السلام في جنوب السودان: هل تنجح وساطة الخرطوم؟

25 يونيو 2018
الوضع الاقتصادي سيئ في جنوب السودان (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن المحاولة الإثيوبية ومحاولة دول "إيغاد" (الهيئة الحكومية للتنمية) التقريب بين رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، وزعيم المتمردين، رياك مشار، انتهت إلى لا شيء، لكنهما أحالا الموضوع للخرطوم التي ستستضيف اليوم الإثنين، مفاوضات لمدة 15 يوماً، تأمل من خلالها في تحقيق اختراق عملي في عملية السلام في الجنوب.

واختتمت في أديس أبابا، ليل الخميس الماضي، قمة طارئة لمنظمة "إيغاد"، خصصت لمناقشة الأوضاع في دولة جنوب السودان، لكن القمة لم تتوصل إلى اتفاق واضح حول الفشل المستمر لجولات التفاوض بين الجنوبيين، بما في ذلك اللقاء الذي جمع سلفاكير ومشار على هامش القمة. غير أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد أعلن في نهاية القمة انتقال المحادثات المباشرة إلى الخرطوم برعاية الرئيس السوداني عمر البشير.
وكانت الخرطوم، قد اقترحت مطلع شهر يونيو/حزيران الحالي، استضافة اللقاء، اعتقاداً منها بقدرتها على التقريب بين الطرفين، استناداً لخبرتها في الشأن الجنوبي، وبحكم قربها أكثر من رياك مشار، والذي تملك معه علاقات عميقة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين استقطبته إلى صفها أيام الوحدة بين الشمال والجنوب، بعد أن كان جزءاً من التمرد الذي كان يقوده جون قرنق.

وألقت الخرطوم بثقلها لإنجاح اللقاء، فقال وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، في أحاديث صحافية، إن "السودان هو الأقدر لقيادة عملية الوساطة في هذه المرحلة في جنوب السودان"، مشيراً إلى أن "الغرض من مباحثات الخرطوم هو إحياء عملية السلام بين الفرقاء في جنوب السودان، وإدخال اتفاقية السلام الموقعة بينهما حيز التنفيذ وإيقاف الحرب".

وقال إن "المفاوضات ستبدأ من حيث انتهت المقترحات التي قدّمتها سكرتارية إيغاد وأن السودان سيسعى للتدخل كل مرة للتقريب بين الجانبين، مع حرصه الشديد على طرح مقترحات أخرى بشأن المعالجات الجذرية الخاصة بجمع السلاح وعدم تجييش القبائل، وتخصيص موارد البترول في غير الحرب"، مؤكداً أن "السودان سيتقدم بتلك المقترحات دون فرضها على المفاوضين".

وجدد الوزير السوداني رهانه على قدرة بلاده على إنجاح الجولة الجديدة، لافتاً إلى أن "المفاوضات المباشرة بين سلفاكير ومشار ستتم بوساطة عملية من الرئيس، عمر البشير، وستسير استناداً إلى مقررات القمة الأخيرة لمنظمة إيغاد"، مشيراً إلى أن "المفاوضات ستناقش كذلك فرص تأهيل اقتصاد دولة جنوب السودان الذي يمر بظروف بالغة التعقيد".

وأضاف الوزير أن "العملية التفاوضية في الخرطوم تحظى بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج باعتبارهم شركاء لإيغاد، إضافة لحصولها على مساندة من كافة دول الإقليم"، مبيناً أن "الرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، سيشارك في الجلسة الافتتاحية، على أن تستمر الجلسات بين وفود التفاوض لمدة 15 يوماً سيبقى فيها الزعيمان في الخرطوم، إلا إذا اضطرت الظروف رئيس الجنوب للمغادرة".



