الشاهد بين فخّ المحاصصة وتجديد تشكيلة الحكومة التونسية

13 اغسطس 2016
يدير الشاهد المشاورات بعيداً عن الإعلام (العربي الجديد)
+ الخط -
انطلقت، أمس الجمعة، المرحلة الثانية من المشاورات في ما يخصّ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في تونس، بحضور الأحزاب السياسية. وتكشف مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن أن رئيس الوزراء التونسي المكلّف، يوسف الشاهد، يحاول تقليص ضغوط الأحزاب السياسية على المشاورات التي يديرها لتشكيل حكومته الجديدة قبل نهاية هذا الأسبوع، لعرضها بداية الأسبوع المقبل. وقد يحصل ذلك إذا توصل الشاهد فعلاً إلى تحقيق المعادلة الصعبة التي أعلن عنها حول التوفيق بين النجاعة والمردودية من ناحية، وأن تكون حكومة سياسية وقوية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى ضمها لعدد من الوجوه الجديدة والشابة والنسوية، وفقاً للمصادر.

وبحسب هذه المصادر، فإن الشاهد لم يفلح في الهروب من حدة المحاصصة التي أعلن عنها خلال تكليفه، وتؤكد أنه يخضع لضغوط كبيرة من أحزاب الائتلاف تحديداً، إذ طالبت حركة النهضة بأن تكون ممثلة كحزب نداء تونس. فيما أعلن حزب آفاق تونس عن عدم مشاركة رئيسه ياسين إبراهيم، وعن إمكانية الانسحاب من الحكومة، إذ سبق لرئيسة الكتلة، ريم محجوب، أن أكدت لـ"العربي الجديد"، أنه "من الوارد جداً أن ينسحب الحزب بجميع قياديه من حكومة يوسف الشاهد في حال لم تتضح رؤية وبرنامج عملها من جهة، وإذا ما أفرزت المشاورات تركيبة لا تستجيب ولا تترجم حجم التوازنات السياسية لمجلس نواب الشعب ولنتائج الانتخابات التشريعية".

وتوضح المصادر ذاتها أن حزب نداء تونس يشهد في الآونة الأخيرة مشاحنات بين أعضاء هيئته التأسيسية في ما يخص اختيار الأعضاء للحكومة، إذ يشتد التنافس حول الحقائب، خصوصاً بعدما سرّب الشاهد لزوّاره معلومات عن نيته التقليص في عدد الوزارات إلى عشرين، وإمكانية ضم بعض الوزارات إلى أخرى، مثل السياحة للنقل، والبيئة للتنمية الفلاحية، بهدف تقليص عدد الوزراء، والعودة إلى خطة كاتب الدولة (معاون الوزير).

وشهد آخر اجتماع للهيئة التأسيسية لحزب نداء تونس خلافات واضحة بين القيادي نبيل القروي والمدير التنفيذي للحزب، حافظ قائد السبسي، بسبب تشكيل الأخير للوفد المفاوض للشاهد. وبحسب مصادر من الاجتماع، فإن القروي توجه بلوم شديد إلى الحاضرين لسلبية موقفهم من هذا الأمر، ما تسبب في ردود فعل كبيرة، أضيف إليها احتجاج شباب من الحزب اقتحموا مكان الاجتماع، بعد انتحار أحد زملائهم، ما تسبب في إنهاء الاجتماع.

ويبدو أن نية الشاهد في تقليص عدد الوزارات سيقود بالضرورة إلى تقليص عدد وزراء "نداء تونس"، وإدخال وجوه جديدة، وهو ما أحدث تململاً في الكتلة، إذ تسربت معلومات تفيد بأن الشاهد وناصحيه يميلون إلى عدم تكليف أي نائب من البرلمان بحقيبة وزارية، وهو ما أثار غضباً كبيراً في صفوف الكتلة.



وإذا صحّ هذا التوجه، وفقاً لمراقبين، فإن المنافسة ستكون شديدة بين وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي، ووزير التربية ناجي جلول، ووزيرة السياحة سلمى اللومي، ووزير المالية سليم شاكر، بالإضافة إلى وزيري الصحة والشؤون الاجتماعية المغادرين، ووزير النقل الذي لم يتبيّن بعد مصيره. وسيكون على الشاهد الإبقاء على اثنين أو ثلاثة وتعيين وزيرَين من الوجوه الجديدة، وهي مهمة في غاية الصعوبة، بحسب المراقبين.

وينوي الشاهد تطبيق الخيار ذاته على جميع الأحزاب، وهو ما قاد إلى التململ ذاته في صفوفها، باستثناء "النهضة" التي سترفع في مشاركتها، وحزب الاتحاد الوطني الحر الذي قد يضطر إلى تغيير بعض ممثليه. لكن "آفاق تونس" قد لا يوافق على هذا الأمر، وتقول مصادر لـ"العربي الجديد"، إن "ياسين إبراهيم قد يتخلى عن موقعه إذا عيّن على رأس البنك المركزي، لكن يبدو أن أعضاء حزبه خيّروه بين إدارة الحزب والوزارة". ويبدي "آفاق تونس"، منذ مدة، انزعاجه من إمكانية توسيع مشاركة "النهضة" في الحكومة، وعبّر عن هذا القلق في أكثر من مناسبة.

من جهتها، دعت "النهضة" إلى تحييد وزارات السيادة، وهو التوجه ذاته الذي دأبت عليه منذ مدة، ورشحت عدداً من الأسماء الجديدة والقديمة، من بينها الأمين العام للحركة، زياد العذاري، وكاتب الدولة للهجرة السابق، حسين الجزيري، وعدد من الوجوه العلمية والنسوية والشابة في البرلمان ومجلس الشورى. وتطالب الحركة بأن تكون مشاركتها في حجم مشاركة "النداء"، من دون أن يخلو الأمر من خلافات رافقت اجتماعات اللجنة التي كلفت بإدارة هذا الأمر مع المكتب التنفيذي.

وبالإضافة إلى كل هذه الضغوط، يتوجب على الشاهد إضافة أسماء من حزبَي المبادرة والجمهوري، ومن المستقلين، لإضفاء صبغة "الوطنية" على الحكومة، وإسقاط اتهامات المعارضة بأن هذه الحكومة ليست إلا استمراراً للتحالف القديم ذاته. وفيما تسرب بعض المصادر أن معظم المشاورات تُدار من القصر الرئاسي، أو بعلمه على الأقل، تؤكد أخرى أن الشاهد يدير المشاورات بنفسه، وبعيداً عن أعين الصحافة التي تنتظره في قصر الضيافة، بينما تسير كل اللقاءات مع الأحزاب والشخصيات بعيداً عن المكان الذي لا يضم إلا بعض الاجتماعات الرسمية.