السيسي ينقلب على رجال الأعمال... ويستعيد نظام مبارك إعلامياً

13 يوليو 2015
يُحاول السيسي فرض الصوت الواحد (Getty)
+ الخط -
تعيش الصحافة في مصر حالياً مناخاً من القمع على جميع الصعد. لغةٌ موحّدة على الشاشات وفي الصحف، قمع للمعارضين، سجن لعدد كبير من الصحافيين، وصولاً إلى فرض تشريعات تحدّ كثيرا من حرية الصحافة، وتُهدّد جميع الإعلاميين. وكان آخر فصول هذا القمع مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذي يُهدّد جميع المصريين كما يُهدد الصحافيين.

قانون الإرهاب

وتزامناً مع مرور 700 يوم على اعتقال المصور محمود أبو زيد، المعروف بـ"شوكان"، كانت قضيّة قانون الإرهاب تتفاعل في مصر، خاصةً مع رفض الوسط الصحافي المصري لما جاء في القانون من مواد مخالفة للدستور، وتفرض قيوداً على العمل الصحافي تصل إلى السجن. ومع تنديد عدد كبير من الجمعيات الحقوقيّة بمشروع القانون، وعلى رأسها نقابة الصحافيين التي رفضت المادة 33، بالإضافة إلى رؤساء تحرير الصحف المصرية الذين طالبوا بإلغاء المادة لا تعديلها، حاول رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، امتصاص غضب الجماعة الصحافية.

وتنص المادة (33) من الدستور المصري على التالي: "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أية عمليات إرهابية بما يخالف
البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك من دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن".

من جانبها، تقول أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة، منى عبدالوهاب، إنّ "الإعلام في أي دولة لا بد أن يتسم بالحرية والموضوعية في الأداء. ولكن حتى مع وجود أخطاء من قبل الإعلام لا يجب أن يتم تقييد حرية الوصول إلى المعلومات من مصادرها المختلفة". وتضيف في حديثها: "إنّ الأزمة في غياب المسؤولية لدى كل الأطراف، وفي ظل الوضع السياسي والاستقطاب والمصالح، تتوه المعايير المهنية والموضوعية في التناول الإعلامي".

وتشدد عبدالوهاب على أنه لا بد من تحديد ميثاق شرف إعلامي، مبديةً تعجبها من عدم إصدار هذا الميثاق، رغم المطالبة به عقب ثورة 25 يناير وحتى الآن. وتؤكد أنّ الإعلام في وقت الأزمات لا بدّ أن يكون له دور حيادي في التعامل مع الخلافات السياسية، وفي مواجهة الإرهاب يجب أن يكون له دور فعال في تعريف الرأي العام بأبعاد الأزمة. وترى عبدالوهاب أنه ليس هناك مبرر في تحجيم دور الإعلام.

وتلفت إلى أنه في عصر التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن إخفاء معلومات، ولا يمكن إخفاء شيء مهما كان، وبالتالي يجب التعامل مع الوضع بمنطق أفضل من فرض قيود على الصحف والإعلام. علماً أنّ قانون الإرهاب، يُعاقب بالسجن أيضاً المغردين ومستخدمي وسائل التواصل، في حال طرحهم وجهات نظر مختلفة.


اقرأ أيضاً: #قانون_الإرهاب_الجديد: هجم علينا 70 فقتلنا منهم 100

السيسي ورجال الأعمال

بيد أنّ تفاصيل الأزمة بين الإعلام والنظام الحالي، لا تقف عند هذه الانتهاكات، ولا عند مشروع قانون مكافحة الإرهاب، وإن كان أحد المؤشرات المهمة. فالرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، يُحاول فرض قبضة حديدية على الإعلام المصري الرسمي التابع للدولة، وهو أمر يسهل تحقيقه، أما الخاصّ فهنا تكمن المشكلة.

ويواجه السيسي في طريقه لفرض منظومة إعلامية محددة، وهي سياسة الصوت الواحد فقط كما كانت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، أزمات كبيرة، على رأسها أن وسائل الإعلام الخاصة مملوكة لرجال أعمال. والأسوأ بالنسبة للسيسي أنّ وسائل الإعلام مملوكة لرجال أعمال ليسوا على توافق معه، بل على العكس، يمارسون ضغوطًا عليه من هذا الباب، فتارة تتسارع وتزداد نبرة الهجوم عليه وعلى سياسات الحكومة، وتارة أخرى يخفت أي صوت للمعارضة.

