السيسي والتدخل في ليبيا

19 فبراير 2015

أهالي الضحايا المصريين في ليبيا أمام الخارجية المصرية (16فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

قد يكون صعباً القول "السيسي والتورط في ليبيا"، لأن التورط يكون عن غير قصد فاعله، وبدون حسابات مسبقة، كما يمكن إطلاقه، عندما يتم التقييم، وتأتي النتائج على خلاف ما أراد فاعلها، وهذا أمر يخضع لتقدير الجهة المتخذة للقرار من ناحية، وللمحللين المعنيين بالأمر، من ناحية ثانية.

ومن ثم، قد يكون من الأدق والأفضل القول "التدخل" المصري في ليبيا، لأنه يأتي وفق قصد وهدف واضحين، بحسب تصريحات القيادة السياسية والعسكرية في مصر "محاربة الإرهاب"، مع تنسيق واضح مع القيادة الشرعية في ليبيا منذ أشهر، في إشارة إلى حكومة عبد الله الثني وبرلمان طبرق المنحل، وهو ما أكده المتمرد خليفة حفتر لقناة فضائية مصرية، فلم يؤيد فقط الضربات الجوية المصرية، بل وطالب بالتدخل المصري المباشر والدعم الواضح "من فوق الترابيزة". إذن، بموجب هذه الموافقة، حصل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مبدئياً على التفويض الليبي، وإن كان يبقى هناك أمران لاكتمال الشكل القانوني له، الأول داخلي يتعلق بطلب برلمان وحكومة الثني من المجتمع الدولي التدخل، ثم صدور قرار من مجلس الأمن بهذا الصدد. وربما هذا ما دفع السيسي إلى أن يكون هو نقطة الانطلاق في هذا الشأن، عبر طلبه الصريح بصدور قرار دولي بالتدخل لمواجهة الإرهاب.

وهنا تثور تساؤلات: أولها: من الواضح أن الضربة الجوية التي وجهتها الطائرات المصرية لدرنة، بزعم وجود مخازن تابعة لداعش بها، كانت البداية وليست النهاية، بدليل تصريح السيسي بخصوص طلب التدخل الدولي، أي أن الضربة ليست عابرة، والأمر سيكون له ما بعده.

ثانيها: حدود هذا التدخل الذي يطالب به من ناحية، ومدى الموافقة الدولية عليه من ناحية ثانية، فكما نعلم أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ينطوي على المادة 41 التي تنص على كل التدابير غير العسكرية ضد الطرف المعتدي، بداية من قطع العلاقات الدبلوماسية والاتصالات، وصولاً إلى فرض عقوبات اقتصادية وحظر سلاح، إذا كان هذا الطرف دولة أو كياناً معارضاً. أما المادة 42 فهي التي تجيز استخدام القوة العسكرية، حال فشل أو عدم جدوى التدابير السابقة. وربما الأمر الأول هو ما تضمنه قرار مجلس الأمن 2170 ضد داعش في سورية والعراق، والذي جعل روسيا التي وافقت عليه تعلن أن التدخل العسكري في إطار التحالف الدولي ضد داعش ليس قانونياً، ويتطلب موافقة النظامين السوري والعراقي. وهنا يثور التساؤل إذا كان ثقل داعش في سورية والعراق واضحاً للعيان، وهناك مناطق خاضعة للتنظيم، ومع هذا لم نشهد تدخلاً دولياً برياً، فهل يمكن أن يحدث هذا في ليبيا، على الرغم من أن بعضهم يشكك أساساً في وجود داعش، أو قوتها، أو وجود أماكن تسيطر عليها هناك. لكن، مع ذلك يمكن أن يجيز مجلس الأمن التدخل عبر قوات برية، حال وجود اتفاق بين الدول دائمة العضوية مع دول العالم الثالث،
عربية وإفريقية، على أن تكون جنودها في الطليعة تجنباً لحدوث خسائر بشرية لجنود هذه الدول الكبرى. لكن، حتى هذا التدخل البري لم يحدث إبّان الثورة الليبية، حيث كان تدخل "الناتو" قاصراً على العمليات الجوية. فهل يمكن أن يحدث الآن؟

ثالثاً: يرتبط بالنقطة السابقة سؤال آخر، يتعلق بمهام هذه القوات التي يفترض تدخلها، وأماكن انتشارها، فهل هذه القوات ستدخل كقوات فرض سلام، ومعنى هذا أنها ستكون قوات مقاتلة تحتاج تسليحاً كبيراً. وهنا يبرز التساؤل: ضد من سيكون التدخل، هل ضد داعش التي هي أشبه باللهو الخفي الذي لا يعرف له مكان على وجه الدقة، أم ماذا؟ ثم ألم يكن من الأجدى والأوفر، مادياً وبشرياً وقانونياً، بدلاً من هذا التدخل، أن تُسند مهام مواجهة داعش للأطراف الليبية الفاعلة، سواء ما يرتبط منها بقوات فجر ليبيا التي يفترض أن عملية الذبح تمت في المناطق الخاضعة لها في طرابلس الغرب، أو حتى حفتر باعتبار، وحسب الرواية المصرية، أن داعش تنتشر في شرق ليبيا، لا سيما وأن هذين الطرفين الليبيين أعلنا الحرب على داعش التي تقاتلهما معاً، في آن واحد.

رابعاً: هناك سؤال حول تأثير هذا التدخل على الصراع المسلح في ليبيا بين فريقي "الكرامة" و"فجر ليبيا"، حيث قد يؤدي هذا التدخل إلى توقف جهود الوساطة الدولية، لتشكيل حكومة وطنية ائتلافية، واندلاع الصراع مجدداً، بل قد يكون مقبولاً حال التوصل إلى تسوية سياسية ووقف إطلاق النار والاحتياج لرعاية له أن تكون هناك قوات دولية متدخلة في إطار حفظ السلام فقط، وليس فرضه، وهناك فارق كبير بين الاثنين.

خامساً: ألم يفكر السيسي في التداعيات السلبية التي قد تطال مليوني مصري هناك جراء طلبه هذا، والذي قد يوافق عليه مجلس الأمن أم لا، فقد يكون هؤلاء صيداً سهلاً لتنظيمات مسلحة ستفسر التدخل المصري عبر المظلة الدولية احتلالاً، ثم ألم يفكر في إمكانية انتقام داعش من مزيد من المصريين، أقباطاً أو مسلمين.

عندما تستشعر الدول الكبرى خطراً على رعاياها في دول أخرى، تسارع، قبل اتخاذ أي موقف، في إجلاء هؤلاء الرعايا، لكن السيسي يعلن المواقف، ويتخذ الإجراءات، قبل التفكير في هؤلاء، حيث اكتفى بتوجيه نداء لهم بالمغادرة، ولم يوضح كيف سيتم ترحيلهم، وما البدائل التي سيوفرها لهم في بلادهم، في ظل شعاراته الاقتصادية "مافيش .. ما عنديش"، لا سيما وأن لدى هؤلاء العمالة تجربة سيئة في أغسطس/آب الماضي، في أثناء اندلاع المواجهات المسلحة في ليبيا، حيث طلبت منهم سلطات الانقلاب العودة، عبر معبر جربة التونسي، من دون توفير تذاكر طيران أو خلافه، بل تم إجبارهم على شيكات، لدفع أثمان التذاكر بعد عودتهم.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.