السيرة الكيميائية في ألمانيا
الأصدقاء المقيمون هنا في ألمانيا قبل الثورة السورية أو كما صار يطلق عليهم في ما بعد، بالسوريين القدامى، يرددون كلما التقيت أحدهم جملة واحدة وهي (اللغة هي مفتاح الحياة هون) شو ما بدك تعمل سواء دراسة، شغل ..الخ، "أول شي تتعلم لغة". وهذه الجملة تحديداً سأرددها أنا كلما صادفت سورياً وصل لتوّه إلى أراضي العمة ميركل.
لن تدرك حجم الكارثة التي أدخلت نفسك فيها مع تعلم اللغة الألمانية إلا بعد أن تبدأ بتعلمها، وستدرك في الوقت نفسه القيمة الحقيقية للغة الإنكليزية التي كنت تتململ من دروسها.
أنهيت مستويات اللغة التي تحددها الدولة للبدء في العمل، مع هذا المستوى زال الأحساس بالغربة ولو بشكل مؤقت باعتباري الآن أفهم لغة أهل البلد بعض الشيء.
(أكل ومرعى وقلة صنعة) يرفضها الألمان، بل إنها غير موجودة في قاموس حياتهم، بما أنك تجيد اللغة فأنت قادر على العمل، فقط ابحث وستجد، بما أني خريج كيمياء تطبيقية وألمانيا بلد الكيمياء والصناعة، فكل ما سأحتاجه هو عنوان شركة مختصة بالكيمياء وسيرتي الذاتية، وباعتبارهم، أي الألمان، طمعانين فينا وبخبراتنا بحسب تصريح أحد الفطاحل، قال ذلك عند فتح ألمانيا لحدودها أمام اللاجئين.
ولكن "وين طاحش بهالزحمة يا حبيب" بعد بحث وإرسال أكثر من خمسين طلب توظيف، واستقبال أكثر من خمسين رفض مع تمنيات بمستقبل أفضل بعيداً عنهم، نصحتني موظفة "الجوب سنتر" بأن أبحث عن عمل في مجال آخر بعيداً عن الكيمياء، فعرضت علي بعض الوظائف الشاغرة مثل سائق شاحنة صغيرة، أو رعاية المتقدمين في السن، قلت "امنحيني بعض الوقت وسأجد لنفسي عملاً، بما أن المفتاح وصار معي، ما ضل غير أشوف الباب المناسب".
وبما ان أكثر فرع لا أحبه هو الكيمياء مع أنه تخصصي، فعزمت نفسي وشحنت طاقتي وبدأت البحث بعيداً عن الكيمياء (مساعد مخرج - ممثل - صحافي - مذيع - مصور - ..الخ) ومن بين هذه الطلبات خرج طلب لشركة كيميائية، وطبعا كما هي العادة رفضت جميع طلباتي وقبل طلب شركة الكيمياء.
في تمام الساعة العاشرة صباحا تلقيت اتصالا من رجل يطلبني لتحديد موعد لمقابلة العمل، وبما أنني صرت أتهرب من الكيمياء، قلت: ربما أتفرغ في الساعة الثالثة ظهرا، قال بهدوء وبطء: سيدي إذا أردت أن تعمل تعال الآن. لم يترك لي مجالا للتفكير، قلت: أنا قادم.. "من وين طلعتلي".
استقبلني الرجل مبتسماً، وقال لن أسأل عن شيء، مجيئك يعني أنك ترغب في العمل، ولكن عليك أن تقابل السيد المدير، أو كما سأسميه لاحقا "عكيد" الشركة.
قرأ المدير "العكيد" سيرتي الذاتية، ولم يسألني أي سؤال من تلك التي كنت أتلقاها في مقابلات العمل في سورية وما أكثرها، قال فقط انسَ كل شيء تعلمته في سورية، نحن سنعلمك من الصفر.