في الوقت الذي تشهد فيه صناعة المسلسلات وعالم التلفزيون في مصر، ازدهاراً نسبيّاً يسمح بوجود تجارب قوية وأعمال ذات قيمة وإتاحة الفرصة لمخرجين كبار من أجيال مختلفة أن يعبروا عن رؤاهم الفنية، فإن صناعة السينما في المقابل عانت في عام 2017 من الدوران داخل إطار محدود جداً، يميل لعدم المخاطرة بأي شكل والإنتاج ضمن مساحة مضمونة النجاح، لتكون النتيجة هي انخفاض شديد في المستوى الفني للأفلام المنتجة. وعلى الرغم من تجاوز إنتاجات السينما المصرية لـ30 فيلماً خلال العام، إلا أنه من الصعب تذكر 3 أفلام جيدة يمكن وصفها بالـ"أفضل": ولكن، من الممكن في المقابل، التقاط بعض الظواهر التي تعبر عن الصناعة والجمهور في 2017.
بسبب الأزمات الاقتصادية العنيفة التي حصلت في نهاية عام 2016، وكانت ذروتها تعويم الجنيه المصري ووصول سعر الدولار لـ18 جنيهاً بدلاً من 8 أو 9 جنيهات، شهدت ميزانيات وإيرادات الأفلام حالة واضحة من التضخم الذي لا يعبر عن مجرى أو وضع الصناعة. فتدهور العملة أدى لارتفاع كلفة إنتاج كل فيلم إلى ما يقارب الضعف. وهو ما يفسر عدم الرغبة في المخاطرة، ويفسر كذلك ارتفاع أسعار تذاكر السينما والإيرادات الإجمالية في النهاية. لنرى في عام 2017 فيلمين يتجاوزان حاجز الـ50 مليون جنيه في شباك التذاكر، ويصبحان "الأعلى إيراداً في تاريخ السينما المصرية": وهو لا يعبر أبداً عن عدد المشاهدين أو جماهيرية الأفلام، بقدر ما يؤكد على الأزمة الاقتصادية العامة، وتحوّلات السوق السينمائي.
وبعد سنوات طويلة من سيطرة الأفلام الكوميدية على السينما المصرية، لدرجة كان يكفي معها أن يكون الممثل كوميدياً ليصبح نجماً، شهدت السنوات الأخيرة تغيرات ملحوظة في ذائقة الجمهور وما يجذبه، وتغير فرسان الرهان واحتمالات النجاح. وفي العام الحالي كانت أفلام الحركة المبهرة ونجوم "الأكشن" هم متصدرو قمة الإيرادات؛ فـ"هروب اضطراري" لأحمد السقا، و"الخلية" لأحمد عز، جاءا على رأس القائمة في 2017، ومن ورائهما هناك أيضاً "جواب اعتقال" لمحمد رمضان. وحتى التجارب الإنتاجية الصغيرة التي سعت لتحقيق مفاجأة جماهيرية في شباك التذاكر، كان رهانها الأول هو صنع "أكشن" مُشوّق بنجوم الصف الثاني، ومن بينها "عمر الأزرق" من بطولة نضال الشافعي، و"هروب مفاجئ" لأشرف مصيلحي، و"الفندق" لمحمد نجاتي، و"كارت ميموري" لخالد سليم.
وعلى الرغم من انخفاض عدد الأفلام الكوميدية المنتجة خلال العام قياساً بالعقدين الماضيين، والخفوت الشديد في نجومية الكوميديانات الذين تصدروا السينما لسنوات، مثل محمد هنيدي الذي فشل فيلمه "عنتر ابن ابن شداد"، أو محمد سعد الذي اتجه لفيلم درامي وحركي مثل "الكنز"، أو غياب أحمد حلمي وأحمد مكي وغيرهما عن السينما، إلا أن هناك عدة أفلام كوميدية جيدة وذات مستوى سينمائي قوي ظهرت خلال العام الحالي، على رأسها فيلما "بنك الحظ" و"بشتري راجل"، ويجمعهما أن البطل الرئيسي فيهما هو ممثل غير كوميدي في الأصل هو محمد ممدوح. ولكن ذكاء الكتابة ووجود مخرجين موهوبين مثل أحمد الجندي ومحمد علي وراء الكاميرا، خلقا تجربتين مضحكتين وذكيتين للغاية. كذلك نجوم الكوميديا الجدد الذين خرجوا من مسرح مصر قدموا فيلمين مقبولين رغم عيوبهما، وهما "خير وبركة" من بطولة علي ربيع ومحمد عبد الرحمن، و"عندما يغرق الإنسان في مستنقع أفكاره" لمحمد سلام وأحمد فتحي.
هناك بعض المخرجين في تاريخ السينما المصرية لديهم رصيد وثقة عمياء من قِبل المنتجين، على رأسهم من الجيل الأسبق شريف عرفة، الذي حقق نجاحات متتالية لمدة 20 عاماً وحقق طفرة مبكرة في بداية الألفية في صناعة أفلام الحركة. ومن الجيل الجديد يأتي مروان حامد، الذي أخرج 3 أفلام سابقة بميزانيات ضخمة للغاية، سواء في "عمارة يعقوبيان" أو "إبراهيم الأبيض" أو "الفيل الأبيض". ونظراً لتلك الثقة وجد المخرجون دعماً إنتاجياً ضخماً لتقديم فيلمين ذوَي صبغة ملحمية في 2017، وهما "الكنز" لعرفة و"الأصليين" لحامد، ولكن المشكلة أن الكلفة الضخمة لم تنتج أبداً مُنتجَاً سينمائياً متماسكاً، فغرق الفيلمان في محاولة التفلسف والترميز والفجوات الدرامية. والأسوأ ربما، أن مردودهما التجاري جاء ضعيفاً قياساً على حجم الإنتاج، ما يغلق على الأغلب باب تلك التجارب مستقبلاً.
