وفي حين رحّب السراج، خلال لقاء مع النخب والفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية، مساء السبت، بمساعي المجتمع الدولي لدعم الحلول السلمية للأزمة في البلاد، إلا أنّه اشترط، في الوقت ذاته، عودة "المعتدي وقواته إلى قواعده التي انطلق منها باتجاه طرابلس، وضرورة وجود أطراف ليبية أخرى يمكن بحث سبل الحل السياسي معها ضمن ملتقى وطني جامع"، وفق مبادرته.
وأشار السراج، خلال كلمة له في اللقاء، إلى أنّ "البلاد تمر بمرحلة مفصلية، وتشهد صراعاً داخلياً تغذيه أطماع وأجندات خارجية".
وأضاف السراج، وفق ما نقله مكتبه الإعلامي، أنّه "على ضوء نتائج هذا الصراع تتشكل هوية وشكل الدولة إما أنّ تكون دولة مدنية ديمقراطية تعددية مستقرة أو تخضع لحكم شمولي"، مشدداً على أنّ "هذا ما لا يمكن قبوله فلا مكان لحكم العسكر، وكذلك لن نسمح بسيطرة التشكيلات المسلحة على مؤسسات الدولة وتكرار أخطاء الماضي".
كما نقل المكتب الإعلامي عن السراج، قوله "يجب ألا ننتظر ما يعد في الخارج من قوالب بل يتوجب أن نكون مستعدين بمشروعنا الوطني".
المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني |
من جهة ثانية، لفت مكتب السراج الإعلامي، إلى أنّ المشاركين في اللقاء قدموا "أفكارا ورؤى اتسمت بالصراحة والشفافية، وكان بينها قواسم عديدة مشتركة تشكل في مجموعها نموذجاً لمشروع وطني يشعر الليبيون جميعاً أنهم جزء منه".
وأشار إلى أنّ "اللقاء سيمهد للقاءات مجتمعية أوسع لصياغة رؤية وطنية مشتركة تمكن البلاد من تجاوز الأزمة الراهنة، وذلك استمراراً للملتقى الوطني الذي دعا إليه السراج، في مبادرته السياسية التي طرحها، منتصف يونيو/حزيران الماضي".
على المقلب الآخر، ادّعت عدة وسائل إعلام موالية لحفتر، نقلاً عن مصادرها ومحلليها، وجود "خلافات عميقة بين قادة حكومة الوفاق"، زاعمة أنّ نص الاستقالة الجماعية التي نشرت على حسابات الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي، "انعكاس لذلك"، رغم نفي الحكومة لتلك الاستقالة التي وصفتها بـ"المزورة" بعد اختراق حساباتها.
ويبدو أنّ هذا اللقاء الذي أجراه السراج يأتي للرد على تلك الادعاءات، وللتأكيد على قوة قاعدته التي يستند إليها، متمسكاً بالشروط السابقة المتعلقة بقبوله لشركاء ليبيين جدد، في إطار البحث عن حل سياسي للأزمة في ليبيا.
وفي حين لا يزال المجتمع الدولي يتجاهل شرط الحكومة باستبعاد حفتر من أي عملية سياسية مقبلة، لوقف القتال في طرابلس، والقبول بعودة العملية السياسية، يبدو أنّ لقاء السراج بالنخب السياسية والعسكرية والذي أشار بيان المكتب إلى أنّه "استمرار للملتقى الوطني الذي دعا إليه منتصف يونيو/حزيران الماضي"، جاء لنقل رسالة للمجتمع الدولي بأنّ الحكومة لا تعبر عن رأيها في ذلك فقط، وأنّ مقترح السراج بشأن عقد ملتقى وطني جامع، ممكن من دون حفتر.
