السودان: عشرات الآلاف يتدفقون للمشاركة في "اعتصام تنحي البشير"

الخرطوم

عبد الحميد عوض

avata
عبد الحميد عوض
08 ابريل 2019
FF8476A2-D1A2-4F99-BA1C-440C04E4D1B8
+ الخط -
واصل عشرات الآلاف في العاصمة السودانية الخرطوم، طوال يوم الإثنين، تدفقهم نحو محيط القيادة العامة للقوات المسلحة، للمشاركة في الاعتصام الذي بدأ السبت الماضي، من أجل الضغط على الرئيس عمر البشير للتنحي عن السلطة.

وكان ضباط من الجيش قد طلبوا من المعتصمين الابتعاد عن المداخل الرئيسة للقيادة العامة، قبل أن تداهمهم قوات أمنية وتحاول فضّ اعتصامهم بالقوة الجبرية، إلا أن المحاولة انتهت بالفشل بعد تدخل جنود كانوا متمركزين أمام مقر القوات البحرية، وتبادلوا إطلاق النار مع عناصر الأمن لحماية المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط أحد أفراد الجيش قتيلاً متأثراً بإصابته بطلق ناري، بعدما فشلت محاولات إنقاذه، بينما أعلنت "أطباء السودان" عن قتيل آخر، توفي نتيجة تعرضه للضرب والتعذيب.


وعلى الرغم من الإحباط الذي أصاب المعتصمين، بسبب إبعاد الجيش لهم لمسافة بعيدة قليلاً عن مقر إقامة الرئيس عمر البشير، إلا أن الجانبين تبادلا الثقة طوال اليوم، بعدما ظل المعتصمون على مسافة قريبة أيضاً من مقر القوات البرية والبحرية، وبحراسة مباشرة من وحدات من الجيش، مع انسحاب كامل لقوات الأمن وقوات الشرطة من محيط القيادة العامة، حيث اكتفت قوات الأمن بالانتشار على مسافة بعيدة عن مقر الاعتصام، وأقامت نقاط تفتيش، كما رابطت قوات الدعم السريع أيضاً بالقرب من مقر جهاز الأمن.

ويستبعد مصدر مطلع، رفض الكشف عن هويته، أن يكون ما حدث من تبادل إطلاق النار بين الجيش والأمن، نتيجة وجود خلافات على مستوى قياديّ حول طريقة التعاطي مع الاعتصام الذي يعدّ الأكبر من نوعه لمدة 30 عاماً، في عمر سلطة الرئيس عمر البشير.

ورجّح المصدر نفسه، أن يكون حدوث الاحتكاك بين الطرفين نتيجة إحساس أفراد في الجيش بأهمية حماية المعتصمين، وخاصة أنهم موجودون في محيط القيادة العامة، وأنهم لجؤوا للجيش، ما يعني أنه ليس لديهم تحفظات على الجيش، ولا حتى المعارضة التي حددت مكان الاعتصام وطالبت الجيش بالتدخل والانحياز للشعب السوداني، الذي خرج مطالباً برحيل النظام.

مقتل شاب في أم درمان
قُتل شاب بالرصاص في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، بحسب لجنة الأطباء المحلية، وكان شهود عيان قد أفادوا بسماع إطلاق النار بكثافة على متظاهرين في كل من حى العباسية بمدينة أم درمان إضافة إلى سماع أصوات الرصاص في منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري.


في الأثناء يواصل آلاف الأشخاص اعتصاماً أمام مقر قيادة الجيش، وشهدت حركة المرور ازدحاما أدى إلى اصطفاف السيارات بصفوف طويلة مع غياب رجال المرور عن كثير من التقاطعات.

ويرجح قيام السلطات السودانية بمحاولة ثانية لفض الاعتصام كمحاولة أمس والتي انتهت بوقوع ضحايا ومصابين حين دافعت وحدات من الجيش عن المعتصمين.

في الأثناء عقد المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم اجتماعاً ترأسه الرئيس عمر البشير والذي أكد خلال الاجتماع "تحمله لمسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد".

ويعد ترؤس البشير للاجتماع هو الأول منذ إعلانه فبراير/شباط الماضي تخليه عن رئاسة الحزب ليكون على مسافة واحدة بين الأحزاب حسب قوله. وأكد المكتب القيادي خلال الاجتماع دعمه للبشير في "خطوات تحقيق الأمن كأولوية في المرحلة المقبلة في ظل وجود مؤامرات داخلية وخارجية".


وفي صباح اليوم، بدأ توافد الآلاف نحو مقر الاعتصام غير مكترثين لدرجة الحرارة العالية، وساروا لمسافات طويلة للانضمام للاعتصام، الذي شهد هتافات مدوّية بسقوط النظام، كما أعيد ترديد الهتافات والأغاني المعتادة، وأقيمت مداخل خاصة للترحيب بالمعتصمين الجدد، فيما قامت شركات خاصة بتوزيع المأكولات والمشروبات على الموجودين.

