الشباب العربي... النزوح الأول

28 مارس 2018
+ الخط -
كثيرا ما نسمع أمثالا شعبية وتوصيفات اجتماعية تدعي أنها تنتقد جيل الشباب بهدف التغيير والإصلاح، ولكن على ما يبدو فقد ساهمت هذه النظرة المجتمعية في تحطيم الروح المعنوية لجيل بأكمله، فأصبحنا الفئة الأولى المضطهدة في بيئة يطغى عليها الفساد السياسي والاجتماعي والانهيار الاقتصادي في دول تآكلتها الحروب والصراعات، وتحولنا من طاقة بشرية غزيرة الإمكانيات إلى أجساد متفرقة هائمة ينقصها الدافع المشترك والأهداف الشخصية والطموحات المستقبلية. ورغم ما وصلنا إليه من ضياع وتشتت، إلا أننا وبطريقة سحرية نجد أنفسنا الملام الأول في قفص الاتهام الذي بنته الأيدي ذاتها التي عملت على تحطيم أرواحنا.

ما الذي حدث؟ وكيف وصلنا إلى هنا؟
أسئلة أجدها تنهش عقلي في كل لحظة يقظة، عندما أنظر حولي وأجد الشباب العربي المشتت بين دول العالم، لا يجد مكاناً له ولا وطناً لروحه المتعبة. شباب يخوضون البحار والصحاري والغابات، ويواجهون وحوش المال من أجل الهروب إلى برٍ آمنٍ قد يجدون فيه من يقدرهم ويستثمر طاقاتهم وإمكاناتهم، يفرون من بلاد يحكمها كهلة ويديرها عجائز أكل عليهم الدهر وشرب، ومجتمعات تنظر إلى الشباب كلعنة يجب قراءة المعوذات لتجنب شرورها.


المثير للسخرية في أزمتنا الحالية يكمن في مقارنتها بماضينا، حيث يدعي البعض أننا مجتمعات متخلفة تقبع في الماضي، ولكن لو نظرنا إلى تاريخنا، فسوف نجد حكاية مختلفة تماماً، تحكي قصة شاب عمره ستة عشر عاماً قاد جيشاً كاملاً إلى النصر في أحد المعارك الفاصلة في تاريخ إمبراطورية الإسلام، وقصة شاب آخر حاور عالماً جليلاً فغلبه، وقصة الشاب الذي دحر التتار وأنقذ المنطقة العربية بل والعالم من همجيتهم، وغيرها من القصص التي تحوي أدلة على نهضة أمتنا بالشباب وحرصها عليهم واستثمارها لطاقاتهم نظراً لإيمانها بأهمية دورهم في النهوض بالمجتمعات وارتقائها وتطورها، فقد كانت أمتنا تخوض سباقاً حضارياً مع الأمم الأخرى وكانت تتصدر ذلك السباق وسجلت فيه أسمى معاني التقدم العلمي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي. لذا كم أتمنى لو يعود بنا الزمان فعلاً إلى الوراء.

ما نعاني منه في هذا الزمن ليس فقط التهجير القسري نتيجة الحروب والنزاعات الطائفية التي نهشت بيئة مجتمعاتنا، فنجد الكثيرين من الشباب يهاجرون طوعاً باحثين عن العمل أو التعليم أو حياة أفضل، وبعد الهجرة أو أثناء الرحلة تبدأ الأزمة الأصعب في حياة جيلنا، وهي فقداننا للشعور بالانتماء إلى تلك البلاد التي نبذتنا وقذفتنا نحو المجهول، ويبدأ صراعنا الداخلي بين ما تربينا عليه من حب الوطن وسجل أنا عربي وبين الواقع الذي وصل بنا إلى عرض البحر وتحت رحمة القراصنة وتجار الموت..

نقف أمام صور الزعماء والقادة الذين يتحدثون باسم الوطن وكأنه مزرعة خاصة مسجلة بأسمائهم، وأمام صور الأطفال والشيوخ والنساء والشباب المشردين والقتلى فنفقد بوصلتنا، ما الذي زرعته الكتب الدراسية في عقولنا؟ أين نذهب من هنا؟ بعد اكتشافنا للأكذوبة التي حبكتها أنظمة سادية، هل نكمل طريقنا نحو المجهول بالمبادئ والأفكار نفسها التي يثبت يومياً زيفها؟ أم نخلع عنا تلك القيود الفكرية ونفقد معها جزءاً من تكويننا وهويتنا؟
BD819782-9C47-4D0F-9BFC-A9D49732765A
نجوى أبو خاطر

حاصلة على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإنكليزية وأعمل حاليا في مجال الترجمة. بدأت حياتي المهنية كناشطة شبابية ومتطوعة في مؤسسات ثقافية واجتماعية ثم عملت في مجال حقوق المرأة مع استمراريتي في مجال التطوع خاصة فيما يتعلق بدور الشباب في المجتمع.