سرع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من تحركاته ولقاءاته استعداداً على ما يبدو لتبرير أي خطوة مستقبلية قد تتخذ للدفع بالجيش المصري في معارك داخل ليبيا، إذ حذر، خلال لقائه، للمرة الأولى منذ العام 2015، عدداً من مشايخ وأعيان قبائل ليبية، من أن "مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أية تحركات تشكل تهديداً مباشراً قوياً للأمن القومي، ليس المصري والليبي فقط وإنما العربي والإقليمي والدولي". وجاء اللقاء بعد ساعات من اتصال هاتفي مطول أجراه السيسي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تطورات الأوضاع.
واستضاف السيسي، أمس الخميس، عدداً من مشايخ وأعيان القبائل والعائلات الليبية المساندة لمليشيات شرق ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعومة من مصر والإمارات والسعودية وفرنسا، وبرلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح الموالي أيضاً لتلك الدول. وتأتي الخطوة في سياق تبرير أي خطوة مستقبلية قد تتخذ للدفع بالجيش المصري في معارك داخل ليبيا، وسط تعالي الأصوات المنادية بالتريث وعدم الانجرار إلى التدخل المباشر.
لقاء أمس هو الأول من نوعه الذي يعقده السيسي مع شخصيات شعبية ليبية منذ 2015
لقاء أمس هو الأول من نوعه الذي يعقده السيسي مع شخصيات شعبية ليبية، منذ العام 2015، حيث اعتاد ممثلو القبائل لدى استدعائهم إلى مصر أن يلتقوا بمجموعة من مساعدي الرئيس المصري وممثلي الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية فقط. وقال السيسي، خلال اللقاء مع شيوخ القبائل الليبية في القاهرة، إن القوات المصرية عندما تدخل ليبيا لحماية سيادتها في مواجهة "المليشيات الإرهابية والتدخلات الأجنبية غير الشرعية" فسيكون على رأسها شيوخ القبائل الليبية، حاملين العلم الليبي. وأضاف أن مصر لديها أقوى جيش في المنطقة والقارة الأفريقية، وهو قادر على الحسم السريع وتغيير المشهد العسكري في ليبيا إذا أرادت القاهرة، لكنه استدرك أنه "جيش رشيد"، زاعماً أن مصر لم تتدخل في الشأن الليبي ولم تقل كلمتها إزاء ما يحدث من مساس بأمنها القومي إلا بعد ست سنوات. وأشار إلى وجود استحقاقات دستورية وإجراءات برلمانية يجب السير فيها إذا قررت مصر إرسال جيشها إلى ليبيا.
وذكرت الرئاسة المصرية، في بيان، أن مشايخ وأعيان القبائل الليبية "الممثلة لأطياف الشعب الليبي" قد أعربوا عن "كامل تفويضهم" للسيسي والقوات المسلحة المصرية "للتدخل لحماية السيادة الليبية واتخاذ كافة الإجراءات لتأمين مصالح الأمن القومي لليبيا ومصر ومواجهة التحديات المشتركة، وذلك ترسيخاً لدعوة مجلس النواب الليبي (في طبرق) لمصر للتدخل لحماية الشعب الليبي والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي بلاده".
واعتبر السيسي، في اللقاء الذي عقد تحت شعار "مصر وليبيا شعب واحد مصير واحد"، أن "الهدف الأساسي للجهود المصرية على جميع المستويات حيال ليبيا هو تفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي من أجل مستقبل أفضل لبلاده وللأجيال المقبلة من أبنائه". وقال إن الخطوط الحمراء التي أعلن عنها من قبل، في إشارة إلى محور سرت ــ الجفرة، "كانت بالأساس دعوة للسلام وإنهاء الصراع في ليبيا، إلا أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أية تحركات تشكل تهديداً مباشراً قوياً للأمن القومي ليس المصري والليبي فقط وإنما العربي والإقليمي والدولي".
