تبدو الحياة في محافظة السويداء في جنوب سورية وقد عادت إلى طبيعتها؛ الشوارع مكتظة بالمواطنين، والأهالي يسارعون مع بزوغ الفجر للبحث عن لقمة عيشهم اليومية، رغم مضي أكثر من شهر بقليل على اغتيال أحد أبرز قيادات المليشيات المسلحة في المحافظة، ذات الغالبية من طائفة "الموحدين الدروز"، زعيم مليشيا "مشايخ الكرامة" وحيد البلعوس، المعارض للنظام، إثر وقوع تفجيرين متتاليين تسببا بسقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
ورغم استئناف وتيرة الحياة اليومية في المحافظة، بقيت القاعدة الإسمنتية لتمثال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وحدها، ولم تعد تحمل سوى لوحة معدنية صدئة تحمل اسمه، عقب إسقاط التمثال.
اقرأ أيضاً: السويداء بعد اغتيال البلعوس: حان وقت إسقاط النظام
وبحسب مصادر محلية مطلعة من المدينة، طلبت عدم نشر اسمها، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن "وافد أبو ترابي، المتهم باغتيال البلعوس هو من قام بإسقاط التمثال بمساعدة الشباب الغاضب المحتقن من أفعال الأجهزة الأمنية، عبر ربط التمثال بسلاسل حديدية، نزعت من الحديقة وعلقت بجرار زراعي، لينتزع أبو ترابي التمثال من جذوره، ويسحله في الساحة".
ويشكك معظم أبناء المحافظة بما قدّمه النظام على أنها اعترافات أبو ترابي بتنفيذ عملية الاغتيال، حتى أنهم أطلقوا على الأخير لقب "الرجل الأخضر"، تلك الشخصية السينمائية الخرافية، مع توجيه أصابع الاتهام إلى جهاز الأمن العسكري وعلى رأسه وفيق ناصر، حتى أن صفحات التواصل الاجتماعي غصت بالتندر على تلك الاعترافات، معتبرين أنها مسرحية فاشلة.
وعلمت "العربي الجديد" أن "عدداً من كبار مشايخ الموحدين، أصحاب التمثيل الشعبي الواسع، أعربوا لموفدي الأسد، الذي قدم بدوره التعازي للقيادات الدينية بقتلى التفجير، طالباً منها العمل على التهدئة وحماية مؤسسات الدولة، عن عدم تصديق الغالبية الساحقة من أبناء المحافظة لرواية أبو ترابي، مطالبين بإجراء تحقيق جدي في الحادثة وتحويل كل المتورطين إلى المحاكمة، خصوصاً من الأجهزة الأمنية، قائلين إن لديهم العديد من المؤشرات والأدلة على تورط جهات وأشخاص أمنية بالعملية".
وبيّنت مصادر مطلعة من مشايخ الموحّدين القريبين من تجمع "مشايخ الكرامة"، الذي كان يتزعمه الشيخ البلعوس إنّ "ما بعد عملية اغتيال الشيخ البلعوس ليس كما قبله، فقد تغير تعاطينا مع الوضع في المحافظة ومع النظام، وبالرغم من تمسكنا بانتمائنا لسورية، والمحافظة على مؤسسات الدولة، فإن هذه المواقف لا تعني السكوت عن تعديات الأجهزة الأمنية ورعايتها للفاسدين في المحافظة".
وبيّن ناشط إعلامي من محافظة السويداء عرّف عن نفسه باسم منير الجبل (اسم مستعار) في تصريح لـ"العربي الجديد" أن النظام يسعى بعد حادثة اغتيال البلعوس إلى تحويل السويداء إلى كانتون طائفي مرتبط به، من خلال مشايخ العقل المحسوبين عليه، مشيراً إلى أن النظام كان يخطط حتى قبل اغتيال البلعوس إلى تغذية النزعة الطائفية في المحافظة من خلال سكوته عن تطور ظاهرة البلعوس كحركة طائفية مسلحة، وإدخالها بنزاعات داخلية ضمن المحافظة مع مليشيا دينية أخرى محسوبة عليه، ومليشيا الدفاع الوطني من أبناء المحافظة، مرجحاً أن يكون اغتيال البلعوس قد تم من قبل النظام من أجل تسريع عملية هذا التحول.
ولفت الناشط نفسه إلى أن آلية تعاطي النظام مع الاغتيال والأحداث التي تلته، سواء لناحية انسحابه من مؤسسات الدولة من المحافظة وتسليمها فيما بعد لشخصيات من المحافظة، أو لناحية اتهام شيخ من الطائفة بحادثة الاغتيال، تشير إلى أن النظام ذاهب الى تطبيق تجربة الإدارة الذاتية في شمال سورية على محافظة السويداء.
وفي هذا الإطار، بينت مصادر من مدينة السويداء أنه "لم يعد للأجهزة الأمنية بعد حادثة الاغتيال، أي دور في المحافظة، إلا ما يطلب منها من قبل مشايخ العقل المحسوبين على النظام، فهي لم تعد تتدخل بأي إشكال في المحافظة، فيما يتصاعد دور المشايخ في الإمساك بزمام أمورها، والتحكم بمفاصل المؤسسات الخدمية وحتى الأمنية فيها".
ولفتت المصادر التي فضلت عدم كشف هويتها بالاسم، إلى أن المشايخ في السويداء ألقوا القبض خلال الأيام القليلة الماضية على نحو 20 شخصاً يتنكرون بملابس مشايخ الموحدين، يقومون بعمليات سرقة للمحال التجارية وهم مسلحون ومن خارج المحافظة، ولدى تسليمهم للأجهزة الأمنية، تم إطلاق سراحهم بعد ساعات، ما يثبت سعي الأمن لزعزعة الاستقرار في المحافظة وتخريبها لمساعدة النظام على التحكم بها من خلال أزلامه فيها.
وقالت المصادر إن "القوى الفاعلة في السويداء تواجه اليوم، خيارات صعبة؛ ففي الوقت الذي يعمل فيه النظام على فصل المحافظة عن محيطها السوري واستخدامها كورقة للمساومة الدولية تحت شعار حماية الأقليات، تبقى الخيارات محدودة جداً أمام أبناء المحافظة".
وتوقعت المصادر أن "تزداد عمليات الاغتيال لشخصيات من المحافظة من الموالين للنظام أو المعارضين له، بهدف خلق صراعات داخلية، تحول دون خروج المحافظة عن السيطرة بشكل كامل"، معربة عن اعتقادها بأن "تشهد المحافظة خلال الفترة المقبلة تغيرات جذرية، إن كان على الجانب العسكري أو المدني".
يشار إلى أن السويداء شهدت قبل أيام اختفاء رئيس اللجنة الأمنية فيها أمين فرع حزب "البعث العربي الاشتراكي" والشاهد على اعترافات وافد أبو ترابي، المتهم باغتيال البلعوس، شبلي جنود، وتم العثور على سيارته محروقة على طريق السويداء صلخد، في ظل تضارب أنباء عن مقتله، دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية.
اقرأ أيضاً: وحيد البلعوس... حافظ كرامة السويداء في وجه النظام السوري