وفي الآونة الأخيرة، زادت وتيرة التحركات الدولية من أجل استئناف العملية السياسية في ليبيا، بدءاً بمطالب البعثة الأممية لعقد هدنة خلال عيد الأضحى، ومروراً بالضغوط الأميركية التي أظهرتها لقاءات السفير الأميركي الجديد ريتشارد نورلاند، بأطراف ليبية عدّة، ولقاء قائد القوات الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" الجديد الجنرال ستيفن تاونسند، مع السراج في تونس، وأخيراً، ببيان مجموعة السبع في فرنسا الذي دعا إلى إجراء مؤتمر دولي ومحلي بشأن ليبيا.
وكانت مصادر حكومية من طرابلس كشفت، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، عن استعداد ألمانيا لاستضافة لقاء دولي بشأن ليبيا، لكن خلافات عديدة طرأت بشأن المشاركين فيه على الصعيد المحلي، حيث لا تزال قيادات عسكرية وسياسية من مصراته، ترفض لقاء ممثلي حفتر.
وجاء هذا بعدما انقلب حفتر على محاولات عدّة لصياغة حل سياسي للأزمة الليبية، آخرها شن حملة عسكرية على طرابلس، قبل أيام من عقد المؤتمر الوطني الجامع في غدامس الليبية، برعاية الأمم المتحدة، منتصف إبريل/نيسان الماضي، يناط به وضع محددات زمنية لانتخابات عامة في البلاد وصياغة دستور دائم، مفضلاً الحل العسكري الذي يمكّنه من الانفراد بالحكم.
ويرى مراقبون أنّ صمت حفتر سياسياً، وبقاء قواته قريبة من طرابلس وهي في حالة مراوحة ميدانية، ما هو إلا لكسب المزيد من الوقت، إما انتظاراً لوصول دعم عسكري جديد، أو محاولة للبقاء في المواقع ذاتها القريبة من العاصمة، لتكون ورقة تمكّنه من الجلوس على كرسي التفاوض مع خصومه.
ورغم توالي النداءات الدولية الداعية إلى وقف القتال في طرابلس، إلا أنّ قوات الجيش بقيادة حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً، تصدّت، الأسبوع الماضي، لمحاولة هجوم قوات حفتر على مدينة غريان شمال غربي ليبيا لاستردادها، كما تمكّنت إثر هجمة عكسية من صد تقدم آخر لقوات حفتر جنوب شرقي طرابلس، مكّنها من التقدم حتى مشارف مدينة ترهونة.
ولا تزال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام موالية لحفتر، تنقل أنباء عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من قواته، إلى عدة مناطق قريبة من طرابلس، وسط حديثها المستمر عن "قرب ساعة الحسم"، في إشارة لإصرارها على الحل العسكري.
ويبدو أنّ تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي قدّر عدد المقاتلين في صفوف تنظيم "داعش" في ليبيا بنحو 500 إلى 700 مقاتل، منهم ليبيون ورعايا أجانب، يأتي في إطار ممارسة ضغوط جديدة على حفتر.
فتقرير غوتيريس عن الحالة الليبية، الصادر منتصف الأسبوع الماضي، أشار إلى تواجد مقاتلي "داعش" في نقاط ومدن عدّة كلها تخضع لسيطرة حفتر، في إشارة لاتهام ضمني لتغاضي الأخير عن وجود التنظيم الإرهابي، وسعيه للملمة صفوف العناصر قريباً من مراكزه العسكرية.
كما أشار غوتيريس إلى أنّ "داعش" يحاول إعادة نشاطه في "أعقاب الهجوم الذي شنته قوات القيادة العامة (قوات حفتر) على طرابلس أوائل إبريل/نيسان"، لافتاً إلى أنّ التنظيم نجح في تنفيذ هجمات عدّة في قرى غدوة وزلة جنوبي ليبيا، وفي درنة شرقها، وهي التهم ذاتها التي حملتها كلمة السراج في لقائه بالنخب السياسية والعسكرية، ليل أمس السبت، كأحد أدلته لرفض الشراكة السياسية مع حفتر.