السلام الليبي

18 يونيو 2020
الصراع يتطور إلى أبعاد إثنية في ليبيا (الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الليبي، وبعد أن تدخلت بسلاحها، قررت حلحلة مشاكلها ودعوة ممثليها المحليين إلى طاولة تفاوض شكلي من أجل التوقيع على اتفاقات وتفاهمات الكبار. يظهر ذلك جلياً من خلال تزايد دعوات الدول المتصارعة في الملف الليبي للحلول السياسية السلمية ووقف إطلاق النار، لينكشف المستور ويقف الليبي في مواجهة مع نفسه. ولا يمكن الاعتقاد نهائياً أن التدخلات الخارجية لم تجد لها قبولاً داخلياً وأطرافاً تمهّد لها الطريق، وتتحوّل إلى أذرع فاعلة منفّذة لأجندات الدول الخارجية. وهذه هي الحقيقة، فآليات الاختلاف والصراع داخلية وليست خارجية.

ما الذي جعل النفط هدفاً للصراع، لولا أن الليبيين حصروا دخلهم القومي فيه من دون سعيهم لإيجاد مشاريع بديلة أو مساعدة؟ ألم يكن، ولا يزال، للثارات القبلية والمناطقية دور في الصراع؟ وما الذي أثار النعرات الإثنية، فبرزت الأمازيغية والتبو والمطالب الثقافية والهويات المحلية المختلفة؟ يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون أصعب بكثير من مرحلة الصراع المسلّح، الذي كان يسير وفق هذه الآليات المحلية وغيرها، فمن دون تفكيكها عبر ما عرف بـ"المصالحات الوطنية"، لا يبدو أن العالم الخارجي سينجح في فرض سلام على المتصارعين المحليين.

مع العلم أن أحد السيناريوهات المطروحة منذ عام 2012 هو سيناريو الفدراليات كحل لحالة الصراع والاحتراب، لكن أقاليم ليبيا الثلاثة التاريخية لم تعد تحتمل كتم المستور، خصوصاً بعد أن تعدّى الخلاف القبائل إلى المناطق، وتحوّلت بعض المناطق إلى خصوم رغم انتماء سكانها إلى القبيلة نفسها، وبعد أن كان البعض يعرب عن تخوفه من التقسيم، بات متخوفاً من التفتيت.

بعد الصراع داخل مدن أوباري والكفرة وسبها في الجنوب، الذي دفع سكانها للنزوح إلى مناطق الشمال؛ دخلت مصراته وطرابلس والزاوية والزنتان في مراحل احتراب، رغم اتحادها لدرء خطر حفتر. واليوم أيضاً يعيش الشرق في أتون خلافات مكتومة بين المناطق، لا القبائل، بسبب مخلفات حكم حفتر الديكتاتوري. الخارج كان يدير الصراع للوصول إلى مصالحه، وحالما تتفق المصالح يتحوّل الخصوم إلى حلفاء، لكن ما لم يدركه الداخل الليبي أن أسباب الصراع وآلياته لا تزال تدار بأيديهم، وسيكتشف الخارج قريباً أن الداخل لا يسعى للتصالح وحلحلة أزماته وأنه وحده من صنعها لنفسه بنفسه.
المساهمون