كشفت مصادر حكومية مصرية، لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة الكهرباء أنهت استعداداتها بشكل عاجل بناء على تعليمات رئاسية، لبدء تشغيل مشروع الربط الكهربائي مع السودان". ولفتت إلى أن "الحكومة المصرية أبلغت قيادة المجلس العسكري الانتقالي في السودان بجاهزية محطات التوليد وشبكة نقل الكهرباء للبدء في إمداد الخرطوم بالكهرباء وفق الاتفاق الذي سبق ووقّع عليه الرئيس السوداني المعزول عمر البشير مع القيادة المصرية". وبحسب المصادر، فإن "تعليمات رئاسية صدرت لوزير الكهرباء المصري محمد شاكر بسرعة الانتهاء من الإجراءات اللازمة وحرق المراحل، في أقصى سرعة، للبدء الفوري في إمداد السودان بالكهرباء، بعد وعود قطعها السيسي للمجلس العسكري السوداني، لدعم موقفه في مواجهة قوى الحراك، والاحتجاجات الشعبية العارمة هناك".
ونفذت وزارة الكهرباء المصرية خط الربط الهوائي توشكى - وادي حلفا لتزويد السودان بطاقة كهربائية تبلغ نحو 150 ميغاوات كمرحلة أولى، على أن يبدأ التشغيل التجريبي بقدرة تبلغ نحو 100 ميغاوات. ويبلغ طول الخط نحو 100 كيلومتر، ويتم التنفيذ على مرحلتين بقيمة استثمارية إجمالية تبلغ حوالي 6.7 ملايين دولار. وبحسب مصادر سياسية مصرية رفيعة المستوى تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "القرار المصري بسرعة الانتهاء من المشروع يأتي ضمن اتفاق أوسع يشمل قرارات سودانية مرتقبة بشأن العلاقات السودانية الإثيوبية، من شأنها العمل على فك الارتباط بين الطرفين، بشكل يمكّن القاهرة من أوراق ضغط قوية في ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، في ظل التجاهل الذي تمارسه الحكومة في أديس أبابا إزاء المطالب المصرية".
ونهاية مايو/ أيار الماضي، زار رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان مصر، والتقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في زيارة استغرقت ساعات، أكد خلالها السيسي دعمه للخرطوم.
وكانت مصادر دبلوماسية سودانية في القاهرة، قد قالت لـ"العربي الجديد"، قبل أيام، إن "عملية فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، جاءت بعد تشاور وضوء أخضر خليجي من الإمارات والسعودية، ودعم مصري". وأضافت المصادر أن "عسكريين سودانيين زاروا القاهرة أخيراً واطلعوا على خبرات مصرية بشأن مسألة فض الاعتصامات ومواجهة تظاهرات المعارضين استناداً إلى الخبرة المصرية في فض الاعتصامات الكبرى، كما حدث في فض عدد من الاعتصامات في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وأحداث 30 يونيو/ حزيران 2013".
وتعليقاً على ذلك، قالت مصادر سياسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إن "هناك توجهاً عاماً لدى القيادة المصرية يتبلور نحو المضي قدماً في دعم مجلس البرهان، في إشارة إلى المجلس العسكري السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان، انطلاقاً من أن الاستثمار فيه، وفي ظل وضع دولي لا يتسم بالحزم تجاه قمع وقتل المحتجين المعتصمين في الخرطوم، يمكن أن ينعكس إيجابياً على الوضع الداخلي في مصر، ومعالجة معضلات سياسية واقتصادية كبرى، في مقدمتها قضية سد النهضة الإثيوبي. من هنا يمكن تفسير قرار السيسي بدعم السودان بالكهرباء، وكذلك زيادة التنسيق الأمني لحل قضية النزاع الحدودي على مثلث حلايب وشلاتين، حلاً جذرياً، أو على الأقل تبريد الملف تماماً".
في هذا السياق، أشارت مصادر إعلامية مصرية إلى أن "تعليمات مفاجئة وصلت إلى المسؤولين في وسائل إعلام مرئية ومقروءة، بتجنّب إثارة الحديث عن حلايب وشلاتين بأية صورة، انتظاراً لتوجيهات أخرى آتية ترسم الخطوط العريضة لتناول هذه القضية في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، التي باتت أجهزة المخابرات المقربة من السيسي تتحكّم فيها بصورة شبه كاملة".
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية قد كشفت لـ"العربي الجديد"، منتصف الشهر الماضي، أن "لجنة مشتركة لنقل الخبرة المصرية في التعامل مع التظاهرات وأحداث الشغب، بدأت عملها بإشراف مباشر من مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق أول أبو بكر دمبلاب، وأن عدداً من ضباط الجهاز السوداني زاروا القاهرة على دفعات خلال الأسبوعين الماضيين للتعرف على استراتيجيات المواجهة للتيارات المعارضة والقوى الإسلامية واليسارية والتعامل مع التهديدات المختلفة التي تواجه الأنظمة الحاكمة من الداخل والخارج. كما اجتمعوا بعدد من ضباط المخابرات المصرية وكذلك جهاز الأمن الوطني، وبعض الشخصيات العسكرية من خلفية قانونية تم تكليفهم بدراسة الأوضاع الدستورية والتشريعية في السودان، لتوجيه بعض النصائح لتعامل السلطة معها".
وكان مصدر دبلوماسي نافذ في الخارجية السودانية، قد قال في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن "البرهان حصل على تعهّدات إماراتية وسعودية بتوفير غطاء دبلوماسي وسياسي دولي له بعد فض الاعتصام، من خلال التواصل مع صانعي القرار في الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى المؤثرة في الشرق الأوسط". وفي منتصف عام 2015 اتفق السودان وإثيوبيا على التعاون الكامل في إدارة الموارد المائية المشتركة العابرة للحدود، واستمرار المشاركة البنّاءة، وتبادل البيانات والمعلومات المهمة لإدارة الموارد المائية في كلا البلدين. كما وقّعت وزارتا الدفاع في البلدين في وقت سابق بروتوكول نشر القوات المشتركة على الحدود بينهما، يتيح تشكيل قوة للدفاع عن سد النهضة حال تعرض لأي أخطار خارجية.
وشكّل استغلال مياه نهر النيل مصدراً للخلافات بين مصر والسودان وإثيوبيا، إذ ينبع النهر من إثيوبيا ويمر بالسودان وينتهي في مصر. وظلت العلاقات المصرية السودانية متوترة، بسبب اتخاذ الخرطوم موقفاً موحداً مع أديس أبابا في مواجهة القاهرة، قبل أن يتمكن النظام المصري من اختراق ذلك التحالف ضده، نهاية عهد البشير. وبدأت إثيوبيا عام 2012 بناء سد النهضة، في مشروع تبلغ كلفته أربعة مليارات دولار، بسعة تصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه. والسد مقام على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتؤكد القاهرة أنه سيضرّ بحصة مصر من مياه النيل المقدّرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه، في وقت ترفض فيه إثيوبيا الاستجابة للمخاوف المصرية وزيادة عدد سنوات ملء خزان السد بشكل يخفض الخسائر المصرية الناجمة عن عملية الملء هذه.