24 يوليو 2024
السودان .. لماذا يستهدفون حمدوك؟
أفاقت مدن السودان، في الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار الجاري، على وقع خبر محاولة اغتيال رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك. وسرعان ما توجهت أصابع الاتهام، وبلا تردّد، تجاه مؤيدي النظام القديم، على أن ثمة سؤالاً يفرض نفسه عن السبب الذي يجعلهم يحاولون اغتيال حمدوك ودلالة التوقيت. وقبل الخوض في الإجابة، يحسن التأكيد أن الذاكرة السياسية السودانية على درجة من الهشاشة، إذ على كثرة من تصدّوا لمعالجة الموضوع، ليس ثمة إشارة إلى الجذور القديمة التي تنبع منها فكرة الاغتيال السياسي، وهي بالتأكيد دخيلة ونادرة في الحياة السياسية في السودان. وعلى الرغم من ذلك، تبدو أسلوباً ومنهجاً معتمداً لدى الإسلاميين، وأنصار النظام القديم خصوصاً. لذلك ولمعرفة منبع هذه المحاولة وجذورها، لا بد من العودة إلى الشهور التي سبقت الانقلاب الذي جاء بالجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الحكم عام 1989، بقيادة حسن الترابي وبواجهة عسكرية هي العميد عمر البشير. ما جرى في تلك الأيام، المتوترة فعلاً والسابقة للانقلاب، مشابه لما جرى لحمدوك. وقتها كنت ضمن عدد قليل مكلف بالبحث والوصول إلى نتائج بشأن القوى التي وقفت وخططت لتنفيذ عمليات اغتيال واسعة في السودان عام 1989، تشمل قيادات حزبية سياسية وناشطين سياسيين ومحامين.. إلخ. عمليات اغتيال كان من شأنها أن تهز السودان، وتغيّب عن الساحة السياسية قيادات سياسية. رأس الخيط كان يمثله ذلك الشاب الذي أوكلت إليه مهمة اغتيال الصادق المهدي الذي كان رئيساً للوزراء وقتها. وتصادف أن كان من أبناء طائفة الأنصار التي يتزعمها المهدي نفسه. لم يرفض فكرة تنفيذ اغتيال المهدي فقط، بل رفض كل محاولات أجهزة الأمن ورئيسه وقتها، عبد الرحمن فرح، بتسجيل اعترافاته أمامهم، وبالإفصاح عما لديه من معلومات، فقد تمسّك بشدة بموقفه الرافض للحديث إلا أمام المهدي بنفسه، وهو ما قد حدث وسجله بدقة رئيس تحرير صحيفة الوطن، سيد أحمد خليفة، وكان أحد الحضور، وأيضاً أحد المستهدفين بالقتل ضمن قائمة طويلة.
تزامناً مع هذه الحادثة، كانت هناك محاولة أخرى لاغتيال الأمين العام للحزب الشيوعي
السوداني، محمد إبراهيم نقد، وأخطأ المنفذ العنوان، وفي حالة من الهلع والارتباك قام بالاعتداء على سيدة تصادف أن سكنت بالمنزل نفسه، الذي كان يسكنه نقد. والحادثة الثالثة، وكان واضحاً أن الغرض منها إثارة ضجة كبرى، مثلما حدث مع حالة عبد الله حمدوك، ونشر حالة من الذعر والفوضى، واستهدفت منزل زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، بإطلاق زخات من الرصاص ليلاً في الهواء. ما خلص إليه الاستقصاء وقتها أن ما جرى هو كان ضمن الخطة أ التي تسبق الانقلاب المعدّ له سلفاً من الجبهة الإسلامية، وإيجاد حالة من الفوضى في البلاد، ومن ثم تنفيذ الانقلاب، بعد التخلص من معظم القيادات السياسية والنشطاء، والبقاء في السلطة من دون مقاومة، طالما أن القوى السياسية ملتهية بحالة الفوضى في صفوفها.
تُساق هذه التفاصيل هنا، لأن ما جرى لحمدوك لا يمكن قراءته بعيداً عن إدراك أن من نفذ المخطط خارج من رحم التنظيم البائد نفسه، والذي حكم السودان، ويقود الآن معارضة قوية ضد الحكومة الانتقالية، وهو التنظيم نفسه الذي خطط وسعى إلى اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا. ولم تكن فكرة مجنونة أو طائشة من مجموعة أفراد ناشزة طائشة، وإنما هو تخطيط محكم، شارك فيه قادة الحكم، بمن فيهم حسن الترابي الذي لما انقلبوا عليه أخرج ما في جوفه من حقائق فاضحة. وهو التنظيم نفسه الذي نفذ، بعد فشل المحاولة، عمليات اغتيال واسعة، شملت سودانيين ومصريين ممن شاركوا في محاولة اغتيال مبارك، أو عرفوا بالمصادفة المحضة أنهم قد استغلوا لنقل فرقة الاغتيال عنوة ضمن الفرقة الفنية المتوجهة إلى إثيوبيا لإحياء حفل غنائي هناك. وهو أيضاً التنظيم نفسه الذي تستّر قادته على عمليات اغتيال عدة طاولت دبلوماسيين أوروبيين، ومنهم الدبلوماسي الأميركي، جون مايكل غرانفيل، المسؤول في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وسائقه السوداني عبد الرحمن عباس، عام 2008، ثم قام بتهريب المنفذين المحكومين بالإعدام من سجن كوبر المحصّن، وهو هروب مستحيل إلا بمعرفة الأجهزة وتسترها.
