شهدت السينما الجزائرية خلال المدة الأخيرة، عودةً ملحوظةً لـ "الفيلم الثوري" أو فيلم الثورة الجزائرية، بعد أن عرف سنوات طويلةً من الركود جرّاء تراجع الحكومة عن تمويل السينما، وحلّ مؤسسات الإنتاج السينمائي التابعة للدولة.
وقد بعثت هذه المؤسسات رسمياً خلال الستينيات بعد تأميم المؤسسات الخاصة من قبل نظام الرئيس أحمد بن بلة، وواصل خليفته هواري بومدين اعتبار الإنتاج السينمائي "قضيةً رسميةً". وكان الفيلم الثوري الجزائري قد بلغ رواجاً كبيراً بعد نجاح فيلم "معركة الجزائر" (1966) للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو.
وفي السبعينيات، وفّرت الدولة إمكانيات ضخمة للسينمائيين من أجل تمجيد حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي (1954 - 1962)، فأُنتجت أفلام ثورية ناجحة، مثل فيلم "الأفيون والعصا" (1970)، لأحمد راشدي، المقتبس عن رواية مولود معمري، وفيلم "دورية نحو الشرق" (1971) لعمار العسكري، وغيرها من الأفلام التي تناولت الثورة الجزائرية من زاوية التقديس والتعظيم، والتماهي مع الخطاب الرسمي.
بعد فراغ يناهز العشرين عاماً، عرفت السنوات الأخيرة عودةً لهذا النوع من الأفلام بفعل ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة، وتخصيص صندوق خاص بدعم الإنتاج السينمائي (فداتيك) رصيده عشرين مليون دولار سنوياً، إضافةً إلى تخصيص جزء كبير من ميزانية الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال لتصوير أفلام سينمائية ثورية.
ومن بين الأفلام التي أنتجتها مؤخراً مؤسسات سينمائية خاصة بهدف سدّ فراغ العقدين الأخيرين، نجد فيلماً حول نضال القائد الثوري مصطفى بن بولعيد، للمخرج أحمد راشدي. وقد ساير الفيلم، رغم ضعفه من ناحية تقنيات الإخراج، التوجه العام السائد في الجزائر منذ سنوات، والذي أصبح يفضّل القراءة المغايرة التي تتناول مظاهر "مسكوتاً عنها" في الثورة، على غرار الصراع والخلاف بين قادة الثورة في الجبال، وعدم توافق رؤاهم وتصوّراتهم، ولجوئهم في بعض الأحيان إلى القوة لحلّ نزاعاتهم.
واستمر راشدي، رغم اعتماده على تمويل وزارتي المجاهدين والثقافة، في تقديم تصوّر مغاير لتاريخ الثورة، في فيلمه الثاني هذا العام حول شخصية كريم بلقاسم، وهو أحد قادة حرب التحرير إلى جانب مصطفى بن بولعيد، وعضو مجموعة الستة التي فجرت الثورة.
كما توقف راشدي لأول مرة عند اغتيال المناضل السياسي عبان رمضان، الذي عُرف بصراعه الدائم مع القادة العسكريين داخل جبهة التحرير الوطني، بسبب مسألة القيادة، ودور النخبة السياسية والمثقفة، وأولية السياسي على العسكري. لكنه أغفل الحديث عن الجهة التي اتخذت قرار اغتياله في تطوان في المغرب يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 1957.
اعتبُر تجنُّب هذا الموضوع بمثابة نقص في جرأة الطرح. كما رفض راشدي التطرّق لظروف اغتيال كريم بلقاسم نفسه في فرانكفورت في تشرين الأول/ أكتوبر 1970، ضمن ظروف ما تزال مجهولةً إلى اليوم.
من جانب آخر، يشرع المنتج بشير درايس هذا الأسبوع في تصوير أحداث فيلم ثوري جديد حول "العربي بن مهيدي"، بميزانية قدّرت بأربعة ملايين يورو. وأسندت مهمة الإخراج للسينمائي الجزائري المقيم في فرنسا شاد شنوفة، بينما يجسّد دور بن مهيدي الممثل خالد بن عيسى.
ويعرف عن الشهيد العربي بن مهيدي، أنه أحد قادة مجموعة الستة. عيّن بعد قيام الثورة كقائد للمنطقة الخامسة (الغرب الجزائري)، وقد ساند عبان رمضان في صراعه ضد القادة العسكريين من منطلق إيمانه بأن النخبة السياسية هي من يسيّر الثورة، وليس القادة العسكريين.
ألقت السلطات الفرنسية القبض على بن مهيدي في فيفري 1957، وسلمته للعقيد بيجار الذي أبدى إعجاباً كبيراً بشخصيته، ودار بينهما حوار طويل حول الثورة، حسب ما ورد في مذكراته.
وقد ادّعت وسائل الإعلام الفرنسية حينها أن بن مهيدي انتحر في زنزانته بسجن سركاجي في الجزائر العاصمة. غير أن الجنرال بول أوساريس كشف عام 2001 في مذكراته أنه أقدم شخصياً على شنق بن مهيدي. الأمر الذي أحدث توتراً في العلاقات الجزائرية الفرنسية، فظهرت أصوات تدعو إلى إجبار فرنسا على تقديم اعتذاراتها للشعب الجزائري.
كما ينتظر المخرج أحمد راشدي الضوء الأخضر من وزارة المجاهدين للشروع في تصوير فيلم حول شخصية "العقيد لطفي" الذي سقط شهيداً في معركة غير متكافئة مع الجيش الفرنسي في جبل بشار (الجنوب الغربي) يوم 27 آذار/ مارس 1957.
لكن، يبقى أن عرض الأفلام على الجمهور يظلّ مرهوناً بواقع قاعات السينما التي أغلقت خلال سنوات الإرهاب. ففي مدينة مثل الجزائر العاصمة تراجع عدد القاعات من خمسين قاعة آنذاك إلى ست قاعات فقط اليوم.