حقق الإضراب العام في السودان، خلال ساعاته الأولى، نجاحاً نسبياً، بعد مشاركة قطاعات واسعة ومهمة فيه، مثل المستشفيات والصيدليات والطيران والكهرباء والبنوك وشركات الاتصال.
وشهدت حركة مرور السيارات في شوارع الخرطوم انخفاضاً كبيراً اليوم مقارنة بالأيام الماضية، خصوصاً أيام آخر شهر رمضان الكريم.
المواصلات
وتوقفت تماماً خدمات الميناء البري، جنوب الخرطوم، وهو الميناء الذي يسير رحلات الحافلات إلى الولايات، فيما أغلقت المحلات التجارية بمعظمها أبوابها، خاصة في وسط الخرطوم، وعلق بعضها ملصقات تنبه العملاء إلى المشاركة في الإضراب، كما شهد شارع الحرية بالخرطوم، حيث محلات مواد الكهرباء والإلكترونيات، إغلاقاً واسعاً لمحلاته، بينما واصل الأطباء الإضراب المعلن منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وكان لافتاً الإغلاق بنسبة أكبر للصيدليات.
وتحدث عيسى سعيد الذي يعمل وسيطاً لجلب الزبائن، من أمام شارع مكتظ بمكاتب الحجوزات الموصدة، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن التزام أصحاب المركبات السفرية بالإضراب "غير مسبوق".
وأضاف: "نأمل أن يعود الإضراب بالخير على قطاع النقل في البلاد، وأن ينهي كثيراً من المظاهر السالبة التي سادت في النظام البائد وعلى رأسها فرض المكوس والضرائب العالية التي تساهم في رفع أسعار التذاكر بشكلٍ كبير".
وأبدت ريم قدال، وهي مسافرة إلى ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم، تفهمها لإضراب مكاتب النقل، وأعربت في حديثها مع "العربي الجديد" عن أملها في أن تقود الخطوة لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية قوامها صناع الثورة.
وكان ملاحظاً على نحو واسع تفهم المسافرين دواعي الإضراب بهدوء ومن غير احتجاجات، على أمل عودتهم لمحاولة السفر بعد نهاية الإضراب يوم الخميس المقبل.
في موازاة ذلك، رصد "العربي الجديد" انتعاشاً للمركبات الخاصة من نوعية نصف النقل في السفر بين الخطوط الداخلية، مع زيادة طفيفة في التعرفة.
وعن سر عدم التزامهم بالإضراب، أجاب مساعد عثمان، أثناء شحن مركبته المتجهة إلى مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة، بأنه لا يعقل أن تشل حركة المرور بين الولايات، خاصة أن بعض الركاب تحملهم حاجة ماسة للسفر والتنقل، لا سيما مع اقتراب عيد الفطر المبارك.
وتابع في حديثه مع "العربي الجديد": "نحاول نوعاً ما ملء الفراغ الذي تركته شركات النقل الكبيرة وأصحاب الحافلات، حتى لا يضطر المواطن إلى اللجوء إلى خيار استئجار مركبات خاصة بمبالغ كبيرة".
وأغلق عدد كبير من صيدليات جنوب وشرق الخرطوم أبوابه بالكامل، وعلقت لافتات مؤيدة للإضراب، وتنادي بالمدنية. وكانت لافتة مشاركة صيدليات حكومية في الإضراب، مثل صيدلية "التميز".
وأغلق مكتب شركة "أم. تي. أن" للاتصالات، فرع الميناء البري، أبوابه بالكامل أمام عملاء الشركة.
شركات الطيران
أما التأثير الأكبر، فقد حدث نتيجة لإعلان شركات الطيران الوطنية إضراباً بالكامل. وتقول الموظفة بشركة "تراكو"، هدى تاج السر، إن شركتها كانت من أولى الشركات التي نفذت الإضراب في الساعات الأولى من صباح اليوم، مؤكدة أن كل أفرع الشركة نفذت الإضراب بنسبة 100 في المائة، وأن مشاركة موظفي الشركة في الإضراب جاءت إيماناً منهم بمبادئ الثورة ومطلبها بقيام حكومة مدنية.