وشكل رموز للمعارضة حضوراً لافتاً في مقر الاعتصام، أبرزهم صديق يوسف، القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، بينما عقدت قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تنظم الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات، مؤتمراً صحافياً من داخل الاعتصام، تحدث فيه عدد من القيادات، أبرزهم عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، ومريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة القومي. وخلال المؤتمر الصحافي تُلي بيان من قوى الحرية والتغيير، شدد على تنحي الرئيس عمر البشير ورحيل نظامه وحكومته فوراً من دون قيود أو شروط، وتكوين مجلس انتقالي من قوى إعلان الحرية والتغيير والقوى الثورية الداعمة له، والاتصال السياسي بالقوى المحلية الفاعلة، والقوات النظامية والقوى الخارجية.

وحدد البيان مهمة المجلس الانتقالي بالعمل على تشكيل حكومة مدنية انتقالية، لإكمال تسلّم السلطة.


وفي مقر البرلمان، مثل وزير الدولة بالدفاع الفريق عصام الدين مبارك، أمام النواب في جلسة منعت وسائل الإعلام من تغطيتها. لكن حسب تسريبات لـ"العربي الجديد"، فقد أبلغ الوزير النواب، أن الاعتصام أمام مقر الجيش تم فضه، وأن القوات المسلحة لن تسمح بعودة التجمعات مستقبلاً، وقد أثارت تصريحات الوزير استياءً واسعاً وسط النواب لعدم مطابقتها الواقع.

أما وزير الداخلية بشارة جمعة أرو، فقد كشف في بيان له أمام البرلمان أيضاً، عن مقتل 7 أشخاص خلال اعتصامات وتظاهرات يوم السبت والأحد الماضيين، 6 منهم داخل ولاية الخرطوم، وواحد في ولاية وسط دارفور.

وأوضح أن السلطات قدرت عدد المعتصمين بالقرب من مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة، بنحو 10 آلاف شخص، مشيراً إلى خروج 33 تظاهرة في الخرطوم العاصمة، و13 ولاية أخرى من ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية. وكشف الوزير عن تعرض 42 من أفراد القوات النظامية لإصابات أثناء التعامل مع الاحتجاجات، بينما ألقي القبض على نحو 2496 شخصاً.

ويقول الصحافي عمرو شعبان لـ"العربي الجديد"، إن الغضب الشعبي المتفجر بسبب ما حدث فجر الإثنين من محاولة لفضّ الاعتصام، بلغ مراحل بعيدة دفعت الأسر السودانية للحرص على المشاركة في الاعتصام اليوم، ومعها حتى أطفالها، بغرض بناء مستقبل أفضل لهم. وأشار شعبان إلى أنه بات واضحاً أن الحل الأمني فقد فاعليته تماماً مع انسحاب قوات الأمن والشرطة، فيما توقع تسلل عناصر أمنية وسط المعتصمين، ما يفتح الباب أمام حدوث سيناريوهات احتكاك بين المحتجين والمتسللين.

في الأثناء، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع، أنباءً عن اجتماعات مستمرة لرتب عليا في الجيش. وبرزت أسماء عديدة، من بينها اسم رئيس هيئة الأركان السابق للجيش السوداني الفريق عماد عدوي، مرشحة لتولي السلطة، حال قرر البشير التنحي، وهو أمر لم يعد مستبعداً تماماً، مع تزايد الضغط الشعبي عليه.

غوتيريس يدعو إلى احترام حرية التجمع

إلى ذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الإثنين، حكومة السودان إلى "الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التجمع وحرية التعبير، والإفراج عن المحتجين المحتجزين". 

وقال المتحدث باسمه ستيفان دوغريك، في بيان، إنه "يتابع عن كثب المظاهرات في السودان، ويناشد جميع الجهات الفاعلة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب العنف". 

وأكد المتحدث الأممي أن "الأمم المتحدة على استعداد لدعم أي جهود يبذلها السودانيون لحل الأزمة الحالية سلمياً". 

ذات صلة

الصورة

سياسة

اقتحم عناصر من قوات الدعم السريع عدداً من منازل المدنيين في ولاية الجزيرة بشرق السودان أواخر الشهر الماضي، ونفذوا انتهاكات كبيرة بحق السكان.
الصورة
مخيم نزوح في مدينة القضارف - شرق السودان - 14 يوليو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

في تحذير جديد، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، وسط حرب السودان المتواصلة، تشكّل "مزيجاً قاتلاً".
الصورة
سودانيات نزحن إلى القضارف بسبب ويلات الحرب، 6 يوليو/ تموز 2024 (فرانس برس)

مجتمع

حذّرت "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في تقرير أصدرته اليوم الإثنين، من أنّ طرفي الحرب في السودان، وخصوصاً قوات الدعم السريع، ارتكبا "أعمال عنف جنسي واسعة النطاق".
الصورة
توزيع مساعدات غذائية لنازحات من الفاشر إلى القضارف (فرانس برس)

مجتمع

ترسم الأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع في مدينة الفاشر السودانية، وتؤكد أن الخناق يضيق على السكان الذين يتعرّضون لهجوم من كل الجهات.