السينما الإيطالية: الهلع كاتباً ومنتجاً ومخرجاً

31 مارس 2020
أنشأت الحكومة الإيطالية "صندوق الطوارئ للترفيه (Getty)
+ الخط -
تؤكّد تقارير صحافية أجنبية مختلفة حجم الكارثة الاقتصادية التي تُعانيها صناعة السينما في العالم، بسبب تفشّي فيروس كورونا: إغلاق الصالات السينمائية؛ وتأجيل إطلاق العروض التجارية لأفلامٍ جديدة؛ وإلغاء عمليات تصوير أفلام أو تأجيلها إلى وقتٍ لاحق؛ وإلغاء مهرجانات، وعرض أفلام بعض دوراتها لعام 2020 افتراضياً؛ والاستعانة بمنصّات ووسائل مختلفة لعرض أفلامٍ جديدة، كما يفعل مخرجون ومنتجون ببثّهم أفلامهم عبر تقنيات حديثة، لتأمين المُشاهدة لأناسٍ معزولين قسراً في منازلهم. 

تتناول التقارير آثار الكارثة الاقتصادية الاجتماعية، وأساليب التواصل السينمائي مع الناس المعزولين. بعضها يتعلّق بالوضع السينمائيّ في إيطاليا حالياً، البلد الأوروبي الأكثر تعرّضاً للفيروس، إصاباتٍ وحالات وفاة، والأكثر خضوعاً لعزلٍ إجباري، جغرافيّ وبشري.
فبحسب الصحافي الإيطالي أوليفييه نوسّيري، "تعيش السينما الإيطالية أسوأ عامٍ"، و"الصناعة الثقافية الإيطالية تترنّح تحت تأثير فيروس كورونا، فالمسارح والمتاحف وصالات السينما كلّها أغلقت أبوابها بسبب الحجر الصحي المفروض على البلد برمّته". في 12 مارس/آذار 2020، كتب نوسّيري أنّ الإيرادات، قبل تنفيذ هذا القرار "شديد القسوة"، شهدت تراجعاً بنسبة 89.95 بالمائة في الأسبوع الأول من مارس/آذار 2020، قياساً إلى الفترة نفسها في العام الماضي.

تُشير الوقائع إلى إلغاء تصوير مَشاهد من الحلقة الـ7 من "مهمة: مستحيلة" لكريستوفر ماك كاري (تمثيل توم كروز) في فينيسيا وروما، ما دفع بـ"باراماونت" إلى البحث عن أمكنةٍ أخرى، قبل تأجيل الشركة الهوليوودية التصوير كلّه. المنصّة الأميركية "نتفليكس" أجّلت تصوير السلسلة التلفزيونية Zero، وألغت إنتاج فيلم Notice، الذي كان استثماراً مالياً في إيطاليا بقيمة 50 مليون يورو، بالإضافة إلى تأمينه 400 وظيفة. "شوتايم" وHBO و"ديزني" و"أمازون" أجّلت بحثها عن مواقع تصوير مشاريعها الجديدة في البلد، و"سي بي سي" ألغت تصوير سلسلة تلفزيونية عن سارقي سوق الفن، المُقرّر سابقاً في فلورنسا. "بينوكيو" للإيطالي ماتّيو غارّوني تأجَّل عرضه التجاري، "بتحفّظ"، إلى الأول من يوليو/تموز 2020.

في تعليقه على الوضع المأساوي، قال فرانشيسكو روتيلّي، أحد المطّلعين على الشأن السينمائي الإيطالي، في تصاريح صحافية مختلفة، إنّ ما يجري حالياً "كارثة تضرب القطاع السينمائي الإيطالي كلّه، الذي كان يعيش لحظات نعمة (قبل تفشّي "كورونا")". من جهته، وجّه إنّوتشينسو تشيبّوليتا، رئيس Confindustria Cultura، رسالة إلى رئيس المجلس النيابي ووزراء الاقتصاد والثقافة والتنمية الاقتصادية في إيطاليا، مُطالباً إياهم "وضع خطّة استثنائية"، لأنّ "تأثيرات تفشّي فيروس كورونا على الشركات والعمّال في القطاع مُقلِقة"، ولأنّ هناك "تراجعاً كبيراً (أشبه بالسقوط المدوّي) لمبيعات الإنتاجات الثقافية"، بسبب إلغاء المهرجانات، وإغلاق الصالات السينمائية، وتعليق الإنتاجات السمعية البصرية الوطنية والدولية، وتجميد المشاريع المبرمجة سابقاً: "هذا سبّب أضراراً اقتصادية هائلة في البلد، وأربَكَ الاستثمارات وتطوير الصناعة السينمائية هذا العام، وربما أيضاً في أعوام لاحقة". كما أنّ "الوضع المأسوي الحالي سيُنتج أزمة سيولة للشركات المعنيّة".

بحسب التقارير، عطّل تفشّي فيروس كورونا في إيطاليا أعمال فرقٍ سينمائية: "هناك أكثر من ألف موظّف باتوا غير مُحصّنين من الصدمات الاجتماعية حالياً"، والدولة كانت تُقدّم ضمانات اجتماعية لهم. شركات التأمين "لا تغطّي مخاطر الفيروس"، وإصابة أحد أعضاء الفريق به "يضع الأعضاء الآخرين في الفريق نفسه في الحجر الصحي لمدّة أسبوعين". هذه مخاطرة لا تريد شركات الإنتاج التعرّض لها.

