لم ينفذ الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وعده خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، بأن تكون الجزائر أول دولة يزورها فحسب، بل إن الأعراف والتقاليد السياسية والتاريخية، تقتضي بأن تكون أول زيارة دولة لأي رئيس تونسي إلى الخارج باتجاه الجزائر.
زار السبسي الجزائر ليومين، للقاء نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الذي يعرفه منذ عام 1959، حين زار بوتفليقة تونس كمبعوث من قبل "جبهة التحرير الوطني" التي كانت تقاتل الاستعمار الفرنسي. كما أن الرجلين كانا مسؤولين، كل في دولته، بشكل متزامن. فكان السبسي وزيراً للداخلية، ومديراً للأمن، ووزيراً للخارجية، كما شغل مناصب أخرى، أما بوتفليقة فكان وزيراً للشباب، ثم للخارجية، لعقدين حتى عام 1979.
في العلاقات السياسية، تؤدي هكذا معطيات دوراً مهماً في تسهيل التوافق على مطلق قضية، خصوصاً في المرحلة الحالية. إذ ناقش الرئيسان مسألة إنجاز التوافق السياسي في تونس لدعم حالة الاستقرار في المنطقة. فبالنسبة للجزائر، فإن إنجاز الاستقرار في تونس، والعبور من المرحلة الانتقالية التي دامت ثلاث سنوات إلى المرحلة الثابتة سياسياً، يعطيها فرصة لزيادة مستوى الدعم الاقتصادي لتونس، وإنجاز برامج التنمية، تحديداً في المناطق الحدودية.
وفيما يتعلق بالملف الأمني و"مكافحة الإرهاب"، فإن جبل الشعانبي التونسي، يبدو في غاية الأهمية بالنسبة للجانبين، في ظلّ الخشية من إمكانية "اتخاذ المنطقة الواقعة على الحدود بين البلدين كقاعدة خلفية للمجموعات المسلّحة، من أجل الانطلاق وتنفيذ عملياتها الإرهابية في الداخل التونسي".
وفتح ملف جبل الشعانبي، الباب أمام البلدين، من أجل تأطير رؤيتهما في "اتفاقية مشتركة لمكافحة الإرهاب، تحدد بوضوح إطار وأدوات مكافحة الإرهاب في المنطقة، والسماح لتونس بالاستفادة من الدعم اللوجستي الجزائري، ومن تجربة الجيش والأمن الجزائري في مكافحة الإرهاب، على كل الأصعدة الميدانية والاستخباراتية والفكرية والسياسية". وتمنح الاتفاقية الضوء الأخضر للقيادات العسكرية الميدانية، المرابطة على الحدود، "حقّ وصلاحية اتخاذ القرار العسكري ميدانياً من دون العودة إلى القيادة المركزية، خصوصاً في العمليات العسكرية الخاطفة".
وتتفق الجزائر وتونس على رفض مبدأ "التدخل الأجنبي في ليبيا"، سياسياً وعسكرياً، وهو ما عبّر عنه الرئيس التونسي في تصريحاته الأخيرة، إذ أكد أن "تونس ترفض أي تدخل أجنبي في ليبيا"، على اعتبار أن هذا التدخل قد يستدرج المتشددين إلى المنطقة، تحت شعار محاربة القوات الأجنبية.
وبفعل زيارة السبسي إلى الجزائر، تكون العلاقات التونسية الجزائرية قد استعادت كثيراً من روحيتها المعهودة، بعد فترة من الفتور الطفيف على مستوى العلاقة بين الرئاستين، خلال عهد الرئيس السابق المنصف المرزوقي. وهي الفترة التي لم تكن فيها الرئاسة الجزائرية على توافق مع المرزوقي الذي أقام لسنوات في المغرب، خلال فترة نفي والده، بسبب ما اعتبرته الجزائر تصريحات تتصل بقضية الصحراء الغربية، ورأت فيها "تصريحات تدعم الطرح المغربي، في شأن تسوية قضية الصحراء الغربية".
واللافت أن الجزائر أخذت على محمل الجد تصريحات المرزوقي، على الرغم من محاولته نفيها في حينه، والحديث عن تأويل خاطئ لمضمونها. وزاد من تعقيدات الأمر زيارة وإقامة الملك محمد السادس لأكثر من أسبوع في تونس. وانعكس سوء التفاهم السياسي على التواصل بين الطرفين، ولم تسجل للمرزوقي سوى زيارة واحدة إلى الجزائر، خلال ثلاث سنوات قضاها في الرئاسة. وهو ما يُعدّ أمراً غير معهود في العلاقات بين الرئاستين في البلدين، وألزم هذا الوضع الرئاسة الجزائرية، التعاطي مع تونس على مستويين، مع الحكومة بفتور، ومع رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي الذي يرتبط بعلاقات شخصية مع بوتفليقة، بحرارة.