إضافة إلى مختلف العوامل التي تجعل العراقيّين في معاناة مستمرة، هناك العامل الصحي الذي يزيد من هذه المعاناة. من جهة، لا يتبع كثيرون نظاماً غذائياً صحياً، ولا يتركون السجائر من جهة أخرى
لا تنحصر مشاكل العراقيّين في تلك الأمنية والاقتصادية وتنامي حالات الفقر والبطالة وتراجع الخدمات الأساسية، التي ارتفعت بشكل كبير بعدما شهدت البلاد تغييراً في نظام الحكم في عام 2003. وهناك مخاطر أخرى تنتشر بين المواطنين، في ظل تراجع الوعي كما يقول بعضهم.
ودقت وزارة الصحة العراقية ومنظمات دولية ناقوس الخطر من جرّاء ارتفاع كبير في نسب المدخنين، إضافة إلى ارتفاع نسب أولئك الذين يعانون من السمنة وزيادة الوزن. وتشير إحصائيات محلية إلى ارتفاع أمراض السمنة وتلك الناتجة عنها، بالإضافة إلى ارتفاع نسب المدخنين والوفيات الناتجة عنها.
وفي آخر إحصائية صدرت في يونيو/ حزيران الماضي، أفاد ممثّل منظمة الصحة العالمية في وزارة الصحة العراقية، ثامر كاظم، بأن "نوعية الأمراض الانتقالية (المعدية) تغيّرت بشكل ملحوظ في البلاد خلال الآونة الأخيرة". واستناداً إلى إحصائيات أعدّتها الأجهزة المتخصّصة في الوزارة، يشير إلى أنّ عدد الوفيات ارتفع منذ عام 2015 وحتى منتصف العام الحالي إلى 170 ألف حالة وفاة، 62 في المائة منها ناتجة عن الأمراض المزمنة التي انتشرت نتيجة زيادة نسبة التدخين والغذاء غير الصحي والدهون المشبعة وقلة النشاط البدني المنظّم. كذلك أظهرت الإحصائيات أنّ نسبة الإصابة بأمراض ضغط الدم وصلت إلى 35 في المائة للفئة العمرية ما بين 30 و70 عاماً.
يضيف أنّ "الأمراض كانت في السابق تقتصر على داء السحايا والتدرن والملاريا والكوليرا، في وقت لم تكن الأمراض الأربعة المزمنة، وهي الضغط والسكري والقلب والأوعية الدموية، تشكل خطورة بالغة على الصحة العامة". ويدعو كاظم إلى ضرورة اتباع وسائل للوقاية وتشخيص الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الأمراض، لا سيما التدخين الذي يعد من أهم الأسباب". ويوضح أن "20 في المائة من المواطنين مدخنّون، الأمر الذي يشكل خطورة بالغة، خصوصاً بعد زيادة تدخين النراجيل والسجائر الإلكترونية والترويج لها بشكل كبير، وانتشارها بين الشباب".
من جهة أخرى، يؤكد كاظم أن "33 في المائة من الشباب يعانون من السمنة، و35 في المائة يعانون من زيادة الوزن، نظراً لانخفاض النشاط البدني وعدم وجود برامج توعية". ويحذّر من وجود أمراض تنتقل عن طريق مواد ملوثة في المياه أو الطعام، ما يستلزم وضع خطط صحية تشترك فيها كل الجهات".
هذه الإحصائيّات تشير إلى خطورة كبيرة يواجهها العراق، لا سيما أن نسبة كبيرة من الشباب مدخنون، كما أن نسبة عالية تعاني من أمراض ناتجة عن السمنة والتدخين.
أسباب كثيرة تقف وراء ارتفاع نسب المدخنين والسمنة، بحسب الطبيب النفسي وليد العبيدي. يقول لـ "العربي الجديد" إن "الأوضاع الأمنية والاقتصادية عوامل أساسية في زيادة السمنة والتدخين". يضيف: "نسبة كبيرة من العراقيّين تعمل ساعات طويلة، وفي أكثر من مهنة لسد احتياجات عائلاتها، وتهمل الغذاء السليم والأنشطة الرياضية، وإعطاء الجسد حقه من الراحة".
يضيف: "اللجوء إلى التدخين سببه البطالة والمشاكل النفسية والمجتمعية التي يعاني منها الناس منذ سنوات. هذا أمر واضح، إذ لم يكن يعاني العراق من هذا قبل نحو عقدين".
من جهته، يُحذّر طبيب الأطفال أحمد حسين من عدم الاهتمام بغذاء الأطفال وتعرّضهم للتدخين السلبي. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "نسبة الأمراض الناتجة عن السمنة والتدخين تنتشر بين الصغار، وهذه نتيجة حتمية لإهمال الأهل"، مبيناً أن "غالبية الأطفال يتناولون أغذية غير صحية وضارّة". يضيف أنّ إلهاء الأهل للأطفال من خلال إعطائهم حلويات وعصائر فيها مواد صناعية من أجل إرضائهم وإسكاتهم، أدى إلى تعوّد الأطفال على هذا النوع من الغذاء، والابتعاد عن الطعام الصحي الطبيعي، كالحليب والفاكهة والخضار الطازجة، وهو أشبه بالإدمان الذي يصيب الطفل. ويلفت إلى زيادة الأمراض بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الستة أعوام بسبب هذه الأطعمة".
يضيف: "السمنة تقيّد حركتهم وتجعلهم يعانون من الخمول، في حين يحتاج الصغار إلى الحركة واللعب لتفريغ طاقاتهم، ما يساعد في نموهم بالشكل الصحيح. والحركة علاج فعّال لمواجهة الأمراض لجميع الأعمار".
من جهة أخرى، يحذّر حسين من "التدخين السلبي"، مؤكداً أن "تدخين الوالدين داخل المنزل وبوجود الأطفال يشكّل خطراً كبيراً على صحتهم. لكن للأسف، يهمل المدخنون صحة أطفالهم ولا يعون حجم المخاطر بحق الصغار الذين يستنشقون هذا الدخان"، محذراً من ارتفاع خطير في نسبة الأمراض الناجمة عن السمنة والتدخين، "إن لم يتم تدارك هذا الأمر".
في العراق، يكثر افتتاح النوادي الرياضية، ما يشير إلى الوعي حول أهميّة ممارسة الرياضة، الأمر الذي يشدد عليه الطبيب أحمد حسين. إلا أن محمد عباس، الذي يدير نادياً رياضياً وسط العاصمة بغداد، يلاحظ أن نسبة كبيرة من الذين يقصدون النادي باتوا في وضع صحي صعب. يضيف أن من بين 162 مشتركاً، 98 شاباً يمارسون الرياضة بسبب أمراض يعانون منها من جراء التدخين والسمنة. يضيف لـ "العربي الجديد" أن "تهديدات هذه الأمراض على الصحة ساهمت في الإقبال على ممارسة الرياضة. والمؤسف أن كثيرين لا يلتزمون بالنصائح بعد تحسن حالتهم الصحية، ويتناولون غذاء غير صحي، ويدخنون السجائر".