تتجه الأنظار إلى مجلس النواب اللبناني، اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء، حيث تتم مناقشة البيان الوزاري لحكومة حسان دياب فضلاً عن طرح الثقة بها. وعلى الرغم من تنكّر الطبقة الحاكمة وأنصارها لانتفاضة اللبنانيين منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن السلوك الميداني لأجهزتها الأمنية يظهر خشية النظام اللبناني من احتمال حدوث تحركات رافضة لعقد جلسة الثقة. وقد باشرت القوى الأمنية حملة أشبه بحصار شامل لوسط بيروت، عبر الإعلان عن قطع الطرقات ومنع وقف السيارات في أماكن معيّنة، وتشييد الجدران التي عزلت مجلس النواب عن محيطه، فضلاً عن بدء السلطات حملات مداهمة واعتقالات وإحراق خيم في بيروت، حتى أن اجتماعاً استثنائياً لمجلس الدفاع الأعلى (يضم قادة كافة الأجهزة الأمنية) في قصر بعبدا الرئاسي، ذكر بيانه الختامي أنه "بعد أن عرض قادة الأجهزة الأمنية المعطيات والمعلومات المتوفرة لديهم، تقرّر تكثيف الجهود التنسيقية بين مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية، لتعميم الاستقرار في البلاد من جهة واستباق الأحداث التخريبية لتفادي أي تطورات".
مع ذلك، فإن المنتفضين قرروا مواجهة السلطة، عبر تحدّيها في محاولة قطع الطرقات لمنع وصول النواب إلى المجلس النيابي ومناقشة الثقة للحكومة. السبب ليس اعتباطياً، فالبيان الوزاري لحكومة دياب، مستنسخ، مع تعديلات طفيفة، من خطط حكومة سعد الحريري التي أُطيح بها في 29 أكتوبر الماضي، خصوصاً في ملفي الطاقة والإصلاحات الاقتصادية. في ملف الطاقة، لا تبدي هذه الحكومة كسابقاتها، نية في إصلاح القطاع بصورة جدّية، بل بما يسمح باستمرار الهدر والفساد، خصوصاً أن ملف الكهرباء منذ عام 1992، شكّل الخزان الأكبر للديون اللبنانية. أما ورقة الإصلاحات الاقتصادية، فلا تتبنّى سياسة ضرائبية وجمركية ضد من سرق البلد ولا ضد الأثرياء، بل تفرض على الطبقات الفقيرة أعباء أكثر من أي وقتٍ مضى، من دون لجم غلاء الأسعار، سواء في السلة الغذائية أو الطبية. كما أن الحكومة لم تطرح بنوداً حقيقية لمحاسبة كل من سرق مالية الدولة منذ انتهاء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990) وحتى اليوم. غير أن نجاح عملية تعطيل الجلسة البرلمانية لا يبدو واردا حتى الآن، لاعتبارات عدة، تبدأ من استعداد السلطة لاستخدام كافة أنواع الأسلحة المعنوية والفعلية لعقد الجلسة البرلمانية، فضلاً عن أن المنتفضين غير قادرين على مواجهة العنف السلطوي ومصممون على شعار السلمية وتفويت محاولات البعض في السلطة جر البلد إلى اشتباك أهلي مسلح.
أما في شأن موضوع الثقة بحدّ ذاته، فإن كل المؤشرات تفيد بأن الحكومة قادرة على الحصول على ما بين 65 و75 صوتاً من أصل 128 نائباً، والسبب هو قدرة تحالف 8 آذار (حزب الله، التيار الوطني الحرّ، حركة أمل) على تأمين الأكثرية العددية، بالتكافل مع أحزاب وتكتلات صغيرة تدور في فلك التحالف. في المقابل، فإن القوى الأساسية في ما كان يُعرف سابقاً بـ"قوى 14 آذار" (تيار المستقبل، القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي) وأحزاب وتكتلات تواليهم، قرروا تأمين النصاب القانوني لعقد الجلسة البرلمانية، لكن من دون منح الثقة للحكومة. مع العلم أن الدستور مرن في إشكالية العدد المطلوب لحصول الحكومة على الثقة، إذ يكفي أن تحصل على النصف +1 من عدد الحضور، لتبدأ مهامها رسمياً. وبالتالي فإن حكومة دياب ستحصل على الثقة البرلمانية، لكن الفكرة الأهم تكمن في مدى قدرتها على تلبية متطلبات المجتمع الدولي، الذي يطالب بإجراء إصلاحات جوهرية في قطاعات البنى التحتية والطاقة في شكل أساسي، قبل الإفراج عن أموال مؤتمر "سيدر"، المنعقد في إبريل/نيسان 2018.