انتشار كبير للمطاعم السورية في مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
17 سبتمبر 2020
+ الخط -

تعيش الاستثمارات السورية تحت تهديدات النظام المصري الذي شدّد من إجراءاته الرقابية عليها وسط اتهامات لها بارتكاب جريمة غسل الأموال. 

وكان وزير التنمية المحلية المصري، محمد شعراوي، قد طلب من المحافظين، حصر تراخيص السوريين وعدم إصدار أي تراخيص جديدة لاستثمارات "محال تجارية" إلا بعد الحصول على الموافقات الأمنية.

وحسب مراقبين، يعد موقف حكومة القاهرة خلال الفترة الأخيرة، متناقضا مع ما أعلنه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سابقاً من ترحيب بالمستثمرين السوريين.

وحسب هؤلاء، زاد حجم الاستثمارات السورية في مصر عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، مقدّرين متوسط حجم الزيادة بأكثر من مليار دولار، في ظل النجاح الذي لاقته المشاريع السورية ولا سيما في مجال المطاعم والأغذية. 
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح، لـ"العربي الجديد": من الضروري أن نسلط الضوء على من هم السوريون بمصر اليوم، إذ هم من قرروا العيش ببلد عربي تجمعه مع السوريين تقاطعات كثيرة وأحلام مشتركة، فضلاً عن الترحيب الشعبي الكبير الذي لاقوه من الشعب المصري. ويضيف أن الكثير من السوريين رفضوا معونات مفوضية شؤون اللاجئين القليلة والمذلة أحيانا، وفضلوا العمل في القطاعات المتاحة، كما أن العديد ممن يمتلكون رؤوس أموال ضخوها في مشروعات صغيرة ومتوسطة.

وتابع المصبح: "بحكم ثنائية ضغط الغربة والمعيشة وبالانطلاق من "شطارة السوري" بدأ تكوين رأس المال وازدياده، بعد أن اختار أعمالاً مطلوبة بالسوق المصرية، سواء تجارية أو صناعية أو خدمية، لتبدأ رحلة تسليط الضوء على السوريين ونسمع قصص نجاح عديدة".
ووفق المصبح فإن ذلك النجاح الذي لاقى ترحيباً شعبياً، لا بد أن يصطدم بتضارب مصالح من البعض. وكشف عن ترهل القوانين وتناقض مواقف المسؤولين المصريين، "فوجدنا عام 2018 حملات تدعو للتحقق، ووصل بعضها لطلب مصادرة الأموال والطرد، ولكنها قوبلت بحملة شعبية كبيرة شعارها "السوريون منورين مصر"، فتحقق التوازن وكانت تلك الأحداث، بمثابة إنذار لكلا الطرفين.