اقــرأ أيضاً
بسبب الأزمات الاقتصادية العنيفة التي حصلت في نهاية عام 2016، وكانت ذروتها تعويم الجنيه المصري ووصول سعر الدولار لـ18 جنيهاً بدلاً من 8 أو 9 جنيهات، شهدت ميزانيات وإيرادات الأفلام حالة واضحة من التضخم الذي لا يعبر عن مجرى أو وضع الصناعة. فتدهور العملة أدى لارتفاع كلفة إنتاج كل فيلم إلى ما يقارب الضعف. وهو ما يفسر عدم الرغبة في المخاطرة، ويفسر كذلك ارتفاع أسعار تذاكر السينما والإيرادات الإجمالية في النهاية. لنرى في عام 2017 فيلمين يتجاوزان حاجز الـ50 مليون جنيه في شباك التذاكر، ويصبحان "الأعلى إيراداً في تاريخ السينما المصرية": وهو لا يعبر أبداً عن عدد المشاهدين أو جماهيرية الأفلام، بقدر ما يؤكد على الأزمة الاقتصادية العامة، وتحوّلات السوق السينمائي.
وبعد سنوات طويلة من سيطرة الأفلام الكوميدية على السينما المصرية، لدرجة كان يكفي معها أن يكون الممثل كوميدياً ليصبح نجماً، شهدت السنوات الأخيرة تغيرات ملحوظة في ذائقة الجمهور وما يجذبه، وتغير فرسان الرهان واحتمالات النجاح. وفي العام الحالي كانت أفلام الحركة المبهرة ونجوم "الأكشن" هم متصدرو قمة الإيرادات؛ فـ"هروب اضطراري" لأحمد السقا، و"الخلية" لأحمد عز، جاءا على رأس القائمة في 2017، ومن ورائهما هناك أيضاً "جواب اعتقال" لمحمد رمضان. وحتى التجارب الإنتاجية الصغيرة التي سعت لتحقيق مفاجأة جماهيرية في شباك التذاكر، كان رهانها الأول هو صنع "أكشن" مُشوّق بنجوم الصف الثاني، ومن بينها "عمر الأزرق" من بطولة نضال الشافعي، و"هروب مفاجئ" لأشرف مصيلحي، و"الفندق" لمحمد نجاتي، و"كارت ميموري" لخالد سليم.
وعلى الرغم من انخفاض عدد الأفلام الكوميدية المنتجة خلال العام قياساً بالعقدين الماضيين، والخفوت الشديد في نجومية الكوميديانات الذين تصدروا السينما لسنوات، مثل محمد هنيدي الذي فشل فيلمه "عنتر ابن ابن شداد"، أو محمد سعد الذي اتجه لفيلم درامي وحركي مثل "الكنز"، أو غياب أحمد حلمي وأحمد مكي وغيرهما عن السينما، إلا أن هناك عدة أفلام كوميدية جيدة وذات مستوى سينمائي قوي ظهرت خلال العام الحالي، على رأسها فيلما "بنك الحظ" و"بشتري راجل"، ويجمعهما أن البطل الرئيسي فيهما هو ممثل غير كوميدي في الأصل هو محمد ممدوح. ولكن ذكاء الكتابة ووجود مخرجين موهوبين مثل أحمد الجندي ومحمد علي وراء الكاميرا، خلقا تجربتين مضحكتين وذكيتين للغاية. كذلك نجوم الكوميديا الجدد الذين خرجوا من مسرح مصر قدموا فيلمين مقبولين رغم عيوبهما، وهما "خير وبركة" من بطولة علي ربيع ومحمد عبد الرحمن، و"عندما يغرق الإنسان في مستنقع أفكاره" لمحمد سلام وأحمد فتحي.
هناك بعض المخرجين في تاريخ السينما المصرية لديهم رصيد وثقة عمياء من قِبل المنتجين، على رأسهم من الجيل الأسبق شريف عرفة، الذي حقق نجاحات متتالية لمدة 20 عاماً وحقق طفرة مبكرة في بداية الألفية في صناعة أفلام الحركة. ومن الجيل الجديد يأتي مروان حامد، الذي أخرج 3 أفلام سابقة بميزانيات ضخمة للغاية، سواء في "عمارة يعقوبيان" أو "إبراهيم الأبيض" أو "الفيل الأبيض". ونظراً لتلك الثقة وجد المخرجون دعماً إنتاجياً ضخماً لتقديم فيلمين ذوَي صبغة ملحمية في 2017، وهما "الكنز" لعرفة و"الأصليين" لحامد، ولكن المشكلة أن الكلفة الضخمة لم تنتج أبداً مُنتجَاً سينمائياً متماسكاً، فغرق الفيلمان في محاولة التفلسف والترميز والفجوات الدرامية. والأسوأ ربما، أن مردودهما التجاري جاء ضعيفاً قياساً على حجم الإنتاج، ما يغلق على الأغلب باب تلك التجارب مستقبلاً.