واعتبر الوزير أن "هناك مصلحة للسودان من عودة السلام لجنوب السودان، ومن تعاونه معه في مجال النفط، لمعالجة أزمته الاقتصادية"، مشدّداً على أن "ليس للسودان دافع سري في استضافته التفاوض ولا يخجل في الوقت عينه من الحديث عن رغبته في تبادل المصالح مع جنوب السودان الذي يحتاج اقتصاده لإعادة التأهيل والإنعاش"، مشيراً إلى أن "ذلك سيمكّن الخرطوم من الاستفادة من العلاقات التجارية بين البلدين خصوصاً بما يلي التعاون في مجال النفط، نافياً وجود أية دوافع سرية للخرطوم في استضافة المفاوضات، لكنه استدرك بقوله "ليس من العيب أن يبحث السودان عن مصالحه في خطواته الدبلوماسية".

وأضاف "هناك اتفاق مع الرئيس البشير وسلفاكير يقضي بأن يتم العمل بشكل سريع وفوري اعتباراً من اليوم الاثنين في حقول النفط"، مشيراً إلى أن "وزيري النفط في البلدين سيذهبان ميدانياً إلى حقول النفط بهدف التوصل إلى خطة متكاملة في هذا الخصوص".

وانحصرت الخلافات بين فرقاء الأزمة في جنوب السودان، على ثلاثة بنود رئيسية. الأول تقاسم السلطة، إذ يرفض سلفاكير عودة رياك مشار لمنصبه القديم، نائباً أول لرئيس الجمهورية، بينما يرفض المتمردون منح الحكومة نسبة 55 في المائة من السلطة في الحكومة المركزية. أما البند الثاني فيتعلق بالترتيبات الأمنية بعد السلام، فتقترح الحكومة استيعاب عناصر المتمردين في غضون ثلاثة أشهر في الجيش، بينما يطالب رياك مشار، بإعادة تشكيل الجيش، لأنه "لا يمثل الدولة إنما تورط في تنفيذ أجندة خاصة بسلفاكير"، بحسب مشار. نقطة الخلاف الثالثة، تتعلق بنظام الحكم، إذ يطالب المتمردون بنظام حكم فيدرالي، يقول عنه بول بوث اغوانغ المتحدث باسم الحركة الشعبية بزعامة مشار، لـ"العربي الجديد"، بإنه "المطلب الرئيس لشعب جنوب السودان منذ عام 1956 تاريخ الاستقلال الأول للسودان". كما يشير أغوانغ لمطالب أخرى لهم تتعلق بإصلاحات شاملة في الدولة.

وللسودان كما هو واضح تماماً أهداف أخرى من دعمه عملية إحلال السلام في جنوب السودان، إذ يبدو أنه يئس تماماً من الحصول على دعم مالي واقتصادي لمواجهة أزمته الاقتصادية الحالية. بالتالي لم يعد أمامه من خيار غير الاستفادة من النفط الجنوب سوداني والذي يُصدّر عبر الموانئ السودانية، علماّ بأن إنتاج جنوب السودان تعرض لانخفاض كبير بعد الحرب الأهلية والتي تمركزت في مناطق أعالي النيل (شمال البلاد) حيث كل حقول النفط.

لكن السؤال الأهم هل تفلح جهود الخرطوم في التقريب بين الأطراف، والاستفادة من ذلك الزخم بإيجاد حلول للأزمة الجنوبية؟ يقول الصحافي عمرو شعبان، لـ"العربي الجديد" إن "بإمكان الخرطوم تحقيق اختراق مباشر بحكم امتلاكها أوراق ضغط على الطرفين، يسهّل لها مهمة إجبارهما على الوصول إلى تسوية"، مبيناً أن "وسيلة ضغطها على المعارضة المسلحة باعتبار أن السودان هو المجال الحيوي الآمن لقيادات وعضوية المعارضة، برغم تحريمها نشاطهم السياسي مقارنة بكينيا التي قامت بإبعاد وتسليم عدد من قيادات المعارضة لجنوب السودان، أما وسيلة ضغطها على الجنوب فترتبط بالملف النفطي التي تحتاجه جوبا لإنقاذ اقتصادها من الانهيار الكلي".