مؤكّد أن محاولة اغتيال عبد الله حمدوك رسالة لها ما بعدها، طالما أن الحكومة الانتقالية،
وخصوصاً جناحها العسكري المناط به الجوانب العسكرية والأمنية لم يقدم على تنفيذ مطلوبات مهمة واستباقية، بشأن كتائب الظل والمليشيات المسلحة التابعة لأجهزة النظام القديم. ولا بد من الإسراع بالقضاء على بؤر التمكين التي ما تزال تعمل، وعلى مرأى ومسمع من القانون المدجج برجالات النظام القديم. لتنفذ الحكومة ما قاله الناطق باسم مجلس السيادة، محمد الفكي، وحديثه عن فرع الأجهزة الأمنية الذي لا يزال يأتمر بأمر قيادات مرتبطة بالنظام القديم. وفوق ذلك لا بد من رأي واضح وصريح، وخطوات تؤمن الجبهة الإعلامية المحتشدة بمجموعات إعلامية هي، في الحقيقة، واجهات لجهات ومصالح مرتبطة بشكل وثيق بالنظام البائد. ولا يمكن لعاقل أن يفكر لحظة في أن صحافة ما قبل الثورة قد تطهّرت وخلعت ثوبها القديم، وباتت مصطفة إلى جانب قوى الثورة. وعلى العكس تماماً، فهي تبرهن، عند كل منعطف، على مدى ارتباطها القوي بمصالح الفئات وبؤر الفساد، وما أكثرها. لكي تستقيم الحياة، لا بد من أن تذهب الصحافة البائسة التي حملت لواء التحريض على قوى الثورة، وما تزال تجتهد في ترويج النظام القديم، بمقارنات سمجة، ونشر بذور الكراهية والفوضى في المجتمع. وليس في أمر معالجتها ما يدعو إلى العجب والتستر المزيف بشعارات الثورة في الحرية، لأن السؤال المهم قبل الحرية هو الحرية لمن؟
.. نعم السوداني بطبعه متسامح، لكن الأمر هنا لا يقتصر على حمدوك، وإنما الهدف هو قتل الثورة وزرع الفوضى في ربوع السودان. وهنا لا تستقيم الغفلة ونسيان أن المعركة ما تزال سجالاً بين قوى الثورة وأعدائها المتربصين.
تُساق هذه التفاصيل هنا، لأن ما جرى لحمدوك لا يمكن قراءته بعيداً عن إدراك أن من نفذ المخطط خارج من رحم التنظيم البائد نفسه، والذي حكم السودان، ويقود الآن معارضة قوية ضد الحكومة الانتقالية، وهو التنظيم نفسه الذي خطط وسعى إلى اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا. ولم تكن فكرة مجنونة أو طائشة من مجموعة أفراد ناشزة طائشة، وإنما هو تخطيط محكم، شارك فيه قادة الحكم، بمن فيهم حسن الترابي الذي لما انقلبوا عليه أخرج ما في جوفه من حقائق فاضحة. وهو التنظيم نفسه الذي نفذ، بعد فشل المحاولة، عمليات اغتيال واسعة، شملت سودانيين ومصريين ممن شاركوا في محاولة اغتيال مبارك، أو عرفوا بالمصادفة المحضة أنهم قد استغلوا لنقل فرقة الاغتيال عنوة ضمن الفرقة الفنية المتوجهة إلى إثيوبيا لإحياء حفل غنائي هناك. وهو أيضاً التنظيم نفسه الذي تستّر قادته على عمليات اغتيال عدة طاولت دبلوماسيين أوروبيين، ومنهم الدبلوماسي الأميركي، جون مايكل غرانفيل، المسؤول في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وسائقه السوداني عبد الرحمن عباس، عام 2008، ثم قام بتهريب المنفذين المحكومين بالإعدام من سجن كوبر المحصّن، وهو هروب مستحيل إلا بمعرفة الأجهزة وتسترها.
مؤكّد أن محاولة اغتيال عبد الله حمدوك رسالة لها ما بعدها، طالما أن الحكومة الانتقالية،
.. نعم السوداني بطبعه متسامح، لكن الأمر هنا لا يقتصر على حمدوك، وإنما الهدف هو قتل الثورة وزرع الفوضى في ربوع السودان. وهنا لا تستقيم الغفلة ونسيان أن المعركة ما تزال سجالاً بين قوى الثورة وأعدائها المتربصين.