السوريون في عيون مصرية

15 يونيو 2019
+ الخط -
مظاهرة حب جارفة أقامها المصريون لأشقائهم السوريين خلال الأيام الماضية، رداً على بوادر حملة معادية، وذلك على الرغم من اختلاف الأسباب والأهداف لهذا الموقف، وللناس في عشقهم مذاهب. تبارى رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالكتابة على الوسم المتصدّر "السوريين منورين مصر" عن أسباب ترحيبهم بالسوريين، والتي شملت دواعي الأخوة العربية والإسلامية، أو لخصوصية العلاقة بين الشعبين اللذين كانا يوما شعباً واحداً في بلد واحد، أو كذلك لخصوصية تعامل اللاجئ السوري، إذ تعدّدت أمثلة تأكيد الانطباع الإيجابي بأن السوريين قوم يفضلون العمل على التسوّل، وهم يهتمون بالإتقان والنظافة والمعاملة الطيبة، وقد أسهموا إيجابياً في رفع مستوى قطاعات الصناعات الغذائية والملابس، فضلاً عن مناوشات من تغزّل فتيات مصريات بوسامة الشبان السوريين، أو مكايدة مصريين قريناتهم لجمال السوريات.
تفيد الأرقام بأن مصر استقبلت نصف مليون سوري، منهم 120 ألفاً مسجلون لدى المفوضية العليا للاجئين. وقال تقرير للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن استثمارات السوريين المباشرة بلغت نحو 800 مليون دولار من 2012 إلى 2016.
على الجانب الرسمي تبارى أعضاء مجلس النواب أيضاً في امتداح السوريين، والرد على "الحملة المغرضة"، سواء لأسباب معنوية، أو اقتصادية، كالنائب طارق متولي من لجنة الصناعة الذي قال إن السوريين في مصر يشملون نحو ثلاثين ألف مستثمر، واعتبر أن الحملة قد يقف وراءها "تجار فشلوا في مجاراة النجاح السوري على أرض مصر".
ويعد الموقف من السوريين أحد الأمور النادرة التي لم تتغير في مصر الرسمية في السنوات الأخيرة، ففي عام 2012 صدر قرار بمعاملة السوريين كالمصريين تماماً في خدمات التعليم والصحة مدة عام، وهو القرار الذي يتم تجديده سنوياً. وفي هذا الجانب واقعيا، اشترك الشعبان الشقيقان في أزمات مستوى الخدمات الحكومية المجانية، وعرف السوريون طريق المستشفيات والمدارس الخاصة، وعملوا فيها كذلك أطباء ومدرّسين.
وانعكس هذا الموقف الرسمي أيضا تصريحات إيجابية ذات أغراض توجيهية، فشهدنا المذيع أحمد موسى يقول إن نجاح مشاريع السوريين دليل على عدم وجود أزمة البطالة في مصر، وإن كل من لا يعمل هو بالضرورة من لا يريد العمل! وبالمثل، حين سُئل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن السوريين، رجب بهم، مؤكّداً أن السوريين معنا "في بلدهم"، وأن مصر لا تقيم أبداً معسكرات لاجئين كالدول الأخرى، بل نرحّب بهم وسطنا، وكان حريصاً على الحديث عن السوريين بالعموم من دون ذكر حرفٍ عن مؤيدي بشار أو معارضيه. وفي موقف آخر، كرّر التصريحات نفسها، مؤكداً أننا على الرغم من إمكاناتنا القليلة لكننا "سنقتسم الموجود".
على الرغم من هذه الإيجابية، خصوصاً إذا قورنت بتصريحات مسؤولين عرب آخرين، وما وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، ببعيد، ولكن مشاهدة المقاطع الكاملة تُرينا كيف يتحدّث الرئيس السيسي بعدها مباشرة للمصريين، طالبا التعلم من تجربة السوريين للحفاظ على الدولة المصرية، وأننا لا نريد أن نكون "أمةً من اللاجئين"، في توظيف متكرّر للمأساة السورية فزاعة للمصريين لتأييد النظام الحاكم.
ومن زاوية مختلفة، تبدو منطقية مساءلة مشاعر المصريين نحو اللاجئين بالعموم، فماذا لو كانوا بجنسيات أو صفات أخرى؟ في عام 2005، حدثت مذبحة مروعة ضد طالبي لجوء من جنوب السودان، وسط تجاهل أو ترحيب شعبي. وهناك من تحدث عن روائحهم الكريهة في ميدان مصطفى محمود، أو عن أنهم سيئو الأخلاق شاربو خمور، وما زالت تحدث وقائع العنصرية ضدهم. على الرغم من هذه الاعتبارات، بالتأكيد يظل الوضع الحالي إيجابيا، ولكن ينبغي البناء عليه، سواء لصالح تحسين ظروف السوريين في مصر، وخصوصا إجراءات الإقامة وتصريح العمل، أو لتطوير أفكار المصريين ورؤيتهم نحو كل اللاجئين، أيا كان لونهم أو دينهم أو طبقتهم الاجتماعية، ولا مانع، بالطبع، حينها من انحياز عاطفي خاص لمن يشتركون بقومية عربية، تُبنى على يد الشعوب، لا الحكام.