك يبقى الإصلاح الاقتصادي مجرد ذر للرماد في العيون وتبقى الفجوة كبيرة بين اقتصاد الدولة واقتصاد الشعب.
(باحث وأكاديمي مغربي)
المساهمون