السياسة وقمّة العرب الاقتصادية

11 يناير 2019
+ الخط -
من المنتظر أن تنعقد القمة العربية الاجتماعية الاقتصادية في بيروت يومي 19 و20 شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، وقد استكمل لبنان الاستعدادات الميدانية لاستقبال المشاركين فيها من القادة والملوك والرؤساء العرب، وأكد الحضور منهم، أميرا قطر والكويت، والرئيسان الفلسطيني والمصري، إلا أنه برزت في الأونة الأخيرة عدة مشكلات استدعت إعادة البحث في مبدأ انعقاد القمة في هذا الوقت، منها الداخلي المتصل بالخلافات اللبنانية والانقسام السياسي بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، والعلاقة مع النظام السوري. ومنها الخارجي المتصل بالخلافات العربية من ناحية، والانشغالات التي تأخذ حيّزاً من اهتمامات القادة ورؤساء الدول، ومن هنا نشأت فكرة البحث في إمكانية تأجيل القمة إلى الربيع المقبل، أو دمجها في القمة العربية العادية التي تُعقد عادة في شهر مارس/ آذار من كل عام.
وقد ظهر الانقسام اللبناني حيال انعقاد القمة مؤخراً إلى السطح، على خلفية تأخّر تشكيل الحكومة، وعدم دعوة النظام السوري إلى الحضور. ويتمسك رئيس الجمهورية، ميشال عون، بانعقاد القمة، وأكد أن وجود حكومة أصيلة من عدمه لا يؤثر على انعقادها ونجاحها، فالحكم استمرارية، وبالتالي فإن وجود حكومة تصريف أعمال يفي بالحاجة والغرض، وبالتالي لا يمنع انعقاد القمة في بيروت. وبالطبع، يعد انعقاد القمة بالنسبة للرئيس عون إنجازاً لعهده، خصوصا في ظل الفشل الذي يصيب مساعي تشكيل الحكومة، يؤكد أن لبنان لا يعيش عزلةً مع محطيه العربي في ضوء المستجدات التي تحكم الواقع العربي، وفي ضوء الموقف اللبناني منها، كما يؤكد انفتاح العرب على الرئيس ميشال عون. ومن مصلحة العهد تحديداً انعقاد القمة الاقتصادية الاجتماعية في بيروت، علّ لبنان يستفيد من بعض المساعدات العربية لحلحلة أزمته الاقتصادية، مع العلم أن أكثر العرب يعيشون حالة أزماتٍ اقتصادية، بل يعيش بعضهم حالة شبه إفلاس. ولذلك، يتمسّك الرئيس ميشال عون بانعقاد القمة في بيروت، ويسعى إلى إقناع القادة العرب بالمشاركة وإنجاح هذه القمة.
وفي المقابل، برز موقف لرئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، دعا فيه إلى تأجيل انعقاد القمة في 
بيروت، لأنه لا حكومة أصيلة في لبنان، وهو يعكس في مكان آخر، إرادة سورية ورغبة بعدم انعقاد القمة قبل تطبيع العلاقة بين لبنان والنظام السوري. ولذلك شنّ أنصار الأخير في لبنان حملة للضغط من أجل دعوة هذا النظام لحضور القمة، في مقابل رفض قاطع لرئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، ولقوى سياسية أخرى، أبرزها القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط. وهذا أفقد الموقف اللبناني زخمه وقوته التي كانت تعمل على إقناع كل الزعماء القادة العرب الحضور.
وقد تزامنت الدعوة إلى تأجيل انعقاد القمة مع موقف عربي يدعو إلى تأجيلها أيضاً، أو إلى دمجها بالقمة العربية العادية التي ستُعقد في تونس، وبرزت هذه الرغبة أساسا من النظام المصري لاعتبارات بعضها عربي وبعضها الآخر لبناني داخلي، ولا شكّ في أن الموقف الجديد لرئيس المجلس النيابي اللبناني، الداعي إلى التأجيل، يعطي فرصة للموقف العربي الداعي للتأجيل للمضي أكثر في مساعيه لذلك.
اختلاف الموقف السياسي، وتضارب المصالح الداخلية والخارجية، وسّعا الهوّة بين طرفي الانقسام اللبناني، وهو بحد ذاته يؤثّر على انعقاد القمة العربية الاقتصادية الاجتماعية في بيروت، ويعيد خلط أوراقٍ كثيرة داخلياً، وعلى مستوى العلاقة مع النظام السوري وبعض الدول العربية.
المهم أن ما يمكن قوله حتى الآن أن الجدل لم يحسم بعد بشأن انعقاد القمة من تأجيلها، ولكن من الواضح أن لبنان لن يجني منها ما يتوقعه من مكاسب، حتى ولو انعقدت في موعدها، لأنها ستكون قمة بروتوكولية فحسب، لن تقدّم ولن تؤخّر شيئاً، وهكذا تفسد السياسة ما يصلحه العطّارون، حتى ولو كانت البلاد ترزح تحت أزمة اقتصادية اجتماعية ثقيلة، لطالما حذّر منها المختلفون سياسياً في لبنان.