استمع إلى الملخص
- يحذر خبراء الاقتصاد من أزمة طويلة الأمد في لبنان مع تأثر القطاعات الاقتصادية، وتُبذل جهود محلية ودولية لتقديم مساعدات للمتضررين.
- تتفاقم الأزمات مع استمرار العدوان، حيث تراجعت الحركة الاقتصادية وزادت البطالة والفقر، مما يتطلب دعمًا دوليًا أكبر في ظل غياب قيادة سياسية فعالة.
كانت المهندسة المدنية فرح من جنوب لبنان تعمل في شركة منذ سنوات، وكان حلمها تحقيق الأفضل من خلال عملها، لكن في لحظة واحدة، انقلبت حياتها رأساً على عقب، حيث لم يترك العدوان الإسرائيلي فرصة للعيش إذ فقدت عملها وأصبحت حياتها مهددة، مشيرة إلى أنه لم يكن لديها خيار سوى الهروب مع العائلة، إلى مكان آمن.
وأضافت: كان لي منزل وعمل، ولكن كل شيء قد انهار من حولي، موضحة أنها ليست فقط خسارة وظيفة، بل خسارة لحلم وحياة بأكملها.
أما مالك الذي كان يدير مطعماً صغيراً في صور يعمل به 10 أشخاص من أبناء المنطقة، فقال إنهم في البداية، حاولوا الاستمرار رغم القصف المتقطع، لكن عندما اشتد العدوان، اضطروا إلى إغلاق المطعم.
وأعطى الموظفين نصف رواتبهم لفترة، لكنه لم يتمكن من الاستمرار طويلاً، الآن الجميع بلا عمل، وهو عاجز عن دفع الإيجار أو إعادة فتح المشروع قريباً.
قصص تكشف حجم المعاناة
قصص مثل تلك التي ترويها فرح، أو مالك، تكشف حجم المعاناة الفردية التي تعكس أزمة وطنية شاملة. وفي ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان، يعيش اللبنانيون أزمة إنسانية واقتصادية خانقة تفاقمت مع تدمير البنية التحتية وتشريد مئات الآلاف من العائلات من الجنوب والبقاع. لم تكن آثار الحرب محصورة في المناطق المستهدفة فقط، بل امتدت تداعياتها إلى مختلف القطاعات في البلاد، حيث أُجبر أصحاب الأعمال على إغلاق مشاريعهم، كما تزايدت معدلات البطالة في ظل تعطل المؤسسات وفقدان آلاف الأشخاص لوظائفهم.
ومع غياب حلول فورية أو دعم دولي كافٍ، يُحذر خبراء اقتصاد من أن لبنان قد يواجه أزمة طويلة الأمد، خاصة إذا استمر العدوان، مما يضع البلاد أمام تحديات غير مسبوقة، تتطلب جهودًا محلية ودولية لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية عن الفئات الأكثر تضررًا.
وفي سياق متصل، أفاد رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، بأن ما يحدث في جنوب لبنان يمثل مأساة إنسانية، حيث أدى نزوح أكثر من مليون شخص من الجنوب والبقاع وبيروت إلى تحميل الطبقة العمالية أعباء كبيرة. وأوضح أن هناك أشخاصًا فقدوا أعمالهم نتيجة تدمير المؤسسات، وآخرين خسروا وظائفهم بسبب توقف المؤسسات، في حين تعرّض البعض للصرف التعسفي. وأضاف أن ظروف الحرب ألقت بظلالها حتى على المناطق التي تُعد آمنة نسبيًا، مثل مراكز الإيواء. وأشار الأسمر إلى أن جميع القطاعات تأثرت بنسب متفاوتة؛ فالقطاع السياحي تكبّد خسائر كبيرة، وتوقفت الفنادق والمطاعم جزئيًا عن العمل. كما توقّف القطاع الزراعي في أجزاء واسعة، حيث تتعرض المزروعات للتلف بفعل القنابل الفوسفورية التي يلقيها العدو ضمن سياسة إبادة منظمة.
أما القطاع الصناعي، فقد تأثّر بدرجة أكبر، في حين أن القطاع التجاري يكاد يكون متوقفًا بالكامل، سواء في المناطق المستهدفة أو في أماكن اللجوء. وأوضح الأسمر أن التجارة تراجعت بشكل كبير، خاصة تجارة الألبسة والمفروشات، إضافة إلى تجارة مواد البناء، التي تضم 35 مادة مختلفة، ما يؤثر على 35 مهنة مرتبطة بها.
وأكّد أنه لا توجد حتى الآن إحصائيات دقيقة عن عدد العمال المتضررين نتيجة النزوح، لكن وفق تقدير معدل العائلة بخمسة أفراد، يمكن القول إن هناك بين 200 و300 ألف عامل يواجهون مشاكل في العمل، سواء بشكل جزئي أو كلي.
