ويلفت الاجتماع النظر بحضوره رفيع المستوى وبتعدد اختصاصات المسؤولين الحاضرين، وهو ما فسره مصدر حكومي واسع الاطلاع لـ"العربي الجديد" بأنه يأتي في إطار سعي السيسي لإحكام سيطرته على المشهد السياسي، والاطلاع على تقديرات الموقف من الأجهزة المختلفة ورؤيتها للمستجدات التي حدثت أخيراً، والحراك الشعبي ضد النظام.
وقال بيان للرئاسة المصرية إن "الاجتماع تناول عدداً من الموضوعات، في مقدمتها مستجدات الحرب على الإرهاب التي تخوضها مصر، حيث وجه السيسي بمواصلة بذل أقصى الجهد لملاحقة العناصر الإرهابية، وتكثيف الجهود الأمنية والعسكرية في هذا الإطار، مشدداً على أن مصر ستواصل مواجهة الإرهاب ومن يموله ويدعمه ويقف وراءه بكل قوة وحسم، وأن الشعب المصري يعي تماماً حجم التحديات التي يواجهها الوطن، ويقدّر التضحيات التي قدمها شهداء الوطن من أبناء القوات المسلحة والشرطة فداءً لمصر وشعبها".
وأضاف البيان أن الاجتماع تطرق كذلك على الصعيد الجنائي إلى جهود استهداف البؤر الإجرامية والمتطرفة وتأكيد استمرارها حتى القضاء عليها، وذلك بفضل العزيمة الراسخة لرجال القوات المسلحة والشرطة التي تمكنهم من الدفاع عن الوطن وأمنه على أكمل وجه.
وفي شأن آخر، وجّه السيسي بمواصلة قيام الأجهزة المعنية بتكثيف الرقابة التموينية على الأسواق لمحاربة الغلاء والتعامل بحزم مع الممارسات الاحتكارية وتشديد المحاسبة والمساءلة لكل من يثبت سعيه للتلاعب بالأسواق والتأثير عليها، بما يضمن الحفاظ على استقرارها وضمان توافر جميع السلع والمواد التموينية بأسعار مناسبة، بهدف التخفيف من أعباء المواطنين، ولا سيما محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجاً.
وكما توقعت المصادر الحكومية في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، مطلع الأسبوع الماضي، فإنه مع استمرار عمل الآلة الأمنية، بدأ السيسي محاولاته الدعائية لامتصاص غضب الفئات الكادحة الأكثر تضرراً من قراراته الاقتصادية، والتي كانت العنوان الأبرز للحراك الجماهيري الأخير، رغم محاولات السلطة الالتفاف على هذه الحقيقة والتلاعب بها، إذ أعلن السيسي، مساء أول من أمس، أنه سيشرف على إعادة صياغة معايير تنقية البطاقات التموينية، والتي تسببت في حرمان ملايين الأسر من الدعم بحجة امتلاكهم أصولاً أو ارتفاع مستوى دخولهم رغم تدنيها، وأصدرت وزارة التموين، اليوم، قراراً بإعادة قيد مليون و800 ألف مواطن في منظومة البطاقات التموينية.
برلمانيون يدعون السيسي إلى "مصالحة وطنية" مع الشعب
إلى ذلك، طالب عدد من أعضاء مجلس النواب المصري، من الموالين للسلطة الحاكمة، القيادة السياسية بإجراء مصالحة وطنية مع الشعب، لا سيما الطبقة الوسطى التي تآكلت، وانضمت إلى الطبقة الكادحة بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وكذا مع الأحزاب والصحافة والإعلام، من خلال السماح للرأي والرأي الآخر بالظهور على وسائل الإعلام، وذلك على خلفية ما شهده كثير من المحافظات من مظاهرات حاشدة يوم الجمعة 20 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقال النائب ضياء الدين داوود: "الشعب المصري وحده هو الذي أنقذ الوطن، وليس أحداً آخر، وبالتالي لا يمكن المزايدة على دور الشرطة أو القوات المسلحة... مصر تحتاج إلى هواء نظيف، فافتحوا المنافذ، لأننا في وقت مكاشفة ومصارحة... والمعارضة سبق وقالت إن حكومة مصطفى مدبولي هي نفسها حكومة شريف إسماعيل، وأية تعديلات وزارية أخرى لن تكون ذات جدوى، إذا لم يُصحح مسار عمل الحكومة، ويُعاد ترتيب الأولويات".