في 28 مارس/آذار الجاري، كتبت الصحافية الإيطالية فاليري موشِّي مقالة بعنوان "السينما في زمن كورونا" (مطبوعة "إيطاليا في باريس")، جاء فيها أنّ الفيروس أوقف أكثر من 70 عملية تصوير في إيطاليا، بينها جديد الإيطالي كارلو فيردوني، Si Vive Una Volta Sola: "مهنة متكاملة باتت عاطلة عن العمل في مرحلة الاحتواء التي يفرضها تفشّي كورونا في العالم، من دون تحديد مدّة تلك المرحلة".
لهذا، أنشأت الحكومة الإيطالية "صندوق الطوارئ للترفيه ـ السينما والمرئيات"، وأعلن وزير الثقافة الإيطالي، آ. فرانشيسكيني (16 مارس/آذار 2020) تخصيص 130 مليون يورو لـ"دعم العاملين في السينما والمسرح، المتأثّرين سلباً بالتدابير المعتَمَدة في ظلّ تفشّي الفيروس، عام 2020". أما الدولة الفرنسية، فوضعت 22 مليون يورو (كدفعة أولى، بحسب مصادر مختلفة) بتصرّف وزير الثقافة أف. ريستِر، "وهذا رقم ضعيف إزاء المبلغ الإيطالي". لكنّ الدولة الفرنسية "تدعم القطاع بأنظمة مساعدة أخرى، كتدابير لدعم الأعمال".

وذكرت موشِّي أنّ وزارة الثقافة الإيطالية تُخطِّط لحملة "إنعاش صورة إيطاليا في العالم"، مُشيرة إلى أنّ المحطة التلفزيونية الإيطالية Rai تبثّ برامج تعليمية، وتقوم بحملة منضوية في هاشتاغ #TuttiACasaConRaiMovie، لعرض أفلامٍ عدّة مجّاناً على موقعها الإلكتروني، ومنصّاتها ووسائطها الاجتماعية "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام".

كما قرّرت المحطة إطلاق مشروع "الفيلم التشاركي"، عبر "راي سينما"، فانضمّت إلى Indiana Production pour Viaggio in Italia، لإنجاز فيلمٍ وثائقي بإشراف غابريالي سالفاتوريس، ترتكز فكرته على الطلب من مستخدمي "إنترنت" إرسال أشرطة فيديو خاصّة بهم، تُصوَّر بدقّة في منازلهم، وتتناول أوضاعهم وتأمّلاتهم وأحاسيسهم أثناء الأزمة. وعند الحصول عليها، "يتمّ توليفها وتحويلها إلى شهادة وذاكرة عن هذه اللحظة التاريخية والدراماتيكية التي يمرّ بها البلد والعالم".

من جهتها، بدأت Fondazione Cinema per Roma بثّ برنامج شهادات بعنوان "قبل الفيروس وبعده: السينما الإيطالية تتحدّث"، على موقعها الإلكتروني: كلّ يوم، يُلقي أحد العاملين في صناعة السينما الإيطالية شهادته، وأوّلهم كارلو فيردوني: "أعتقد أن الجمهور ونحن نحتاج إلى أعمالٍ كثيرة، تكون خفيفة وهادئة". لذا، "يجب كتابة قصصٍ تتناول مواضيع مُسلّية ومرحة".

مشكلة أخرى تعانيها السينما في إيطاليا: للحصول على مساعدات من وزارات مختلفة، يجب أنْ تُعرض الأفلام في الصالات. لكنّ هذه الأخيرة مقفلة، وبرامج التوزيع والعروض مرتبكة. لذا، يريد منتجون عرض أفلامهم عبر منصّات مختلفة، لكنّ العائق قانونيّ، فتمنّوا على وزير الثقافة إصدار قرار يُتيح التنازل عن حقوق العروض التجارية، ما يسمح بعرض إنتاجاتهم عبر VOD (الفيديو عبر الطلب): "هذا يحتاج إلى موافقة ممثلي القطاع، فالبعض قلقٌ من استغلال الجمهور هذه العادة السيئة، فيتخلّى عن الصالات"، كما ذكرت موشِّي، التي رأت أنّ عروض VOD تتوسّع في هذه اللحظة، ما يعرّض للخطر مشغّلي الصالات المستقلّة والموزّعين.
الأزمة تتفاقم، وإيطاليا تعاني كثيراً جرّاء تفشّي الفيروس فيها، وصناعة السينما معطّلة. لذا، يستعين كثيرون بوسائل التواصل الاجتماعي ومنصّات VOD والمواقع المتخصّصة (MYmovies) وأقنية التلفزيون والمكتبات السينمائية والمهرجانات: "يقترح الجميع أفلاماً"، لكن البعض يُذكّر بأشرطة "دي في دي" أيضاً، لأنّ شبكة "إنترنت" تتعرّض لضغوطٍ كبيرة، لكثرة الاشتغالات المختلفة عليها. كما أنّ الاتحاد الأوروبي طلب "المساعدة" من المنصّة الأميركية "نتفليكس"، باقتراحه عليها تخفيف جودة البثّ، وإزالة HD لبعض الوقت، لتنشيط الاتصالات الموضوعة في استخدام "يتلاءم" مع حالة الاحتواء. 

أخيراً، هناك مبادرة Alice Nella Citta (قسم مستقلّ ومواز لـ"عيد السينما في روما"): "الصالات السينمائية مقفلة، لذا، فلتكن المباني مُضاءة، ولتتحوّل أبنية المدينة إلى شاشات ضخمة". فالفكرة الأساسية كامنةٌ في ضرورة البحث الدائم عن أفكارٍ، "تُخفِّف ثقل الحجر الصحي، الذي يبدو طويلاً".
المساهمون