الشباب السوداني والمرجعيات الفكرية... للحقيقة أكثر من وجه

23 يوليو 2016
للحقيقة أكثر من وجه (Getty)
+ الخط -
ظل السودان يعيش حالة من العزلة الإقليمية والتراجع الداخلي منذ العام 1989 على خلفية انقلاب ووصول الإنقاذ عبر الجيش إلى السلطة وتولي عمر البشير الحكم، وفي أعقاب الانقلاب ذي الصبغة الأيديولوجية الصارخة، تم تجفيف الكثير من منابع التنوير والتنظيم، تلك العملية التي ألقت بظلالها على المكون الشبابي الموجود، والأجيال الشبابية اللاحقة.


وعلى خلاف المأمول، نشأت أجيال ترابطت في ما بينها عبر مجموعات القراءة والاطلاع والنشاط السياسي الذي كان يأخذ في غالبه النزوع إلى المعارضة والمقاومة، واستفادت من التقدم التكنولوجي في التعرف والانفتاح على مختلف الأفكار، الأمر الذي شكل تياراً عريضاً من الأجيال متقدمة الوعي والمنفتحة على مختلف التجارب والأفكار.

ويشرح الشاب موسى حامد (مستقل)، صورة الوضع الذي كان، بقوله إنهم جيل نشأ في ظل انعدام أي مساحة لتعدد الأصوات الفكرية والأيديولوجية، تحت مظلة نظام الإنقاذ الذي قطع وصعَّب طرق الوصول إلى الأفكار والتنظيمات. ويضيف أنهم كجيل، انتبهوا مبكراً إلى أن السائد والمطروح والمقدم عبر القنوات الإعلامية والصحف والمنابر لا يمثلهم ولا يلبي طموحاتهم، وغير مقنع فكرياً وسياسياً.

ويقول إنهم انخرطوا فرادى ومجموعات في البحث عن "آباء فكريين"، وقادتهم سبل البحث إلى التعرف على كتابات إدوارد سعيد، ود. منصور خالد، ومحمد أبو القاسم حاج حمد، وكولن ويلسون، بالإضافة إلى شروحات للكثير من منظري اليسار العريض، كميشيل عفلق، ومهدي عامل، والسوداني د. عبد الله علي إبراهيم.

ويشير حامد إلى أنهم استفادوا في الوقت ذاته من أفكار حسن الترابي، موضحاً أن عملية فقدان الأب الفكري أحد محاسنه أنهم لم يكونوا أسرى لنمط واحد من الأفكار، بل انفتحوا على الأفكار والأطروحات المناظرة لما قد يحمله البعض منهم من أفكار ومنطلقات نظرية. ويتابع حامد أنه قرأ واستفاد من فرانز فانون، وعلي شريعتي، ونصر حامد أبو زيد، الذي خلق لديه حالة من الاستفزاز الفكري للبحث والاطلاع.

وعلى خلاف حامد، يقول الشاب ياسر هارون، إن الأدب كان نافذته للدخول إلى الوعي السياسي، حيث كانت البداية مع روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعي. ويضيف أن الطيب صالح فتح أمامه نافذة وشكل لبنة أولى للوعي، ومنه انطلق إلى عالم المفكر الشهيد محمود محمد طه وكتابات الإخوان الجمهوريين، ومؤلفات د. منصور خالد، ود. حيدر إبراهيم علي، عالم الاجتماع، الذي ساعده كثيراً على تشكيل فكره النقدي، من خلال مناقشاته وأطروحاته النقدية التي يبذلها كعالم اجتماع.

ويضيف هارون أن مؤلفات د. فرانسيس دينق حول مشكلة الهوية وصراع الثقافات في السودان لا سيما قضية الجنوب مع كتابات لام أكول، والاثنان هؤلاء قاداه إلى الانفتاح على الآخر المختلف عرقياً ودينياً وثقافياً، وقال: "المعرفة رغبة جامحة لا تنتهي".

من جانبه، يقول مصطفى بانقا (عضو حركة الطلاب الاتحاديين)، إنه استفاد كثيراً رغم الشمولية والديكتاتورية التي نشأ تحت مظلتها، من كتب الرعيل الأول من الاتحاديين الأوائل أمثال يحيى الفضلي، ومبارك زروق، وإسماعيل الأزهري، وبقية النخب الذين شاركوا في الديمقراطية الأولى ومعركة نيل الاستقلال، بجانب مذكرات الشريف حسين الهندي، وكتاب تاريخ الحركة الاتحادية ومذكرات خضر حمد.

وتابع قوله إنهم في فترة الدراسة بالجامعة تأثروا بأفكار علي محمود حسنين والقيادات الاتحادية الشبابية، وائل عمر عابدين، وأيمن خالد، تحت مظلة تنظيم "رابطة الطلاب الاتحاديين".

وعلى مستوى آخر، يقول الشاب أحمد سعيد إنه نشأ في ظل ظروف لم يكن متوفراً فيها الكثير من العناوين السودانية، لذا اتجه نحو ترجمات الدور المصرية واللبنانية، ولذلك فهو يدين بالمعرفة وتشكيل الوعي السياسي إلى مجموعة من الكتب، بعضها غير فكري بصورة مباشرة، كـ"شهداء التعصب"، لميشيل زيفاغو، وكتب ما قبل الثورة البلشفية، "الجريمة والعقاب"، و"الأبله" لديستويفسكي، و"الديمقراطية في الميزان" لمحمد أحمد المحجوب، وكتب المسرح، كمسرحية "المنافق" لموليير، وكتاب "شكسبير فرنسا"، وشعر ت. س. إليوت، وإدغار آلن بو.

ويردف قائلاً: إن القرآن شكل أكبر دافع لي في القراءات المرتبطة بالتسامح وعدم الظلم، جنباً إلى جنب مع كتب الغزالي، وجان بول سارتر، وهيدغر، ورأس المال لكارل ماركس. ويوضح أن التنوع في المحتوى قاده إلى معرفة أن الحقيقة نسبية وتعتمد على الظروف المحيطة، وأن الإنسان موجود بالآخر وأن السعادة والفضيلة والحق تكمن بقدر مراعاتك للآخر، والسبب الرئيس في هذه النتيجة القراءة والاطلاع على أفكار الآخر.

المساهمون