هل أصبح رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، بلا غطاء سياسي بعدما دعاه رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، في حواره التلفزيوني الأخير، للتعهّد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2019؟ سؤال يبدو غريباً بعد عام من تكليفه تشكيل الحكومة (في 3 أغسطس/ آب 2016)، إلا أن دعوة رئيس "النهضة" قد تكون نظرياً مجرد رأي حزب من بين الأحزاب التي تشكّل المشهد السياسي في تونس. ولكن الحقيقة أن هذا الموقف هو أيضاً موقف حزب "نداء تونس"، حزب الشاهد نفسه، وهو بالخصوص موقف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي لا يزال يمسك بكل خيوط اللعبة بيديه، والذي فضّل الصمت حتى الآن، ما اعتبره كثيرون موافقة على رأي الغنوشي، على الرغم من أن بعض القيادات في "نداء تونس" عبّرت عن مفاجأتها من الموقف وقررت الاجتماع للتباحث فيه، ولكن انتقادات "النداء" وتحذيراته للشاهد معلومة من الجميع ومنذ فترة طويلة جداً. ويتفق كثيرون على أن هذا الموقف قد تم التداول فيه بين الشيخين (السبسي والغنوشي) والاتفاق على كل خطواته ومخططاته البديلة، ما دفع البعض إلى اعتبار أن الغنوشي قد تحدث أيضاً نيابة عن السبسي في حواره التلفزيوني.
مبدئياً يمكن القول إن أيام الشاهد أصبحت معدودة على رأس الحكومة، فقد خيّره الغنوشي صراحة بين البقاء على رأسها مع التعهّد بعدم الترشح لانتخابات 2019 وتأجيل طموحاته السياسية، أو مغادرتها حالاً، على الرغم من أنه لم يحدد موعداً لذلك. ولكن مبادرة الحوار الاقتصادي - الاجتماعي التي دعا إليها الغنوشي والسبسي الابن في اليوم نفسه، تقود إلى الاعتقاد بأن الخطة البديلة جاهزة وأنه على الشاهد أن يحسم أمره بسرعة.
ويشكّل الشاهد عقبة حقيقية لكثيرين، فهو أولاً شاب سياسي في مقتبل العمر، ويحظى بشعبية كبيرة، ارتفعت أسهمها بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة، ما قد يكون مصدر قلق للبعض ودافعاً لاستبعاده. لكن خطوة الغنوشي والسبسي محفوفة بالمخاطر أيضاً، فهما يواجهان شخصية بدأت تخلق نوعاً من الثقة مع التونسيين، وقد يؤدي استبعاده إلى تأزيم العلاقة مع جزء من الناخبين، بالإضافة إلى الحملة الواسعة التي تشنّها المعارضة وإن كانت لحساباتها الخاصة وليس انتصاراً للشاهد.
ويملك الشاهد ورقة مهمة أخرى، هي ورقة الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد خرج أحد أعمدته الهامة، الأمين العام المساعد سامي الطاهري، ليؤكد أن دعوة الغنوشي للشاهد بعدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية عام 2019 "ليس لها أي أسس قانونية أو سياسية، وتخرج عن اتفاق وثيقة قرطاج". واعتبر الطاهري في تصريحات صحافية، أن هذه الدعوة محاولة فعلية لإرباك الحكومة وتحضير لانقلاب ناعم في المستقبل وضغط على الحكومة، مشيراً إلى أنه لا ضرورة لدعوة الغنوشي إلى حوار وطني اجتماعي للخروج من الأزمة الاقتصادية في ظل مأسسة الحوار الاجتماعي بمقتضى القانون.
ودعا الطاهري الائتلاف الحاكم، بناء على ذلك، للإعلان عن انتهاء وثيقة قرطاج علناً، محذراً من أنّ البلاد لا تتحمّل أزمة سياسية جديدة، نظراً إلى أن دعوة الغنوشي وتصريحاته تعكس رغبة في إعادة ترتيب الأوراق والدخول في تجاذبات سياسية، بحسب تقديره.
يبدو ذلك صعباً، لأن الشاهد ليس ابن المدرسة النقابية ولكنه يمكن أن يكون مرشحاً جدياً للاستحقاق المقبل الذي ينتظره الجميع، ويمكن أن يكون نسخة تونسية لمسار الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، إذا وجد دعماً دولياً فعلياً ومدّاً شعبياً متواصلاً. لكن الحسابات التي يمكن أن تخلط أوراق الغنوشي والسبسي معاً، هي قبول الشاهد بالقرار ومواصلة عمله على رأس الحكومة، والتوصل إلى توافق يبقيه في منصبه لما بعد 2019، ولكن الطريق لذلك طويل وقد يتضمن مفاجآت لم يحسبها أحد. يشار إلى أن إزاحة الشاهد دستورياً لن تكون بالسهولة التي يتوقّعها البعض، فقد تواصلت عملية إقالة رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، أشهراً وسبّبت مشاكل للائتلاف الحاكم، وحصد الصيد تعاطفاً شعبياً وحتى سياسياً واسعاً، فكيف سيكون الحال مع الشاهد الذي وضعته استطلاعات الآراء في مراكز متقدّمة.