ولا يمكن الجزم بوجود خلافات وحالة عداء كاملة بين السيسي ورجال الأعمال، ولكن الأمر يخضع إلى "لعبة المصلحة".
عقب ثورة 25 يناير، بدأ رجال ورموز نظام مبارك في العودة إلى العمل العام من خلال إنشاء قنوات فضائية وصحف خاصة، عبر وسطاء، دون ظهور أسمائهم في العلن، في محاولة
للالتفاف على الثورة.

ويرغب السيسي في فرض سيطرته على الإعلام، لكنّ أغلب الإعلاميين يعملون وفقًا لأجندة الوسيلة التي يعملون فيها، وبالتالي هناك ثمة قلق من جانبه من تكرار سيناريو الرئيس المعزول محمد مرسي معه، بحسب مصادر مقربة من مؤسسة الرئاسة المصرية.
وتقول المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إنّ السيسي يشعر بقلق جراء الهجوم عليه بين الحين والآخر في فترة عصيبة تمر بها مصر، فبدلاً من الوقوف معه تتم مهاجمته.

وتضيف المصادر أن المحيطين بالرئيس المصري بدأوا في خطةٍ لتحجيم دور الإعلام في الفترة المقبلة، من خلال التضييق عبر تشريعات، ومحاولة تكبيد خسائر في سوق الإعلام عمومًا، لإجبار بعض الوسائل المعارضة أو التي تتجه للمعارضة على الإغلاق بسبب أزمات مالية طاحنة.

اقرأ أيضاً: الصحافة المصرية مقابل الإرهاب: من ينتصر؟

وتؤكد المصادر أن السيسي سيستعيد نظام مبارك في التعامل مع الإعلام، حيث سيتم إتاحة هامش من الحرية، ولكن بسقف معين لا يمكن تجاوزه، مع ضمان ولاء الإعلاميين ورؤساء التحرير له بشكل مباشر. المصادر نفسها، تلفت إلى أنّ السيسي بدأ بالفعل في اختيار رجاله في المرحلة المقبلة، وتحديدًا في العمل الإعلامي، لكي يضمن السيطرة على المجال العام، وهي ضمن خطة لزرع وتكوين رجال للرجل في كل المجالات.

ويفسِّر قلق السيسي المتزايد لقاءاته مع رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين أكثر من لقاءاته مع سياسيين ورؤساء أحزاب، لأنه يدرك خطورة تأثير الإعلام على الاستمرار في مقعده. وتشير المصادر إلى أن بعض الوجوه الإعلامية التي لا تزال غير معروفة للرأي العام سيتم تصعيدها
خلال الفترة المقبلة في تقديم برامج، فضلا عن تلميع بعض تلك الوجوه من خلال اصطحابهم معه في جولاته الخارجية.

فيما يحاول رجال الأعمال السيطرة على سوق الإعلام في مصر، لضمان أداة ضغط قوية على السيسي، لتمرير قوانين في مصلحتهم، فضلاً عن بقائهم في دائرة الضوء، وتصفية خصوم سياسيين أو في مجال منافسة العمل. وأبرز مثال على سيطرة الفلول على الإعلام، امتلاك عدة صحف وقنوات، مثل محمد أبوالعينين مالك موقع وقناة صدى البلد، والصفقة التي سيتم بها نقل ملكية "الوطن" من محمد الأمين إلى رجل الأعمال محمد كرار، وهو مرتبط بقضايا فساد مع زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية في عهد المخلوع مبارك، بالإضافة إلى الحديث عن شراء عزمي لقناة CBC.

وفي أكثر من واقعة تدخلت أجهزة سيادية وأمنية في الدولة، لوقف طبع بعض الصحف، منها جريدة الوطن، اعتراضًا على موضوعات داخل العدد أو عناوين الملفات. وأوقفت المطابع عمليات طباعة نسخ الجريدة، حتى إجبار فريق التحرير على إدخال تعديلات، مع إعدام عشرات الآلاف من النسخ.

ولا يمكن فصل سياسات السيسي تجاه الإعلام، عن تلك التي يريد تنفيذها لتأميم المجال العام والقضاء على أي معارضة حقيقية، من خلال التنكيل بكل من يهاجم النظام الحالي.


اقرأ أيضاً: اختراق Hacking Team:هل يكشف تجسس الحكومات العربية؟
المساهمون