ودعا السبسي، مجلس الوزراء، إلى الانعقاد في وقت قاتل، غداة الإضراب العام في الوظيفة العمومية، وليلة الشروع في مداولات موازنة الدولة للعام 2019، الذي يتزامن بدوره مع انعقاد الهيئة الإدارية للمنظمة النقابية، التي ستبحث فيه سبل التصعيد ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومن ورائه الائتلاف الحزبي الحاكم.
وتمت، أمس الجمعة، المصادقة، من قبل مجلس الوزراء الذي ترأسه السبسي بحضور كل أفراد الحكومة بحسب ما ينص عليه الدستور، على عرض القانون الأساسي الجديد المتعلق بإتمام مجلة الأحوال الشخصية، بإضافة باب سابع مخصص للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.
واقتنص السبسي المناسبة لتذكير الحاضرين، وفي مقدمتهم الشاهد، بالشرعية الدستورية لمبادرته والمشروعية السياسية لها، مؤكدا على مدنية الدولة، وأن القانون هو مرجعيتها، والدستور هو أعلى هرم القانون الذي استمد من أحكامه هذه المبادرة، وأن أهم ركائز الدولة المدنية القانون والمواطنة وإرادة الشعب وليس أي إرادة أخرى، في إشارة إلى معارضي المبادرة، خصوصا حزب "النهضة".
وفي كلمته أمام مجلس الوزراء، ذكّر السبسي بالبنود الدستورية التي استمد منها مبادرته، خصوصا البند 21 الذي يفرض على الدولة أن تحقق المساواة بين الرجل والمرأة، والبند الثاني الذي ينص على مدنية الدولة وعدم جواز المس بهذه المدنية، معتبرا أن دوره كرئيس للجمهورية تنزيل أحكام الدستور والسهر على إنفاذه.
وطلب السبسي استعجال النظر من قبل البرلمان في هذه المبادرة التي تضمن المساواة في الإرث بين الرجال والنساء، مؤكدا أن البند 62 من الدستور يخوله تقديم مبادرة تشريعية، واقتراح قوانين على البرلمان تحظى بأولوية النظر.
وتُعد مبادرة السبسي الثالثة من نوعها بعد قانون المصالحة الذي مثّل نقطة خلافية فارقة في ولايته مر على طاولة البرلمان بصعوبة منقطعة النظير، لتبقى مبادرته الثانية المتعلقة بتعديل قانون المحكمة الدستورية والتخفيض في نصاب الانتخاب، رهينة التوافق مع حزب النهضة. ليلقي اليوم مبادرة لا تقل إثارة للجدل عن سابقتيها، ولعلها الأكثر بثاً للاختلاف بين جميع الفرقاء السياسيين وداخل الطيف المجتمعي، أراد بها السبسي جس متانة تحالف حكومة الشاهد الجديد، وامتحان الكتل التي تعتبر نفسها تقدمية وحداثية، على غرار كتلة "الائتلاف الوطني"، سليلة حزب "نداء تونس"، وكتلة "مشروع تونس" المنسلخة بدورها عن حزب الرئيس السبسي.
ويرى مراقبون أن السبسي لم يضع جميع البيض في سلة واحدة، ليصوب بدهاء مبادرته التي سيستميل بها التقدميين والحداثيين، بنفس القدر الذي ستمثله المبادرة كورقة ضغط منقطعة النظير على خصومه، سعيا لضرب وحدة الائتلاف الحكومي الفتيّ.
ويعتبر المتابعون أن المبادرة تتجاوز البعد الاجتماعي إلى أدوار سياسية أعمق، ستكون محددة في المشهد السياسي المقبل ولها علاقة بتوازنات الحكم وبالحراك الانتخابي الوشيك الذي لا يفصل البلاد عنه سوى أشهر معدودة.
وتحدّث المستشار السياسي للرئيس التونسي، نور الدين بن تيشة، في وسائل الإعلام، بكل ثقة حول حظوظ المصادقة على قانون المساواة، قائلا "أغلبية النواب والكتل في البرلمان مقتنعة بجدوى هذا المشروع وأهميته للمجتمع التونسي"، معتبرا أن "رئيس الجمهورية يعوّل بخصوص هذا المشروع على النواب المقتنعين به، وجميع الأحزاب مسؤولة وبإمكانها التعبير عن مواقفها إما بالرفض أو القبول".
وعن رفض حزب "النهضة" واحتجاج طيف واسع من المجتمع للقانون الجديد، علل بن تيشة ذلك قائلا إن "مشاريع الإصلاح الكبرى عادة ما تتعرّض لانتقادات ورفض، وتخلق خلافا كبيرا، لكن في النهاية يظهر بالممارسة أن الإصلاحات مهمة وتحقق نتائج في وقت لاحق". ولفت مستشار السبسي إلى أن هذه المبادرة دستورية، تهدف إلى تنقيح مجلة الأحوال الشخصية وتحقيق المساواة، وأنّ "رئاسة الجمهورية لم تمس القرآن الكريم أو شرع الله"، مشيرا إلى وجود "دستور يحكم التونسيين، ورئيس الجمهورية مطالب باحترامه والمساهمة في تكريسه" على حد توصيفه.
ويعلم السبسي جيدا موقف حزب "النهضة" المحترز من قانون المساواة، حيث تحدّث عن ذلك في أكثر من مناسبة، مشيرا إلى أن رئيس الحزب، راشد الغنوشي، سلّمه تحفظاته عندما صدر عن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة.
وقال رئيس "مجلس شورى النهضة"، عبد الكريم الهاروني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن موقف حزب "النهضة" عبرت عنه مؤسساتها بشكل واضح، مؤكدا أن "النهضة" تعارض أي قانون مخالف للقرآن والدستور ويهدد استقرار المجتمع والأسرة.
وعبّر بيان "مجلس شورى النهضة"، المؤسسة الرئيسية للقرار في الحزب، في شهر أغسطس/آب الماضي، عن رفض توصيات اللجنة الرئاسية، مؤكدا في نص البيان "أن مبادرة المساواة في الميراث، فضلا عن تعارضها مع تعاليم الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية، فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية وعادات المجتمع".