لقاء التفويض الشعبي للسيسي جاء بعد ساعات من اتصال هاتفي مطول أجراه مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تطورات الأوضاع، لا سيما في ظل التنسيق المصري الفرنسي القائم ضد تركيا، والتعاون الأخير في تنفيذ بعض العمليات والمهام الميدانية والاستطلاعية. وبحسب مصادر مصرية مطلعة، فإن السيسي وماكرون اتفقا على التنسيق واستمرار التعاون العسكري والاستخباراتي للتضييق على الوجود العسكري التركي في وسط وغرب ليبيا.
اتفق السيسي وماكرون على استمرار التعاون للتضييق على الوجود العسكري التركي
وأوضحت المصادر أن حصيلة الاتصال بين السيسي وماكرون، والذي سبقته اتصالات استخباراتية وعسكرية في الأيام الماضية، تشير إلى تفضيل القاهرة وباريس الاكتفاء بتوفير غطاء جوي وبحري لمليشيات حفتر في المرحلة الحالية، والتدخل في حدود تنفيذ عمليات نوعية لمنع تفوق القوات التابعة لحكومة الوفاق وتركيا، من دون أن يمتد هذا لتدخل ميداني مستدام على المدى المنظور. وأضافت المصادر أن هناك رؤى مختلفة داخل الأجهزة المصرية إزاء التحرك الميداني داخل ليبيا، إذا استمر الوضع المتوتر الحالي على جموده، بغية تحريك الموقف، فبعض الأصوات تطالب بالتدخل السريع ووضع حلفاء مصر الغربيين المتحفظين على اندلاع حرب حقيقية في ليبيا أمام الأمر الواقع، وفي المقابل تميل الكفة إلى اتخاذ إجراءات نوعية عن بعد، بما يحافظ على مسافة تمنع استنزاف قدرات وطاقات الجيش المصري في أرض جديدة عليه كلياً، وفي ظروف غير مسبوقة، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية الباهظة التي يمكن تكبدها في تلك المغامرة غير المحسوبة.
وتتطابق هذه الأصوات، ومنها شخصيات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمخابرات والخارجية وبعض الدوائر الأخرى، مع معظم تقارير تقدير الموقف التي قدمت للسيسي خلال الشهر الماضي حول الأزمة الليبية. وقد أوصى أحدها بإنشاء قاعدة عسكرية مصرية في شرق ليبيا لضمان استمرار مراقبة الجيش المصري عن قرب للأوضاع الميدانية، وعدم الزج بأعداد كبيرة من القوات، مع التوسع في تدريب أفراد القبائل الليبية، والبدء في تكوين جيش ليبي كبير موالٍ لمصر تكون نواته مليشيات حفتر، الأمر الذي تؤكد المصادر أنه احتمال مطروح بقوة حالياً، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا وأطراف أخرى، حيث كانت حاضرة في لقاءات الأجهزة مع ممثلي القبائل في الساعات الماضية.
وأضافت المصادر أن "أجهزة القاهرة واعية لمحاولات الضغط السياسي والإعلامي الذي تمارسه الإمارات والسعودية لدفعها للحرب المباشرة. وحذرت بلهجة مشددة قيادات قوات حفتر والبرلمان الليبي (في طبرق) من الانجرار لهذه المحاولات التصعيدية، التي لا تثمر إلا مزيداً من الضغوط المعاكسة من الأوروبيين وواشنطن وتعقد الأوضاع وتنشر التوتر حتى داخل مصر". ومن مصلحة الإمارات تحديداً دخول مصر لمباشرة العمل العسكري لتحالف قوى شرق ليبيا بنفسها، بعد الفشل المتكرر والذريع لحفتر في قيادة المليشيات وتحقيق الاستفادة القصوى من مليارات الدولارات التي ساعدته بها الإمارات، إلى جانب المعدات العسكرية والأسلحة والذخائر. وحول ما إذا كانت الاتصالات المصرية الفرنسية قد تناولت مستقبل حفتر، قالت المصادر إن هناك اتفاقاً على بقائه على رأس مليشياته حتى إشعار آخر، بناء على الرؤية المصرية بصعوبة إيجاد بديل، والكلفة التي من الوارد تكبدها حال إبعاده على الصعيد الشعبي والعسكري في المنطقة الشرقية.