وأضاف أن بعض المؤسسات لجأت إلى دفع الرواتب بشكل جزئي، وأشار إلى أن الاتحاد العمالي العام دعا العمال الذين يواجهون مشاكل في هذا الصدد إلى مراجعة الاتحاد لحل النزاعات مع أصحاب العمل.
وأوضح أن هناك تواصلًا مستمرًا مع رئيس الهيئات الاقتصادية، محمد شقير، وأن هناك نية إيجابية لمعالجة الأوضاع بقدر المستطاع.
خطط للدعم والمساعدات في لبنان
وذكر الأسمر أن الاتحاد طلب من رئيس مجلس الوزراء، نجيب ميقاتي، إعداد إحصائيات دقيقة بالتعاون مع منظمات معترف بها قانونيًا، تمهيدًا للمعالجة.
كما اقترح تنفيذ خطط دعم تشمل تقديم مساعدات مادية من المنظمات الدولية إلى جانب المساعدات العينية للعمال المتضررين. وأوضح أن وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال برنامج دعم الاسر الأكثر فقرا قد بدأت بالفعل بمساعدة 30 ألف عائلة، وتوسعت إلى 70 ألفًا، مع خطط للوصول إلى 150 ألف عائلة من خلال منح مالية شهرية تتراوح بين 75 و120 دولاراً.
وأشار الأسمر إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتنسيق مع البلديات ومنظمات المجتمع المدني، يمكنها إعداد إحصائيات دقيقة، إلى جانب الإحصائيات التي تقوم بها لجنة الطوارئ تحت إشراف رئيس الحكومة. وأكّد الأسمر أن تقديم المساعدات المالية من قبل المنظمات الدولية قد يكون حلاً جزئيًا وبسيطًا للأزمة الحالية، مشيرًا إلى أن الوضع الأمني يتدهور يوميًا، وأن العمال يعانون من صدمة ويحتاجون وقتًا لترتيب أوضاعهم، سواء في مراكز الإيواء أو في المناطق التي نزحوا إليها وشدد أن العمال يدفعون ثمن الحرب. كما لفت إلى أن العديد من المؤسسات الكبرى، وخاصة الأسواق التجارية والمعامل، قد تضررت كليًا بسبب الاستهداف المباشر لها، ما يستدعي إيجاد حلول بين المؤسسات والعمال، الذين يُعتبرون من الفئات الأكثر هشاشة. وأوضح أنه قد يكون من الممكن تقديم مبالغ شهرية تتراوح بين 300 و400 دولار للعمال، على غرار ما يحصل عليه اللاجئون السوريون من المنظمات.
وفي ما يتعلق بالقطاع العام، أشار الأسمر إلى أن هناك مخاوف من عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها، وخاصة العسكريين والمتقاعدين، بعد توقف مداخيلها وتراجع المواطنين عن دفع المستحقات، خاصة في المناطق المتضررة.
وأكد أن رواتب الموظفين مؤمّنة في المدى القريب، لكنه أثار تساؤلات حول قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها مستقبلاً. وختم بالتأكيد أن الحل الوحيد يكمن في وقف إطلاق النار، لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى تفاقم المشاكل في القطاعين العام والخاص على حد سواء.
شلل الحركة الاقتصادية
من جانبه، صرّح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لـ "العربي الجديد" بأن تداعيات الحرب سلبية للغاية على البطالة، وعلى دوران العجلة الاقتصادية، وعلى مختلف القطاعات. وأوضح أن هذه التداعيات تؤدي إلى تسريح الموظفين، لا سيما في المناطق الساخنة التي تتعرض للقصف اليومي، ما تسبب في نزوح أكثر من مليون شخص. ونتيجة لذلك، توقفت الحركة الاقتصادية تمامًا، وأصبحت نسبة كبيرة من النازحين بلا عمل قسرًا، حيث فقدوا مصادر دخلهم، سواء من متاجر، وظائف، أو أعمال خاصة، مشيرا إلى أن هذه الأزمة تمثل ضربة مباشرة للاقتصاد.
من جهة أخرى، أشار أبو سليمان إلى التأثير غير المباشر على سوق العمل، مستشهدًا ببيروت حيث انخفضت حركة المطاعم بنسبة تتراوح بين 50 و60%. كما أصبحت المطاعم تعمل خلال النهار فقط، ما دفع بعضها إلى تسريح موظفيها، وأضاف أن الحركة التجارية باتت مقتصرة على الإنفاق على الضروريات في جميع المناطق، في حين انخفض استهلاك الكماليات، إذ أصبح الناس يركّزون على الأساسيات نظرًا لوضع البلاد في حالة حرب. وأوضح أبو سليمان أن العديد من المتاجر اضطرت إلى تسريح موظفيها بسبب عجزها عن تحمل الأعباء التشغيلية، بما في ذلك دفع الرواتب.
