لا بد من الاعتراف أولاً، وأياً بلغت مرامي المعارضة التركية، من تشويه صورة السوريين بتركيا والغمز في قناة سياسة "العدالة والتنمية" للباب المفتوح. تركيا عاملت السوريين ولم تزل حتى اليوم، أفضل من أي دولة، شقيقة وصديقة، فهي استقبلت الجميع ومنذ مطلع القتل والتهجير اللذين اتبعهما نظام بشار الأسد عام 2011، كسياسة للرد على طالبي الحرية والكرامة. بل وسهلّت العمل وقدمت وعلى جميع الصعد، ربما ما لم يجده السوريون في بلدهم، حتى قبل الثورة.
بيد أن ما بات لدى المعارضة التركية نهجاً، يثير الحفيظة والأسئلة بآن، فمنذ الانتخابات البرلمانية عام 2015، حاول رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كليتشدار أوغلو، رمي أزمات بلاده - طبعاً إن وجدت - على عاتق السوريين، وحمّلهم وزر ارتفاع نسبة البطالة. بل وهدد بطردهم بحال نجاح حزبه بالانتخابات وقتذاك، وباستعادة العلاقات مع نظام الأسد.
بالأمس، أعادت رئيسة حزب "الجيد" أميرال أكشنار، النغمة ذاتها وأشارت إلى أن وجود السوريين ببلادها، ترك أثراً سلبياً على الاقتصاد، ووعدت بأن يفطر السوريون مع أهلهم بسورية، خلال رمضان المقبل، وعابت خلال برنامج حزبها الانتخابي، نهج الرئيس رجب طيب أردوغان وإيواءه اللاجئين السوريين، ووصفت سياسته بالخاطئة.
دونما تدقيق بالأرقام، ومن أين أتى المرشح الرئاسي بالأربعين ملياراً، إن كان رئيس الدولة قد قال ببريطانيا قبل يومين، إن ما تم صرفه على السوريين هو 31 ملياراً، وهل هذا الرقم الهائل كله من تركيا، أم ثمة ما أتى من الأمم المتحدة والدول المانحة والمساعدات الدولية.
قصارى القول: ربما نتهم بالمبالغة إن قلنا للسادة، مرشحي المعارضة بتركيا، إن السوريين ومنذ دخولهم تركيا عام 2011، أضافوا لمساتهم على الاقتصاد، عبر زيادة الإنتاج والتصدير، بل وأكسبوا حتى الأتراك، نمطهم الاستهلاكي وباتت السلع والمنتجات السورية، موضع منافسة لمثيلاتها التركية، بل وبعضها مفضل من الأتراك أنفسهم.
لذا سنأتي على بعض التصريحات الرسمية، علّ فيها، بعض ما يوضح لرؤساء الأحزاب، من هم السوريون بتركيا، طبعاً غير متنكرين لبعض الإساءات والتجاوزات، بل وحتى حالات الإجرام، إذ نعتقد أن ذلك الشواذ حالة طبيعية ضمن نحو 4 ملايين سوري يعيشون ظروفاً قاسية وبدأوا يفقدون الأمل بسوريتهم والعودة إليها، كما اعتبرنا سابقاً، أن تجاوزات بعض الأتراك وإجرامهم بحق السوريين، شواذاً.
يقول رئيس جمعية رجال أعمال النسيج في عثمان بيه، إيلكر قره طاش، "الانتخابات وحملاتها شغلت جدول أعمال تركيا لفترة طويلة، ضعف خلالها التركيز على الاقتصاد، وبالتالي تباطأت عجلة الاقتصاد، وكان من الممكن رؤية لافتات "محل للإيجار" معلقة على الكثير من محلات عثمان بيه.
ولكن ومع دخول السوريين إلى عثمان بيه في السنوات الأخيرة، بدأ السوق يشهد انتعاشًا بسبب تشغيل السوريين للمحلات التي كانت فارغة لفترة طويلة، وتقديمهم إضافة نوعية في الموديلات والبضائع، وجذبهم شريحة جديدة من الزبائن، مما أدى إلى تنشيط حركة السوق".
ويقول المنتدى الاقتصادي السوري الذي يُعنى بتنمية مبادرات الأعمال بين أفراد الجالية السورية، تم تسجيل أكثر من 6500 شركة أنشأها أو ساهم في تأسيسها سوريون على الأراضي التركية منذ 2011، وإن هذا العدد يتجاوز العشرة آلاف إذا تم احتساب القطاع غير الرسمي، ويوجد أكثر من 1250 شركة سورية مسجلة لدى غرفة التجارة والصناعة في غازي عينتاب فقط.
ولا تبتعد منصة الاقتصاديين، التي تشرف على برنامج تحسين وضع السوريين في تركيا، خلال تقريرها عن الآثار الاقتصادية للسوريين في تركيا، إذ تشير إلى أن المستثمرين السوريين استثمروا أكثر من 360 مليون دولار في تركيا، من خلال مساهمتهم في الاقتصاد خلال السنوات الست الماضية، وبلغ عدد الشركات التي تم تأسيسها بشراكة السوريين في عام 2016 ألفاً و800 شركة، ونحو ألفي شركة العام الماضي.
وذكر التقرير أن مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي عام 2014 بلغت 90 مليون دولار، و84 مليون دولار في 2015، و80 مليون دولار في 2016، فضلاً عن نحو 90 مليون دولار عام 2017.
بل ويتصدر السوريون قوائم الأكثر استثماراً بتركيا منذ ثلاث سنوات والأكثر حصولاً على أذونات العمل، وتشكل شركات السوريين في تركيا 14 في المائة من إجمالي رأس المال الأجنبي بين عامي 2011 و2017، وحلّ السوريون في المركز الأول لجهة الحصول على تصاريح العمل في تركيا عام 2017، بعد أن حصل نحو 21 ألف سوري على أذون عمل بنسبة 24% من مجمل ما منحته وزارة العمل والضمان الاجتماعي.
خلاصة القول: رغم يقيننا أن السادة المعارضين بتركيا، يستخدمون السوريين كـ"ورقة انتخابية" ليس إلا، إذ لا يحق لهم ولا لغيرهم، طرد السوريين الموجودين بتركيا، كما بالعديد من دول العالم، وفق قانون الحماية المؤقتة أو قانون اللجوء، ولا يمكن حتى أن يطلبوا منهم العودة، وليس الطرد، قبل أن يستتب الأمن ببلدهم.
هذا إن لم نعامل المعارضة التركية بالمثل، من استفزاز وإثارة، ونؤكد لها وفق ما أوردنا من أرقام، أن السوريين سيتركون ثغرة بالاقتصاد التركي وغير الاقتصاد، إن غادروا بلادهم فهم ليسوا عالة بل إضافة، وهم ينفقون وينتجون أكثر مما منحتهم تركيا.
ولتعد المعارضة لسجلات بلدها لتعرف أن أقل من 9% من السوريين بتركيا، يقيمون بمخيمات ويتلقون مساعدات بسيطة من تركيا ودول أخرى، وباقي التسعين في المائة، موزعون على المدن والولايات، يعملون بأجور وشروط أقل من الأتراك ويساهمون إلى جانب دولة وحزب ورئيس استضافهم واعتبرهم "مهاجرين والأتراك أنصاراً" بالاقتصاد والوصول لحلم تركيا خلال المئوية المنتظرة.