وانتقد داوود إدارة ملف الإعلام من "مكتب مظلم" (في إشارة إلى الاستخبارات)، ما جعل المواطنين يستمعون إلى وسائل الإعلام في الخارج، بدلاً من الإنصات إلى المعارضة المصرية "الوطنية" في الداخل، مستطرداً بأن "مصر لا تملك الآن رفاهية الاختلاف على مصلحتها العليا"، على حد تعبيره.
بدوره، قال النائب عماد محروس إن وزير التموين علي المصيلحي كذب على الشعب المصري، ما يستدعي محاسبته على تصريحاته، مبيناً أن "الوزير كذب على الشعب حين قال إنه لم يُحذف أي مواطن من البطاقات التموينية، ولدي ما يثبت كذبه، لأن هناك الكثير من الحالات التي حُذفت بالفعل من بطاقات التموين".
وانتقد محروس تصريح وزير التموين مؤخراً "ننظر إلى الشعب المصري بعين الإحسان"، قائلاً: "الوزير يعمل لدى الشعب، ولا ينتظر الشعب المصري إحساناً من أي أحد"، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك وقفة مع وزير التموين، لأن حديثه الأخير كان سبباً في مزيد من السخط بالشارع.
فيما هاجم النائب مصطفى بكري الحكومة، قائلاً "على رئيس مجلس النواب السماح ببدء نظر الاستجوابات المقدمة من النواب ضد الحكومة، ومناقشتها تحت القبة"، مضيفاً "نحتاج إلى الرأي والرأي الآخر، فقد اخترنا قائداً وطنياً لا نشك في نزاهته، ولكننا نحتاج إلى الحديث، وأن تكون هناك مراجعة حقيقية.. مصر لا بد أن تبقى برجالها وشعبها وصحافتها وبرلمانها، والأهم بالرأي والرأي الآخر".
وكشف بكري، الذي يقدم برنامجاً أسبوعياً على قناة "صدى البلد" الفضائية، بعضاً من القيود المفروضة على الصحافة والإعلام، بالقول: "لا أستطيع استضافة محافظ ولا وزير الآن في البرنامج، مع العلم أنهم من سيتحدثون عن رؤية الدولة المصرية، ويدافعون عنها".
وطالب بكري السيسي بعقد مصالحة وطنية مع الشعب، بقوله: "نريد مصالحة وطنية حقيقية مع الطبقة الوسطى التي تآكلت، وانضمت للطبقة الكادحة، ومصالحة مع الصحافة التي تحولت إلى إعلام المنع والمنح، ولم تعد تستطيع استضافة نائب أو وزير أو محافظ، حيث نريد للقوى الناعمة أن تؤدي دورها".
وأضاف: "يجب أن تكون هناك مصالحة بين البرلمان والمواطنين، خصوصاً أن النواب كانوا صامتين لفترة طويلة، فكان من الطبيعي أن تستهين بهم الحكومة"، مخاطباً السيسي: "يا ريس، اسمع مشاكل الناس، حتى لا نعيد سيناريو 25 يناير/ كانون الثاني 2011".
وقال بكري: "كل شخص خائف أن يقول كلمة الحق، حتى لو مجروح أو موجوع، فالأغلبية البرلمانية دافعت وأخذت مواقف من منطلق الحرص على مصلحة الوطن... والأوضاع التي كانت تعيشها مصر احتاجت إلى الصمت أحياناً، وتمرير قوانين تحتاجها، حتى لو لم نكن راضين عنها"، حسب قوله.
وتابع: "هناك فقر ومآسٍ كثيرة، وواقع مرير يزداد، وحكومات تشبه بعضها، والأحزاب السياسية ماتت، ويجب أن يعطيها الرئيس قوة ودفعة... ومن حق المعارض أن يكون له وجود، وأن يكون للإعلام رأي آخر، نحن لسنا في خلاط لإنتاج نفس الشيء، فالبعض ما زال يعتقد أن الحل في كلمة حاضر ونعم!".
في غضون ذلك، رفض مجلس النواب طلب رفع الحصانة عن النائب محمد المسعود، المقدم من المواطن فتحي أحمد هريدي، بحجة أن الشكوى كيدية، وكذلك طلب رفع الحصانة عن النائبة رانيا السادات، المقدم من النائب العام المصري، بدعوى وجود شبهة كيدية في الموضوع محل الطلب.