أما زميلتها خديجة فأكدت أنها شاركت في الإضراب من أجل أن تتقدم البلاد إلى الأمام، وإنهاء الفساد الذي ظل منتشراً في ظل النظام البائد.
وتؤكد أريج أكرم أن قطاع الطيران، ممثلاً في شركات "نوفو" و"تاركو" و"بدر"، بادر بتنفيذ الإضراب كوسيلة حضارية لتحقيق المطالب من أجل سودان جديد يسود فيه السلام والحرية والعدالة.
البنوك
وعلى الرغم من ذلك، لوحظ داخل فرع بنك التضامن الإسلامي بالسوق العربي سير العمل بصورة طبيعية دون أي تأثر بالإضراب، في حين رفض نائب مدير فرع البنك الذي حاول "العربي الجديد" استيضاح موقفه الإدلاء بأي حديث، غير أن عاملين في رئاسة بنك التضامن نظموا وقفة احتجاجية بشارع البلدية وشارك بعضهم في الإضراب.
وبحسب مصادر في بنك السودان المركزي، فإن إضراب عدد كبير من العاملين تسبب في توقف المقاصة في الساعات الأولى من الإضراب، فضلاً عن حدوث ربكة كبيرة بسبب إضراب جميع العاملين بالخزنة المركزية، كما تأثرت الشبكة الداخلية في رئاسة البنك.
وبحسب بيان نشر على صفحة تجمع المهنيين، فإن قوة عسكرية فرضت حصارا على مباني بنك السودان فرع الخرطوم وشركة الخدمات المصرفية الإلكترونية عند تقاطعي شارعي البلدية وكلية الهندسة جامعة الخرطوم، وأشار إلى أن الموظفين "تصدوا ببسالة" للقوة التي كانت تحاول إجبار الموظفين على معاودة العمل وفتح الخزنة المركزية، وأقدمت على تهشيم هواتف لاثنتين من الموظفات لمنع التصوير.
وحذر البيان المجلس العسكري وكل قواته ولجانه من المساس بسلامة أي موظف مضرب.
ويقول الموظف في بنك الخرطوم صلاح الدين أيوب إنه يشارك في الإضراب للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية غير عسكرية، ولتحقيق حلمه بتعليم وسكن وعلاج أفضل له ولأسرته، إضافة إلى المطالبة بالقصاص لدم الشهداء من المتظاهرين والمحتجين والمعتصمين خلال الأشهر الماضية، ومحاسبة النظام السابق على الجرائم التي ارتكبها في الثلاثين عاماً الماضية، مؤكداً أن الشعب السوداني لا يريد تكرار تجربة حكم البشير مرة أخرى، بالسماح بحكم عسكري جديد.
وشملت قوائم البنوك المضربة كلاً من البنك العقاري وبنك العمال المصري السوداني وفيصل الإسلامي، وبنوكاً أخرى. كما دخل العاملون في "بنك السلام" في إضراب عن العمل، وحملوا لافتاتٍ "أنا مصرفي.. أنا مضرب من أجل شهداء الثورة".
الكهرباء
وخلال جولة داخل مكتب مبيعات خاص بشركة الكهرباء السودانية، شمال الخرطوم، لوحظ أن العمل كان متوقفاً تماماً. ويقول أحد الموظفين، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إنهم استجابوا لدعوة الإضراب الصادرة من النقابة الخاصة بالعاملين في الشركة، مشيراً إلى أن كل العاملين في الشركة يشاركون في الإضراب، فيما علقت سيارات الطوارئ الخاصة بشركة الكهرباء الحكومية ملصقات الإضراب العام مع الاعتذار للمشتركين.
وفي تطور لاحق، أصدر تجمع المهنيين بقطاع الكهرباء بيانا، قال فيه إن فلول النظام السابق قاموا بمحاولات عدة لإفشال إضراب قطاع الكهرباء عامة وإفشال إضراب شركة التوزيع على وجه الخصوص.