وبيّن أنه في مثل هذه الظروف، يتقلص الاقتصاد بنحو 20%؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان الإنتاج 20 مليار دولار، فإنه ينخفض إلى 16 مليارا. وأكد أن حجم الاقتصاد يرتبط بخلق فرص العمل؛ وكلما تقلّص، ارتفعت معدلات البطالة، وانخفض دخل الفرد، مما يؤدي إلى زيادة الفقر. وأشار إلى أنه لا يمكن حتى اللحظة تحديد نسبة البطالة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
كما أوضح أن الحركة التجارية تراجعت بنسبة 50%، في حين أن القطاع السياحي، الذي كان يدر نحو 3.5 مليارات دولار سنويًا، يشهد الآن ركودًا كبيرًا بسبب التوترات الأمنية.
وأضاف أن الموسم الزراعي في لبنان تراجع بشكل ملحوظ نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الزراعية، لا سيما في البقاع والجنوب، علمًا أن القطاع الزراعي يشكّل 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وتابع أبو سليمان أن الأضرار والخسائر الحالية تفوق تلك التي شهدها لبنان خلال حرب 2006، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه اليوم سياسة تدمير شامل، حيث تُقدَّر الخسائر حتى اللحظة بأكثر من 7 مليارات دولار. وفي ختام حديثه، حذّر من أن الأمور ستزداد تعقيدًا إذا لم يتمكن لبنان من الحصول على مساعدات دولية، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون.
تهاوي النمو يفاقم البطالة
بدورها، أكّدت الخبيرة الاقتصادية والاجتماعية، حنين السيد، أن النمو الاقتصادي من المتوقع أن يكون سالبا، ولا يمكن تحديده بدقة في الوقت الراهن. وتوقّعت أن يتراجع النمو الاقتصادي بنسبة تصل إلى 10% خلال هذا العام. وأشارت إلى أن البنك الدولي والمنظمات المعنية لم تصدر حتى الآن أي تقرير رسمي عن تقديرات النمو، لكنها رجّحت أن تُنشر تقديرات عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خلال هذا الأسبوع، عقب الاجتماعات المنعقدة في واشنطن.
وأضافت السيد أن هذه التراجعات ستنعكس بشكل مباشر على سوق العمل وترفع معدلات البطالة. كما أوضحت أن نحو 350 ألف عائلة من اللاجئين السوريين قد عادوا إلى بلادهم، ما قد يخفف بعض الأعباء، لكن من الضروري الانتباه إلى أن 70% من العائدين هم من النساء والأطفال دون سن 18 عامًا، بينما لا يزال الكثير من أرباب الأسر يحاولون العثور على فرص عمل في لبنان، مما يعني أن الوضع في سوق العمل سيظل تحت ضغط سلبي.
وبيّنت أن العديد من الشركات الخاصة بدأت تعاني من عجز نسبي في التعامل مع موظفيها، بسبب القلق من استمرار العدوان، ما يهدد بزيادة عجزها عن دفع الرواتب.
المؤتمر الدولي في باريس
وتطرّقت السيد إلى المؤتمر الدولي في باريس والذي عقد أمس الخميس بهدف جمع نحو 500 مليون يورو لمساعدة النازحين اللبنانيين، مشيرة إلى أنه يهدف إلى توفير مساعدات إنسانية للبنان. لكنها أعربت عن اعتقادها بأن المساعدات المتوقعة قد لا تكون كافية مقارنة بحجم الاحتياجات والخسائر الكبيرة. كذلك تشدد السيد على أن الأمم المتحدة قدّمت 26 مليون دولار، وهذا ليس كافيا لأن حجم الأضرار والخسائر غير محدد. لذا، حتى لو نجح مؤتمر باريس، فقد تكون قيمة المساعدات غير كافية، خاصة في ظل غياب رئيس للجمهورية، ما يضيف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد. وأعربت السيد عن عدم تفاؤلها في هذا الصدد. وأفادت بأن جميع القطاعات الاقتصادية تأثرت سلبًا بسبب الحرب، ولا سيما القطاع الزراعي، الذي توقّف عن الإنتاج في الجنوب والبقاع. كما تضرر القطاع السياحي، الذي يُعدّ أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني. ولفتت إلى أن هناك قطاعًا صناعيًا صغيرًا كان يسعى إلى الانطلاق، لكن ظروف الحرب حالت دون ذلك، مشيرة إلى أن بعض الأفراد ما زالوا يحاولون تصريف منتجاتهم والاستمرار في العمل رغم التحديات.