بدا واضحاً أن آفاق الحل السياسي للأزمة الليبية آخذة في الاتساع في ظل رغبة الولايات المتحدة الأميركية وبعض القوى الأوروبية المؤثرة في هذا الحل، في وقت تتجه فيه السعودية، التي تعد من أبرز داعمي مليشيات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، إلى دعم التحركات المغربية للتوصل إلى ما يمكن تسميته باتفاق "الصخيرات 2".
وكشفت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن السعودية أبلغت المغرب بأنها ستدعم كافة تحركاته بشأن التوصل لحل ليبي - ليبي عبر مشاورات تقوم بها الرباط في الوقت الراهن لإحياء اتفاق الصخيرات، الذي تشكل بموجبه المشهد الليبي الراهن، وذلك تحت مسمى "الصخيرات 2"، في ظل قدرة المغرب على إدارة علاقات جيدة مع أطراف النزاع. ولفتت المصادر إلى أن التحركات السعودية تهدف للخروج من الحالة الليبية الراهنة، التي تزداد من خلالها تركيا نفوذاً في ليبيا، مشيرة إلى أن الرؤية السعودية تعتقد أنه مع تحريك المشهد سياسياً، والانتقال إلى الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، يمكن للرياض لعب دور في السياسة الليبية، عبر دعم أطراف مختلفة.
الدخول البريطاني على خط الأزمة يأتي سعياً لحل سياسي لعدم تفجير الأزمة
وفي سياق ذي صلة، قالت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك متغيراً جديداً بدأ يطرأ على مشاورات الملف الليبي، بعد دخول بريطانيا على خط الأزمة بقوة، بعدما ظلت بعيدة عن الملف لفترة ليست بالقليلة. وأوضحت المصادر أن الدخول البريطاني على خط الأزمة يأتي سعياً لحل سياسي لعدم تفجير الأزمة، وذلك بهدف تحجيم الدورين الفرنسي والتركي، وكذلك الروسي، وبالتنسيق مع الإدارة الأميركية، مؤكدة أن هناك تطابقاً في الموقفين البريطاني والأميركي.
يأتي هذا فيما قال مصدر مصري مقرب من اللجنة المعنية بالملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة أكدت بشكل واضح لعدد من الأطراف الأوروبية، بالإضافة إلى أميركا، عدم رغبتها في التدخل العسكري بشكل تام، إلا أنها في المقابل ترغب في ضمانات حقيقية بشأن عدم توغل تركيا في ليبيا، بما يهدد المصالح المصرية. وقالت المصادر إن القاهرة حددت مجموعة من الامتيازات التي ترغب في الحصول على حصة مناسبة منها، في حال تم التوافق على حل سياسي يقضي بإعادة الهدوء إلى ليبيا، وفي مقدمتها حصة العمالة المصرية، بالإضافة إلى دور في إعادة الإعمار. وأكدت المصادر أن هناك ردود فعل إيجابية أخيراً من جانب تركيا بشأن الوضع في ليبيا، في صالح تراجع الحلول العسكرية، وهو ما من شأنه تخفيض حدة التوتر في المنطقة بالكامل.
من جهة أخرى، كشفت مصادر في حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، أن الاتفاق بين تركيا وروسيا بشأن الوضع في سرت والجفرة، بدأت نتائجه في الظهور على أرض الواقع، قائلة "على مدار يومين بدأ عناصر مرتزقة فاغنر بالتراجع من ضواحي وأحياء سرت باتجاه الشرق، وإخلاء عدد من المواقع التابعة لهم في المدينة، فيما أكدت تركيا، ومعها قوات حكومة الوفاق، عدم التحرك عسكرياً نحو سرت، أو السيطرة على أي مواقع يتم إخلاؤها من جانب مرتزقة فاغنر، وذلك ضمن الاتفاق بين أنقرة وموسكو، بشأن إخلاء المدينة من الوجود العسكري".
الاتفاق بين تركيا وروسيا بشأن الوضع في سرت والجفرة بدأت نتائجه في الظهور على أرض الواقع
وأشارت المصادر إلى أن تركيا مارست ضغوطاً كبيرة خلال الفترة الماضية على قادة ومسؤولي عدد من الكتائب ضمن قوات حكومة الوفاق، لإقناعهم بالعدول عن فكرة التقدم عسكرياً نحو سرت والجفرة، لما ما قد يخلفه ذلك التحرك من خسائر كبيرة لكافة الأطراف، في ظل عدم وضوح النتائج التي قد تترتب عليه، ولما سيمثله ذلك التحرك من مواجهة عسكرية مباشرة بين أنقرة وموسكو. ولفتت المصادر إلى أن مسؤولين عسكريين أتراكاً بارزين نظموا مجموعة من اللقاءات بعدد من القادة الميدانيين ضمن قوات حكومة الوفاق، لتوضيح الرؤية لهم، وضرورة مساهمتهم في إقناع المقاتلين ضمن صفوفهم بالهدوء وعدم الاندفاع نحو الحل العسكري، لا سيما في ظل تعقُّد الموقف في أعقاب تحرير ترهونة وتدخُّل أطراف دولية بشكل مباشر في الأزمة، بالإضافة إلى الدعم الكبير الذي تقدمه أطراف، مثل الإمارات وروسيا، لمليشيات شرق ليبيا، مشددين على أن المعركة الآن باتت أكبر من حفتر ومليشياته. وقالت المصادر إن الضغط الأميركي ضد حفتر، عبر الملاحقة القضائية له أمام المحاكم الأميركية، هدفه دفع قائد مليشيات شرق ليبيا، للموافقة على إعادة تشغيل المنشآت النفطية.
إلى هذا، كشفت مصادر في شرق ليبيا عن حالة من الارتباك داخل معسكر شرق ليبيا بسبب القلق بشأن الحالة الصحية لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، الذي تعول عليه كافة القوى الداعمة لمعسكر شرق ليبيا في الوقت الراهن لخلافة حفتر وتصدّره للمشهد في أعقاب الهزيمة التي مني بها الأخير وطرده من كل الغرب الليبي. وأوضحت المصادر أنه تم إخضاع صالح للعزل، ووُضع تحت الاختبار، مساء الاثنين الماضي، وذلك بعد ظهور أعراض الإصابة بفيروس كورونا على أحد مساعديه.
وأعلن البيت الأبيض معارضته الشديدة للتدخل العسكري الأجنبي في ليبيا بما في ذلك استخدام مرتزقة ومتعهدين عسكريين، مؤكداً أن محاولات القوى الأجنبية إقامة وجود عسكري دائم، أو السيطرة على الموارد، تمثل تهديداً خطيراً للاستقرار الإقليمي والتجارة العالمية. وشدد البيت الأبيض على أن ما تقوم به أطراف دولية من شأنه أن يقوض مصالح الأمن الجماعي للولايات المتحدة وحلفائها، داعياً جميع الأطراف إلى تمكين مؤسسة النفط من استئناف عملها. كما دعا كافة الأطراف إلى تنفيذ حل منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة، واحترام حظر الأسلحة، وكذا التوصل إلى صيغة نهائية لوقف إطلاق النار بموجب محادثات لجنة "5+5".