وأوضح البيان أن قوة من الدعم السريع اعتقلت مهندسي وفنيي وموظفي مكتب توزيع الرياض واقتادتهم لجهة غير معلومة، مشيراً إلى تهديد الكثير من مديري مكاتب التوزيع الفرعية في حال مواصلة الإضراب، فضلا عن رفع السلاح في بعض مكاتب الخرطوم وإجبار الصيارفة على بيع الكهرباء بواسطة الدعم السريع.
وأضاف البيان أنه تم نزع الملصقات المعلنة عن الإضراب، لإجبار قسم الحسابات بالرئاسة على صرف رواتب العاملين.
وأكد تجمع العاملين بالكهرباء تمسكهم بالسلمية، "مذكرا الجميع وأولهم قوات الدعم السريع بأنهم يمتلكون سلاحاً أكبر من سلاحكم، ومليون رصاصة منكم لا تساوي ضغطة زر منّا".
وطالب البيان جميع العاملين بالمكاتب الفرعية بإخلاء المكاتب فوراً، والالتزام بتوجيهات مديري المكاتب وموجهات الإضراب التي تمت بواسطة اللجنة، والتوجه فوراً لمكتب توزيع الرياض.
أما العاملون في الهيئة القضائية بولاية الخرطوم فلم يكتفوا بالإضراب، بل تحركوا في موكب شارك فيه العشرات للمطالبة بحكومة مدنية، منددين بتمسك المجلس العسكري بالسلطة والتعنت في تسليمها إلى حكومة مدنية.
المواطن معاذ حسن (43 عاماً)، الذي لم يتمكن من شراء حاجته من الكهرباء، قال لـ"العربي الجديد"، إنه لم يتذمر من عدم حصوله على ما يريد، لأن الإضراب ظاهرة صحية، خاصة في ظل وجود مماطلة في عملية التفاوض الجارية بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير.
وشارك عمال مكاتب الكهرباء بفاعلية في الإضراب، وألحق موظفو فرع "عبيد ختم" إضرابهم بهتافاتٍ تنادي بالسلطة المدنية.
وداخل فرع لشركة "زين" للاتصالات عمّ الإضراب بتوقف الموظفين عن العمل تماماً في خدمات (الكول سنتر). وأكدت موظفة رفضت ذكر اسمها لـ"العربي الجديد" أن نسبة كبيرة من العاملين في الشركة شاركت في الإضراب.
الموانئ
وخارج الخرطوم، نفذ تجمع عمال هيئة الموانئ البحرية الإضراب بصورة واسعة. وقال بيان من التجمع نشرته صفحة تجمع المهنيين إنه تم عمل الترس البحري مع بداية العمل والوردية الأولى الساعة الخامسة صباحاً، وأكد البيان مواصلة العاملين الإضراب حتى يتم رفعه غداً الأربعاء.
ويقول الصحافي عبد القادر باكاش، المقيم في مدينة بورتسودان لـ"العربي الجديد"، إن ربكة حدثت في تشغيل الميناء الجنوبي الذي ينقل الحاويات، بسبب إضراب عدد كبير من العاملين، مشيراً إلى أن الإضراب في مدينة بورتسودان شمل عدداً كبيراً من البنوك والصيدليات والمعامل الطبية وشركات الاتصال.
من جهته، قال يوسف علي عبد الكريم، رئيس اتحاد نقابات عمال السودان لـ"العربي الجديد"، إن الإضراب لم يكن له تأثير على خدمات الكهرباء والمياه وحركة الطيران وحركة النقل وغيرها من القطاعات المهمة.
وأوضح أن اتحاده يؤيد الإضرابات ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية لا الإضرابات التي تقوم على مطالب سياسية، مشيراً إلى تأييد الاتحاد بقاء المجلس العسكري الحالي مع تشكيل حكومة مدنية.