وحول حجم الاستثمارات يتابع المصبح: ربما علينا التفريق بين الأموال والاستثمارات السورية التي ذهبت لمصر بعد الثورة عام 2011 وبين القديمة التي اختارت مصر منذ عقود للاستثمار. فالأموال والاستثمارات الحديثة ووفق ما تابعناه، تتراوح بين 800 مليون دولار و1.5 مليار بالحد الأقصى، ولكن مجموع الاستثمارات السورية بمصر أضعاف هذا الرقم.
ويستدرك الخبير السوري بالقول: علينا هنا الذكر أنه لولا التسهيلات الحكومية والترحيب الشعبي، لما تنامت تلك الأموال، بل ولم تذهب أصلاً لمصر، لتستفيد من قوانين الاستثمار والسوق المصرية الكبيرة. ودعا المصبح النظام المصري إلى إبعاد السياسة عن الاقتصاد، رافضا عمليات الضغط والتهديد للسوريين.
ومن جانبه، يرى المستثمر السوري "ك.م" أن مصر بدأت بإدخال السياسة بالاقتصاد، عبر ما سماه تقييد توسع الاستثمارات السورية ورمي اتهامات تزعم أن "أموالاً خليجية" وراء الأعمال السورية، أو إصغاء السلطات المصرية "إلى تقارير نظام بشار الأسد الأمنية" بهدف ضرب بعض رجال الأعمال المؤيدين للثورة السورية. وأكد أنه في حال مواصلة الحملات والتهديدات، ستهرب بعض الرساميل السورية إلى السودان وتركيا.
ويبيّن المستثمر السوري الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خشية الإساءة له، أن "رجال الأعمال السوريين وما إن انتهوا من آثار حملة حصر الأموال التي قادها المحامي سمير صبري قبل عامين والتحريض الذي لمسناه من خلال الترويج أننا نغزو المناطق التجارية والمبالغة بحجم الاستثمارات التي روّجت تلك الحملة أنها 23 مليار دولار، عادت اليوم عمليات تقييد منح التراخيص التي يقودها الرئيس المصري بنفسه". 
وحول حجم الاستثمارات الحقيقية للسوريين بمصر، قال رجل الأعمال: لا يوجد رقم دقيق ولكن هناك مشروعات صغيرة بالكاد تؤمن مصاريف الأسر، مثل محال الغذائيات ومطاعم، كما أن هناك استثمارات سورية ضخمة جداً موجودة بمصر قبل الثورة عام 2011، فالمستثمر المعروف محمد شرباتي، موجود منذ عام 2003 ويعتبر من كبار مصنعي النسيج والألبسة".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وحول طلب وزير التنمية المحلية المصري، من المحافظين ، حصر تراخيص السوريين وعدم إصدار أي تراخيص جديدة للمحال التجارية إلا بعد الحصول على الموافقات الأمنية، أشارت مصادر إعلامية إلى أن تعميم الوزير شعراوي استند إلى أوامر مباشرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفق كتاب رئاسة الجمهورية رقم (7871) الصادر بتاريخ 11 أغسطس/ آب الماضي، والمتضمن مذكرة مرفوعة من مستشار الرئيس لشؤون مكافحة الفساد، اللواء محمد عمر هيبة، عن موقف المحال التجارية التي يملكها رعايا الجالية السورية في البلاد.
وحسب مصادر إعلامية، بررت الرئاسة المصرية تعميم وقف تراخيص السوريين إلى "ملاحظة افتتاح سلاسل من المحال التي يملكها السوريون خلال فترة قصيرة من بدء النشاط، على الرغم مما كانوا يعانونه من ضعف بمواردهم المالية في بداية إقامتهم في مصر، وظهور آثار الثراء المفاجئ على عدد كبير منهم".
ويقول المستثمر في مدينة السادس من أكتوبر، السوري "ف. أ": أسفنا للاتهامات المتلاحقة والقيود المستمرة رغم أننا لم نفكر بترك مصر خلال تكبدنا خسائر مستمرة العام الجاري بسبب تراجع المبيعات وتفشي وباء كورونا.
ويلفت المستثمر السوري خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن ذهنية السوريين بالعمل التجاري تختلف كثيراً، فالسوري وخاصة في ظل ظروف الهجرة والحرب، يعمل بأي مجال يساعده وأسرته على العيش، لأن مصر لم تفتح مخيمات ولا تقدم المساعدات للسوريين، وهذا ربما ما أعطانا ميزة وتوسعت أعمالنا رغم الركود الذي تعانيه مصر. بدروه، رأى رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، خلدون الموقع، أنه يحق لأي دولة اتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات وقرارات لحماية أمنها وأمن شعبها واقتصادها، معتبراً خلال تصريحات لوسائل إعلام سورية، أن أي قرار في هذا السياق قرار سيادي واجب احترامه. 
وحول رأيه في تعميم وزير التنمية المحلية المصري، يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، خلدون الموقع: " بقراءة متأنية للتعميم، نجد أن شرط الحصول على الموافقة الأمنية لتأسيس أي عمل أو الحصول على السجل التجاري أو الصناعي أو الإقامة، هو إجراء قائم أصلاً وليس بالجديد".

وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يبلغ عدد اللاجئين السوريين في مصر 129.737 شخصا يقيمون بشكل رئيسي في المناطق الحضرية في محافظات القاهرة، وتتنوع المجالات التي يستثمـر بها السوريون في مصر ما بين الصناعات الخفيفة، والورش بمختلف أنواعها وتخصصاتها، والمطاعم ومصانع إنتاج الحلويات الشرقية، إلى جانب النسيج والملابس ونجارة الأثاث ومتاجر العطـور وغيرها.
وكان رئيس قطاع الترويج بالهيئة العامة للاستثمار المصري، منير عبد الفتاح، قد قدر العام الماضي المشروعات السورية بمصر بنحو 5800 مشروع برؤوس أموال تصل إلى مليار دولار، وأن استثمارات تلك المشروعات تتراوح ما بين 4 و5 أضعاف قيمة رؤوس أموالها.

المساهمون