السطو على الدولة

30 اغسطس 2017
+ الخط -
تتعرض الدول، كما الأفراد، للسطو. الفرق أن السطو على الأفراد يعتبر جريمة تقود صاحبها إلى السجن، أما السطو على الدولة فيعتبر سياسة تقود صاحبها إلى التربع على نظام الحكم.
الاستحواذ على الدولة من المفاهيم الجديدة التي وضعها خبراء البنك الدولي، لتحليل النظم السياسية في العالم العربي وأفريقيا وأميركا اللاتينية، في سياق تحليل منظومة الفساد التي تنخر الدول غير الديمقراطية.
يعرّف خبراء البنك عملية الاستحواذ على الدولة كالتالي: كل الجهود التي يبذلها عدد صغير من الأفراد أو الجماعات أو لوبيات المصالح أو الجيش أو الساسة الفاسدين لصياغة قوانين اللعبة بشكلٍ يجعلها تخدم مصالحهم أو تجارتهم أو مواقعهم أو سلطتهم خارج القانون وقواعد الحكامة ومبادئ الشفافية.
كيف تتم عملية السطو على الدولة حسب هذا المفهوم، يجيب خبراء البنك الدولي: عبر صياغة قوانين خاصة بأصحاب المصالح، أو اقتسام الغنائم مع مسؤولين في الإدارة، أو عبر شراء أصوات الناخبين للتحكّم في البرلمانات، أو من خلال تأسيس شبكة موازية داخل الجهاز التنفيذي تخدم أجندة هولاء، كما تتخذ عملية الهيمنة على الدولة من شبكات المصالح هذه صورة التدخل في سير الجهاز القضائي، والتحكّم في قراراته وأحكامه، وكل هذا يجري بطرق ملتوية، لا تظهر عادة لعموم الرأي العام.
يزيد مستوى الاستحواذ على الدولة وينقص في الدول النامية، بحسب عدة مؤشرات منها: درجة الإصلاح السياسي، الحريات المدنية، الولوج إلى المعلومة، حرية الصحافة، شفافية الاقتراع، مراقبة تمويل الأحزاب، درجة بيروقراطية الإدارة، تطور الحكامة ومعايير الشفافية، تعاون الدول فيما بينها لمراقبة حركة الرأسمال وفروع الشركات العالمية الكبرى... كلما تقدمت دولة في سلم هذه المعايير يقل الاستحواذ على الدولة، والعكس صحيح، (لاحظوا أن الإصلاح السياسي جاء في مقدمة المعايير التي تحمي الدولة من الاستحواذ عليها من فئةٍ صغيرةٍ تسطو، بطرق متطورة، على جهاز الحكم وإدارة القرار).
توقف أستاذ علم السياسة في جامعة ستانفورد والباحث في معهد هوفر، ستيفن هابر، في دراسة مهمة له عند ظاهرة "الاستحواذ على الدولة" التي تقدّم نظرةً دقيقة على الاختراق السياسي العمودي الذي يقع في جهاز الحكم. ويشير إلى "أن نظم الحكم غير الديمقراطية وغير المحكومة بتوازن السلطات ومراقبة بعضها بعضها، كما أن لها سلطة لحماية المصلحة العامة، وتطبيق القانون، وسلطة لحماية المصالح الخاصة، وتمكين المجموعات الصغيرة والفاسدة من الاستحواذ على جهاز الدولة، حيث يصبح الثابت الواحد هو عدم فرض الضرائب على المال المنهوب، أما الباقي فكله متغير".
ما هي كلفة الاستحواذ على الدولة؟
يقول البنك الدولي، في دراسة أجراها السنة الماضية على حوالى 3600 شركة في الدول التي تعرف معدلاتٍ كبرى للاستحواذ على الدولة، إن ثلث أرباح هذه الشركات تُصرف على رشاوى تدفع لجهات إدارية أو حكومية أو سياسية، لتسهل نشاط الشركات ومركبات المصالح غير المشروعة.
الرشوة، الفساد، تدنّي الخدمات العمومية، احتكار الثروة، إفقار الدولة، حرمان الخزينة العامة من موارد كبيرة، ضرب سمعة البلد في الأوساط الاستثمارية الدولية، عرقلة النمو، ضرب تطور الاقتصاد. وفي النهاية زيادة حدّة التوترات الاجتماعية وتآكل الشرعية وتهديد الاستقرار السياسي، هذه هي النتيجة الطبيعية للاستحواذ على الدولة.
بسهولةٍ، يمكن العثور على بصمات الاستحواذ على الدولة في كل الأنظمة العربية التي أضاعت واحدة من الفرص لإصلاح بيوتها من الداخل قبل ست سنوات، عندما خرج الشباب يتظاهر سلمياً في الشارع يطالب بالقضاء على الفساد والاستبداد واسترجاع الدولة التي تعرّضت للسطو ...
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.